معركة الخفجي ١٩٩١.. أول مواجهة برية بين العراق وقوات التحالف
طه العاني- الجزيرة نت:بعد نحو أسبوعين على انطلاق عمليات حرب الخليج الثانية فيما عُرف حينها بعاصفة الصحراء، تفاجأ التحالف الدولي بعملية بريّة مباغتة استطاعت القوات العراقية من خلالها السيطرة على مدينة الخفجي (شرقي السعودية) والتي تحاذي الحدود الكويتية.
الهجوم الذي نفّذه العراق ليلة 29-30 يناير/كانون الثاني 1991، كان يمثل المفاجأة التكتيكية الثانية بعد استخدام صواريخ سكود التي استهدفت إسرائيل بالدرجة الأساس، والتي حاول الرئيس الراحل صدام حسين من خلالها استعادة زمام المبادرة.
تحضيرات الهجوم
بعد اجتياح الجيش العراقي للكويت وإنزال قوات التحالف الدولي لجيوشها داخل السعودية وبعض دول الخليج حاول بعض الضباط العراقيين إقناع القيادة آنذاك بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع وأن الحرب خدعة، بحسب الدكتور أحمد فكاك البدراني، العميد السابق لكلية العلوم السياسية في جامعة الموصل.
ويضيف البدراني للجزيرة نت، أن ما جرى كان خطة عسكرية وحيلة كبيرة، حيث تقدمت المدرعات العراقية وهي موجهة فوهات مدافعها بعكس القوات السعودية والأميركية، من أجل الإيحاء بأن هذه القوات قد انشقت عن قيادتها وجاءت للاستسلام، ومن ثم دخول المعركة بشكل مباغت لإيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف الجيش الأميركي والقوات الأخرى.
بدوره، يشير اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي إلى أن التحالف لم يستطع رصد الاتصالات العراقية في عملية الخفجي المباغتة، ولم يشعر بعمليات الاستطلاع التي نفذتها القوات العراقية قبل ذلك، بإرسال مفارز استطلاعية وصلت إلى الحدود الفاصلة ما بين القوات العراقية وقوات التحالف، وحصلت على معلومات مهمة استخدمت في التخطيط للهجوم.
الهدف والتوقيت
وبيّن القيسي للجزيرة نت، أن القيادة العسكرية العراقية أرادت من هذه المعركة أن تربك خطط التحالف في القيام بعملية برية واسعة تشارك فيها القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية التي كانت تتحشد على الحدود السعودية العراقية إلى الغرب من الكويت، لتطويق القوات العراقية بإسناد القوة الجوية.
في حين يرى أستاذ تاريخ العراق الحديث والمعاصر الدكتور بشار العكيدي، أن عملية الخفجي كانت محاولة لاستدراج قوات التحالف الدولي لمعركة برية يحقق فيها العراق نصرا معنويا، ويخفف الضغط الذي عاناه بسبب الحرب الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على المنشآت الحيوية المدنية العراقية والجيش العراقي.
كما أنها كانت لتأمين التقدم باتجاه الأراضي السعودية والاقتراب من حقول النفط السعودية الشرقية، والذي يمثل بحد ذاته تهديدا مباشرا لصادراتهم النفطية، كما يضيف العكيدي للجزيرة نت.
ويلفت البدراني إلى أن بغداد كانت تحاول إيقاع عدد كبير من القتلى لتهييج الرأي العام الأميركي وكذلك الغربي، مما يساعد على التدخل لإيقاف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، وقد صرح بعض المسؤولين العراقيين آنذاك بأن قتل 10 آلاف جندي أميركي أو أسر عدد كبير منهم، كفيل بأن يحول النتائج لصالح العراق.
أول مواجهة برية
كانت معركة الخفجي بأمر مباشر من الرئيس العراقي حينها صدام حسين لقائد الفيلق الثالث في الجيش العراقي أثناء زيارته لمقر الفيلق ومطالبته بشن هجوم مباشر على المدينة، كما يفيد العكيدي.
ويضيف، أنه وقع الاختيار على الفرقة الآلية الخامسة وبإسناد الفرقتين الثالثة المدرعة والأولى الآلية، فتمكنت الفرقة الخامسة من السيطرة على مدينة الخفجي في 30 يناير/كانون الثاني 1991 ولفترة مؤقتة.
ويسرد القيسي ما جرى ذلك اليوم بالقول إن الفرقة الخامسة العراقية شنت هجوما بالدبابات على 3 محاور على الحدود السعودية الكويتية، لكن أحد هذه المحاور توقف لاشتباكه مع كتائب المشاة البحرية الأميركية غرب الخفجي، بينما المحورين الآخرين استطاعا التوغل إلى داخل المدينة.
وبعدها طلب قائد التحالف الدولي شوارزكوف من السعوديين القيام بالهجوم المقابل، وبالفعل قام السعوديون بهجمات لكنها لم تنجح -بحسب القيسي- فأعادوا الكرّة تحت غطاء من القصف الكثيف للطائرات الحربية والقاذفات الإستراتيجية وطائرات الأباتشي الذي استمر لساعات طويلة على دبابات الفرقة العراقية.
ويرى القيسي أن نقطة ضعف الفرقة الخامسة هي عدم توفر الغطاء الجوي، موضحا أن هجوم الدبابات يحتاج إلى الإسناد والحماية الجوية، ولكن هذه لم تتوفر مما جعل التحالف يشن هجمات جوية عنيفة جدا وكثيفة، استهدفت القوات العراقية على طول الطريق المؤدي إلى مدينة الخفجي.
من جهته، يذكر البدراني أن التاريخ العسكري يدون في سجلاته أن أشرس قتال وجها لوجه وعن مسافة قريبة جدا كان في هذه الأرض، بين جيوش التحالف الدولي بقيادة أميركية، لكنها بقيت مستقلة بقياداتها وأوامرها، مقابل جيش مدرب خاض حربا ضارية مع إيران 8 سنوات، واكتسب فيها الحنكة والصبر وفنون القتال.
ويؤكد أن ارتباك الأميركيين كان واضحا، إذ باتوا يهاجمون قوات تابعة لهم عن طريق الخطأ ووقعت فيها خسائر مادية وقتلى وجرحى.
النتائج
خسر الجيش العراقي كتيبة مدرعات لم ينج منها بعد الانسحاب إلا العدد القليل، فضلا عن مقتل 32 جنديا وجرح 35 آخرين، وأسر 488، بحسب البدراني.
بينما قتل من التحالف الدولي، نحو 96 جنديا وجرح 32 آخرون، ووقع 23 أسيرا من الجنود الأميركيين تم اصطحابهم إلى بغداد.
وعن خسائر الفرقة الخامسة العراقية التي هاجمت الخفجي، تحدث القيسي عن تدمير 15 دبابة وأسر حوالي 100 جندي عراقي، إضافة إلى الإصابات التي حدثت بين جنود الفرقة.
ويعزو القيسي سبب الخسائر العراقية إلى التفوق الجوي للتحالف، والذي يعادل 10 أضعاف قوة العراق، فكانت هناك 2460 طائرة مقاتلة من مختلف الأنواع، و33 جيشا، مقابل نحو 298 طائرة نوع ميراج أو سوخوي أو ميغ-29 لدى القوات العراقية.