ألا يمثل ترامب الشعب الأمريكي؟
8 - يونيو - 2020
هيفاء زنكنة
6
حجم الخط
لم يعد فايروس كورونا القاتل هو الشاغل الأول للناس في أرجاء الكرة الأرضية. تغيرت الأولويات، فالعالم مشغول بالمظاهرات في أمريكا. انتقل غضب المتظاهرين، من ولاية أمريكية الى أخرى، ومنها الى بريطانيا وألمانيا وكوريا وفرنسا ومنها الى مدرج المسرح البلدي، بشارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة التونسية.
اختلفت ردود الأفعال من بلد الى آخر. ففي تونس، وجّه حمة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال، نداء « إلى شباب تونس، إلى نسائها وكادحيها ومثقّفيها ومبدعيها: انتصروا إلى أخواتكم وإخوتكم في أمريكا» مبينا فيه « إنّ تحرّك الشعب الأمريكي اليوم يعطي فرصة غير مسبوقة للقوى التقدمية في العالم لكي تعبّر عن مساندتها له وتشدّ أزره في مواجهته الوحش الرأسمالي الامبريالي الأمريكي» وإن « الشعب الأمريكي يقدّم خدمة كبيرة لشعوب العالم لأنه يفضح هذا الوحش الذي آذاها ويؤذيها ويضعفه ممّا يوفّر فرصة لهذه الشعوب حتّى تتمرّد عليه وتتحرّر من أغلاله».
ونشط في بقية البلدان العربية والإقليمية المجاورة، متحدثون باسم حكومات قمعية لاستنكار أسلوب مواجهة المتظاهرين « غير الديمقراطي» من قبل الإدارة الامريكية. في ذات الوقت الذي لا يجدون فيه حرجا باتباع أسلوب أكثر وحشية لقمع مظاهرات مواطنيهم. الكل يبررون ذلك بأنه ضرورة أمنية.
خلال أيام قليلة، ظهرت قراءات وتفسيرات متعددة للمظاهرات التي أججها مقتل جورج فلويد الأمريكي الأسود اختناقا تحت شرطي أبيض (لا أدري لم يوصف فلويد بأنه من أصول افريقية ويصفون الرئيس السابق أوباما بأنه من اصل كيني، وكأن بقية سكان أمريكا كلهم لا ينحدرون من أصول هي غير سكان البلد الأصليين، الذين تمت ابادتهم وبناء البلد الحالي على جماجمهم). تحولت صرخة فلويد الأخيرة « لا أستطيع أن أتنفس»، الى شعار سرعان ما تم تداوله ضد العنصرية وتكميم الأفواه وكل أنواع التمييز، بل وربطه متظاهرون في عواصم أوروبية بفرض الحكومات سياسة ارتداء الكمامات. خُلعت الكمامات التي باتت رمزا للهيمنة والسيطرة بدلا من الوقاية والحذر، واحتلت أخبار إيجاد لقاح سريع لمنع انتشار الوباء بوجبة ثانية المرتبة الدنيا في قوائم أكثر الأخبار قراءة او اطلاعا إعلاميا.
احتلت صورة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واقفا امام كنيسة وهو يحمل الإنجيل، مساحة مساوية وموازية لصورة جورج فلويد والمتظاهرين، لتبين، مدى انقسام الشعب الأمريكي لا من ناحية لون البشرة فقط ولكن ما هو ابعد من ذلك، أي الناحيتين الاقتصادية والطبقية، المتداخلتين مع درجات الاستحواذ على مراكز السلطة، وكيفية الوصول اليها ومن ثم المهارة في صناعة الرضا الشعبي.
- اقتباس :
إن تأثير المظاهرات الامريكية سيبقى، محصورا بما سيفرض من تغيير على الوضع الداخلي، ولن يمس السياسة الخارجية التي هي في المحصلة سياسة دولة
ومن يراجع مسيرة ترامب سيجد أنه منذ ترشيحه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، البلد الأقوى في العالم عسكريا وتكنولوجيا، كممثل للحزب الجمهوري، عمل على استقطاب شرائح مجتمعية يعرف جيدا أنها من ستوفر له فرصة البقاء في منصبه دورة أخرى. وانه، خلافا، لعديد الرؤساء الأمريكيين ممن سبقوه، نفذ فعلا معظم وعوده التي أطلقها اثناء الحملة الانتخابية، بغض النظر عن درجة استهجان نسبة من الشعب الأمريكي لبرنامجه ولا إنسانية أسلوبه في التطبيق البرنامج، بالإضافة الى كراهيتنا، نحن الذين نعيش نتائج عنجهية السياسة الأمريكية الخارجية وحروبها المدمرة.
