هل الأرض حقا مسطحة؟ عالم الفيزياء الفلكية آلان ريازويلو يرد
على منصات التواصل الاجتماعي ينتشر الكثير من دعاة نظرية الأرض مسطحة (الفرنسية)
الجزيرة:على منصة يوتيوب، تنتشر الكثير من مقاطع الفيديو، التي تحاول إثبات أن كوكبنا مسطح وليس كرويا، وأنه لا يتحرك في الفضاء. وفي هذا الحوار، يدحض عالم الفيزياء الفلكية آلان ريازويلو 4 حجج يتمسك بها أصحاب نظرية المؤامرة، وأسلوبهم في تنويم عقل المشاهد وإقناعه بأشياء تتعارض مع العلم.
ادعاءات ونظريات وجمعيات
يقول الكاتب سيريل بونيه في تقريره الذي نشرته مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" (Le Nouvel Observateur) الفرنسية إن إحدى هذه المقاطع الموجودة على يوتيوب يظهر صاحبها مشاهد مستقيمة من الأرض، ويقول إن الأفق دائما يبدو مسطحا بشكل كامل، على امتداد 360 درجة حول المشاهد، وأن وكالة ناسا وباقي وكالات الفضاء الحكومية فقط هي من تظهر انحناء في الأفق، في صورها ومقاطع الفيديو التي تم التلاعب بها.
هذا الفيديو الذي يدوم ساعتين، وتمت ترجمته إلى الفرنسية، نشره لأول مرة اليوتيوبر الأميركي إريك دوباي، وفي هذا الفيلم، يقدم دوباي ما يسميه 200 حجة على أن الأرض ليست كروية، وأن هذا الكون بأكمله مختلف جدا عما يتم تصويره لنا من طرف المجتمع العلمي.
ومن بين النظريات الغريبة، التي يقدمها المؤمنون بالأرض المسطحة، أن النجوم معلقة في قبة، وأن الشمس ليست إلا مصباحا ذو حجم متواضع يتجول فوق هذا السطح، الذي يعيش فيه البشر.
https://www.youtube.com/watch?v=rebktApD31I&feature=emb_title
ونبه الكاتب إلى أن هذه النظرية ليست مجرد أوهام يسوقها بضعة أشخاص، إذ إن استطلاعا أجري في فرنسا عام 2018، أظهر أن 9% من المستجوبين يعتقدون بإمكانية أن تكون الأرض مسطحة، أو على الأقل غير كروية كما يتم تعليمنا في المدارس. أما في الولايات المتحدة، البلد الذي شهد ولادة "جمعية الأرض المسطحة" (Flat Earth Society)، فإن واحدا من كل 10 أميركيين يشكك في كروية الأرض.
ومن أشهر المشككين في هذا الأمر هنالك مايك هيوز، الذي قرر في فبراير/شباط 2020 التحليق على ارتفاع عال جدا؛ ليرى بعينيه شكل الكوكب، الذي كان يفترض أنه مسطح؛ إلا أن هذا الرجل البالغ من العمر 64 عاما توفي بعد تحطم الصاروخ المحلي الصنع الذي طار به، حيث سقط بعد ثوان قليلة من إقلاعه.
4 أدلة تدحض النظرية
للرد على نظرية المؤامرة والحجج التي يقدمها هؤلاء، أجرت الصحيفة حوارا مع ريازويلو، الباحث في معهد الفيزياء الفلكية في باريس، ومؤلف كتاب "لماذا الأرض كروية الشكل؟"، الذي قدم فيه أدلة تدحض بشكل منهجي نظرية المؤامرة، التي يتم الترويج لها على شبكة الإنترنت.
يرد ريازويلو في كتابه على 4 من أبرز الحجج، التي يتبناها أصحاب نظرية المؤامرة، وهي:
• الأرض لا يمكن أن تكون كروية بما أن الأفق يبدو مسطحا: في الواقع الأفق يبدو مسطحا؛ بسبب الحجم الكبير للأرض، لو كانت الأرض صغيرة؛ لكنا شاهدنا شكلا آخر. وهو أمر عرفه علماء الإغريق مثل أرسطو منذ زمن بعيد.
• لا يمكن أن تدور الأرض حول الشمس، ولو كانت تتحرك في الفضاء؛ لكنا شعرنا بقوة هذه الحركة: في الواقع الانطباع نفسه يحدث في القطار والطائرة، فرغم أن السرعة كبيرة نرى الماء في الكأس مستقرا؛ بسبب استقرار السرعة. وهو أمر أثبته العالم الإيطالي غاليليو في القرن 17.
• قبة الأنوار التي نراها فوقنا هي نوع من الزينة كورق الجدران؛ لأنها تبدو ثنائية الأبعاد، وليس فيها أي عمق: في الواقع النجوم بعيدة جدا؛ لذلك لا نلاحظ تغير مواقعها عندما تتحرك الأرض. مثال على ذلك عند السفر بالسيارة فإن الأشجار على جانبي الطريق تتحرك بسرعة، والجبل البعيد يبدو ثابتا.
• الشمس جسم صغير يتحرك حولنا، ولدعم هذا الادعاء يعرض أصحاب نظرية المؤامرة مقاطع فيديو تبدو فيها الشمس أصغر عند الشروق والغروب؛ أي عندما تكون بعيدة عنا، وأكبر في منتصف النهار عندما تكون قريبة: في الواقع الشمس تبدو أكبر حجما بسبب توهجها، ويكفي شراء نظارات خاصة تحمي العينين ثم مشاهدة الشمس لنلاحظ أن حجم القرص في الواقع لا يتغير خلال فترات النهار.
حقائق علم الفلك
ومن أجل التصدي لهذه النظريات، فإن ريازويلو استنجد بمجموعة من حقائق علم الفلك المعروفة منذ وقت طويل، ومن بينها معلومات يمكن ملاحظتها بشكل بسيط في حياتنا اليومية.
كما ينبه هذا العالم إلى أن أصحاب نظرية المؤامرة يعتمدون خطابا مغالطا، حيث إنهم يقولون للإنسان العادي "إن حواسك لا يمكن أن تخدعك؛ لذلك فإن الأشياء في الحقيقة هي كما تبدو لك، وليس كما يصفها العلماء".
كما يعتمد هؤلاء أسلوبا تبسيطيا، يتمثل في الادعاء أن الشكل المسطح للأرض هو أمر بدهي، وأن الإنسان لا يحتاج أصلا للتفكير من أجل فهم المؤامرة. وهو أسلوب مستخدم لتنويم المشاهد، وعدم إعمال عقله.
ويعتمد أصحاب هذه النظرية على ما يسمونه الفطرة السليمة من أجل تقويض المعارف العلمية، والتمكن من تمرير كل الادعاءات الأيديولوجية التي يتبنونها، على غرار نفيهم حدوث احتباس حراري يهدد كوكب الأرض.