المغرب في زمن الهجرة إلى إسرائيل
منذ 18 ساعة
مثنى عبد الله
33
حجم الخط
هل تستحق قضية الصحراء الغربية أن يدفع المغرب هذا الثمن الباهظ في التطبيع؟ من قال إن الاعتراف الأمريكي الشائك بهذا الملف بما يتناغم مع رؤية الرباط سيصنع حلا دائما؟ أين رمزية المغرب في احتضانه لجنة القدس ووكالة بيت مال القدس؟ ألم ينجح العدو في دفعنا لتقديم ملفاتنا الداخلية على القضية المركزية؟ ماذا كسبت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية من عمليات التطبيع؟ فعلام يتوالى السقوط المريع في وحل التطبيع بأثمان بخسة، والفائز الوحيد هو إسرائيل.
تُطبّع الإمارات من أجل صفقة طائرات أف 35 والتكنولوجيا الإسرائيلية.. يُطبّع السودان من أجل أن يُرفع اسمه من قائمة الإرهاب، ويحصل على قروض. واليوم يُطبّع المغرب من أجل اعتراف أمريكي بقضية الصحراء. والقاسم المشترك الوحيد في كل هذه الأفعال هو الابتزاز الأمريكي في الوقت الضائع من ولاية دونالد ترامب، يقابله انبطاح النظام الرسمي المخدوع بحلول مبتسرة وعلاجات قاصرة، ومع ذلك فإن حقيقة الموقف الراهن ليست قائمة على هذه التبريرات. الحقيقة هي أنه منذ عقود طويلة، كان للمشهد السياسي العربي مساران متلازمان ومتوازيان. مسار السياسة العلنية القائم على مركزية القضية الفلسطينية، وتسخير كل الإمكانيات من أجل التحرير، أو الوصول إلى حل قائم على الأرض مقابل السلام. والمسار الثاني هو السياسة السرية القائمة على اللقاءات والزيارات المتبادلة والتنسيق الأمني مع العدو. من المسار الأول كان الحاكم العربي يأخذ شرعيته الشعبية، ويُبرر قمعه وظلمه واستئثاره بالسلطة والثروات، لأن لا حديث يجب أن يعلو فوق صوت المعركة. ومن المسار الثاني كان يؤمّن استمرارية الرضى والقبول الأمريكي به، لأنه يعترف سرا بإسرائيل، ولان التحرير لم يأت، ولأن الشعارات بدأت تتقلص شيئا فشيئا حتى أوصلنا الحاكم العربي إلى ضرورة القبول بفتات فلسطين، ولأنه عرف أن الشعب قد كشف زيف التصريحات والشعارات، عندها أيقن بأن غطاء هذه القضية لم يعد يعطيه الشرعية، فقفز ليعلن أن إسرائيل ليست العدو، وأن التطبيع والعلاقات الطبيعية معها هي مفتاح الحل لقضايانا الوطنية أولا وقبل كل شيء.
وفي ضوء هذا السلوك السياسي أتت تبريرات السلطات الحاكمة في المغرب، نسي رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني تصريحه أمام حزب العدالة والتنمية المغربي، غداة الإعلان عن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي في أغسطس/ آب المنصرم، حين قال بأن التطبيع خط أحمر بالنسبة للقصر والحكومة والشعب المغربي. وأضاف أن التطبيع يمنح إسرائيل مزيدا من التضيق على الفلسطينيين. كما بدأت أصوات حكومية ومن الحاشية تُبرر الإقدام على هذه الخطوة بالقول، إن هنالك ما يقارب مليون يهودي من أصول مغربية في إسرائيل، وحوالي عشرة من وزراء الحكومة الإسرائيلية من أصول مغربية، وإن بعض مستشاري القصر الملكي من المغاربة اليهود. كل هذه التبريرات أتت اليوم دفعة واحدة كي يوصلونا إلى النتيجة التي يريدون منها القول، إن هذه المسارات تجعل من الصلات بين المغرب وإسرائيل قوية، وإن التطبيع ضرورة مغربية ملحة. وبالتالي فلا مبرر بعد اليوم للاعتراض على الخطوة الأخيرة تجاه إسرائيل. لكن كل هذا الكلام مجرد هراء، الحقيقة هي أن السياسة السرية، ظهرت إلى العلن ولم يعد هنالك من مبرر لإخفائها، خاصة أن الأمريكيين بدأوا يضغطون لإنهاء ملف العلاقات من تحت الطاولة، لأنها باتت لا تخدم إسرائيل. فمنذ خمسون عاما والقصر الملكي على علاقة متينة مع الكيان الصهيوني، والزيارات والمباحثات قائمة، كما أن أقوى الأواصر كانت بين الطرفين في المجال الاستخباراتي، حيث كانت البضاعة الرئيسية التي صدرتها إسرائيل للسلطات في الرباط على مرّ السنين الماضية هي المعلومة الاستخباراتية تقابلها معلومة. كما أن القصر كان هو الوسيط في اتفاق السلام المصري الاسرائيلي، بعد أن استضاف الملك الحسن الثاني الرئيس المصري ورئيس الوزراء الاسرائيلي في زيارة سرية. وفي عام 1986 زار رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز المغرب، ليبدأ بعدها الحديث عن ضرورة بناء علاقات بين الطرفين. ثم جاءت اتفاقيات أوسلو لتعطي جرعة كبيرة للسلطات المغربية للحديث عن ضرورة التواصل مع إسرائيل وفتح ممثليات في البلدين.