صحيح أن سلوك الرئيس الأمريكي اتسم بالشعبوية التحريضية، واقترن خطابه بخلق المهاترات والعنصرية بواسطة تغريدات لم يعهدها العالم من قبل أي رئيس سبقه، وصحيح أنه تميز بسرعة إصدار الأحكام وتعيين المستشارين او طردهم أو إقامة علاقات دولية او وضع حد لها بسرعة، خلال ساعات أحيانا، قد جعلته محط سخرية ومصدرا لا ينضب لرسامي الكاريكاتير، الا انه نجح في تحقيق ما أراده جمهوره من الشعب الأمريكي، الذي صّوت له وفق نظام ديمقراطي يُعتبر أساس الوجود الأمريكي، تبعا لدستور يكاد يكون مقدسا. وهذه نقطة بالغة الأهمية، غالبا، ما يتم تجاهلها أو التعامل معها من قبلنا. اذ نُسقط على الديمقراطية الامريكية واختيار الشعب لحكامه عبر الانتخابات مواقفنا نحو الديمقراطية والدساتير في بلداننا في ظل أنظمة استبدادية ـ تابعة ومتوارثة. حيث لم تنم الديمقراطية بشكل عضوي، ونادرا ما كان الدستور مكتوبا من قبل أبناء البلد أنفسهم في معظم البلدان العربية بل والأدهى من ذلك، غالبا ما نجدهما اما مستوردين أو مفروضين من « الخارج» وفي حالة العراق من قبل قوات الاحتلال الأمريكي
هذه الأرضية تستحق الانتباه عند الكتابة عن المظاهرات الامريكية الحالية والدعوة الى مساندتها باعتبارها « ثورة»، وكأنها نبعت من شعب أجبرته قوات الغزو والحكام بالنيابة، على خوض انتخابات مفروضة عليه قسرا. المفارقة (أو لعله الإحساس بالمرارة)، هي اننا لم نقرأ أي نداء من قبل أي حزب أو تنظيم عربي أو عالمي يدعو الى دعم المعتصمين العراقيين في انتفاضة تشرين/ أكتوبر بتكلفتها العالية بحياة 700 شهيد ومئات المختطفين وآلاف الجرحى، خلال أربعة أشهر فقط. ولا يزال الصمت القاتل سائدا على الرغم من استمرار الاحتجاجات في عشر مدن عراقية للمطالبة بمحاسبة قتلة المتظاهرين والتخلص من الاحتلالين الأمريكي والإيراني.
بعيدا عن الصحافة العربية التي يبدو كتابها إما مصدومين لأن «الكلام المنمق الذي تستخدمه الإدارات الأمريكية للحديث عن وجوه المساواة والعدالة المتحققة في المجتمع الأمريكي، ليس حقيقة»، أو كأنهم اكتشفوا العجلة حين يصفون قتل فلويد بأنه يبين « ممارسات التمييز العنصري في دولة تدعي أنها زعيمة المساواة والحرية في العالم»، نجد أن ترامب استطاع، الحصول على رضا المصوتين له، اذ حقق لهم تحسنا اقتصاديا ملموسا وتخفيض نسبة البطالة، وبناء جدار عازل مع المكسيك، ومعاملة المهاجرين بطريقة تثير رعب كل من يحاول اللجوء الى أمريكا، وطرد من لا تحتاجهم، والعمل على تقليل القواعد العسكرية وتكاليف نفقاتها الكبيرة، وإجبار الحكام الراغبين بالحماية الأمريكية ضد شعوبهم، على دفع تكاليف القوات، كما فعل مع المملكة العربية السعودية. كما لم ينكث بوعوده السخية للكيان الصهيوني، بل اُعتبرت « صفقة القرن» إنجازا له، والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني هو «الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله». لتليها الموافقة على مد المستوطنات أينما أراد المحتل. كل هذا بموافقة أو صمت الخانعين من الحكام العرب.
إن تأثير المظاهرات الامريكية سيبقى، محصورا بما سيفرض من تغيير على الوضع الداخلي، ولن يمس السياسة الخارجية التي هي في المحصلة سياسة دولة، كما أن معظم مواطني الولايات المتحدة وأوروبا لا يهتمون كثيرا بالسياسة الخارجية إلا إذا مست وضعهم الاقتصادي بشكل مباشر. ولنتذكر أن معظم الشعب الأمريكي والبريطاني أنتخب الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء توني بلير على الرغم من المظاهرات المناوئة للحرب على العراق في كلا البلدين وفي أرجاء العالم.
كاتبة من العراق