عذراً سيدي الرئيس... كنت على حق
سحبان فيصل محجوب – مهندس استشاري
[size=32]عذراً سيدي الرئيس... كنت على حق[/size]
عندما كانت إدارة هيئة الكهرباء تسعى بكل ما هو متاح لها من وسائل إلى إضافة أية قيمة من الطاقة الكهربائية إلى قدرات المنظومة الوطنية وما رافق ذلك العديد من النجاحات عندما بدأت بعض ملامح أزمة تجهيز الكهرباء بالتلاشي... كان هذا في العام ٢٠٠٢م عندما زار العراق وفد إيراني حكومي وفي جعبته مقترح عملي وجاهز للتنفيذ يقضي بتزويد الشبكة العراقية بكمية محددة من الطاقة الكهربائية، من خلال إجراء ربط مناطقي باستخدام أحد خطوط النقل بجهد ١٣٢كيلو فولت، الذي تقع مساراته قريباً من حدود البلدين، وكانت، على وجه التحديد، في إحدى مناطق محافظة ديالى...
حمل هذا المقترح ووضعه أمامي المهندس القدير ثامر محمود (المدير العام لكهرباء بغداد في حينها)، وكان يمثل هيئة الكهرباء في الاجتماعات الرسمية مع الوفد الايراني الزائر، الذي كانت تعقد اجتماعاته في مقر وزارة التجارة ببغداد، وقد عددت والعاملين معي في إدارة قطاع الكهرباء، وكنت حينها (الوزير المكلف بإدارة هيئة الكهرباء العراقية)، هذا من الأخبار السارة جداً، وأن نتائجه سوف تكون سريعة بإضافة كمية من الطاقة الكهربائية لم تكن ضمن حساباتنا، والتي كنا بانتظار المزيد منها باتجاه تعزيز قدرة الانتاج للمنظومة الكهربائية العاملة.
وهنا أصابني وزملائي العاملين معي في إدارة هيئة الكهرباء ما أستطيع وصفه (في حينه) بالإحباط الكبير فعندما عرضت المقترح في اجتماع مجلس الوزراء وبعد حوار مختصر لم يتجاوز دقيقة واحدة أوضحت فيه أن الربط يتيح لنا استيراد الكهرباء فقط وليس تبادلها، جاء الرفض القاطع من الرئيس الراحل صدام حسين (رحمه الله)، وهكذا كتب لهذا المقترح المصير غير المتوقع له بوضعه في سلة المهملات .
حدث العدوان في سنة ٢٠٠٣ وتفاقمت أزمة إنتاج الكهرباء، بعدها، وجرى ما جرى من محاولات مختلفة وبائسة لمعالجتها كانت إحداها إحياء المقترح المهمل والخاص بقيام إيران بتزويد العراق بجزء من حاجته للطاقة الكهربائية وبقيمة مالية تقارب المليارين دولار سنوياً (يكفي هذا المبلغ لإنشاء محطة حرارية متكاملة بطاقة ٢٠٠٠ ميكاواط).. رافق هذا التجهيز الكثير من العيوب في مقدمتها عدم استقرارية التيار الكهربائي المجهز، الذي تنقصه (أحياناً) المواصفات القياسية المعتمدة، كذلك قطع هذا التيار (إيقاف التصدير) في الأوقات الحرجة عند زيادة الطلب على استخدام الطاقة الكهربائية بذريعة عدم تسديد العراق فواتير المبالغ المستحقة للطاقة المصدرة اليه من الشبكة الإيرانية للكهرباء.
على وفق الحاصل الآن مما تعانيه منظومة العراق الكهربائية من تشوهات وتداعيات فنية ومالية صعبة القتها شروط الربط الكهربائي (غير المتكافئ) مع إيران تحضر بوضوح معالم الرؤية المستقبلية الصائبة لقيادة النظام، آنذاك، ليس هذا على صعيد الكهرباء فقط، بل شمل مختلف جوانب حياة المجتمع، التي كان شكّل تدخل النظام الايراني فيها وبالاً وخيماً تحمل تبعاته المواطن العراقي.. فعذراً أيها الراحل فقد كنت تنظر أبعد مما نرى وقد كنت على حق .