إن ما تتحدث به السلطات المغربية من أن الاعتراف الأمريكي بالسيادة الكاملة للمغرب على الصحراء الغربية هو المكسب المهم من انفتاح المغرب على إسرائيل، هو كلام للاستهلاك الداخلي لا غير. فالمغرب يعرف قبل غيره أن هذا الملف مسألة شائكة، وفيها آراء ومواقف دولية لا يستطيع الاعتراف الأمريكي أن يختزلها في موقفه. كما لا يوجد لحد اليوم حسم فيها، لا على الصعيد الدولي ولا على صعيد الأمم المتحدة، ومازالت تُعتبر دوليا على أنها نزاع غير محسوم. حتى الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة أعلن أن الاعتراف الأمريكي لا يُغيّر في القضية شيئا، وبالتالي فإن حصاد المغرب من الاتفاق التطبيعي بخس جدا، على العكس من تل أبيب التي ربحت فيه على حساب الرباط، فللاخيرة رمزية كبيرة بالنسبة للأولى، على العكس من المنامة وأبوظبي، لأن المغرب كان دوما داعما للقضية الفلسطينية، ويصر على أن الأولوية هي لإقامة دولة فلسطينية قبل التطبيع. كما شاركت الرباط في الحرب ضد إسرائيل مع الجيوش العربية في عام 1967 على الجبهتين الشرقية السورية، والشمالية المصرية. وللمغرب رمزية في القضية الفلسطينية، كان دوما يفاخر بها، وهي لجنة القدس التي يرأسها منذ عام 1975، ووكالة بيت مال القدس منذ عام 1998 ومؤسسات أخرى مختصة بشؤون المقدسات الإسلامية في فلسطين.
- اقتباس :
- يتوالى السقوط المريع في وحل التطبيع بأثمان بخسة، والفائز الوحيد هو إسرائيل
قد يقول قائل بأن السلطة الفلسطينية نفسها، أعادت سفراءها إلى المنامة وأبوظبي بعد سحبهم اعتراضا على التطبيع، الذي قامت به الاخيرتان. كما أن السلطة أعادت التواصل مع السلطات الاسرائيلية مؤخرا، وأن العاهل المغربي قد تواصل مع الرئيس الفلسطيني عند إعلان التطبيع، لكن من قال بأن السلطة الفلسطينية تملك الحق الحصري بتوزيع سندات الموافقة للتطبيع؟ القضية الفلسطينية ليست ملكا لأحد، هي ملك للشعب الفلسطيني ولنا نحن أيضا، وليست ملكا لاصحاب السياسات الرثة الذين اليوم يبيعون الأهم بما دونه. هل القضية الأهم اليوم بالنسبة لنا نحن العرب طائرات أف 35 التي تسعى الإمارات للحصول عليها؟ أم فلسطين أرضا وشعبا ومياها وسماء؟ وهل الأهم رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والتصدق عليه بقروض مالية؟ أم الأهم أن تحيا فلسطين ويحيا أهلها أحرارا؟ وهل الأهم قضية الصحراء الغربية؟ أم دماء أهلنا التي تسيل يوميا على أرض فلسطين؟ هذه وهذه وتلك وغيرها كلها قضايا فرعية أمام القضية الفلسطينية التي هي مفتاح الحل لدولنا ولشعبنا، ولكل قضايا الشرق الاوسط. ولأنها لم تُحل لحد الآن فإن الحلول الجزئية والمقايضات الساذجة لن تحل المشكلة الأكبر والأهم.
لقد استنتج العقل الصهيوني أن التطبيع مع مصر والأردن لم يكن نموذجا جاذبا للعرب، فبات العمل حثيثا مع الحلفاء الأمريكيين على إنتاج نموذج علاقة إسرائيلية عربية جاذب، كي تثار أسئلة على الصعيد الشعبي من مثل: أنظروا كيف أن السودان خرج من العزلة الدولية، ولم يعد إرهابيا. وهذا المغرب تخلص من مشكلة الصحراء. وتلك الإمارات باتت لديها قوة جوية رادعة وتكنولوجيا لا يملكها غيرها. ليأتي الجواب بأن كل ذلك حدث بسبب التطبيع مع إسرائيل فيترسخ فهم مخادع بأن الحل لمشاكلنا الوطنية هو بيد إسرائيل.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية