كريستوف كولمبوس في لوحات خوان كورديرو: عنف المتخيل وسطوة الامبريالي
منذ 22 ساعة
ناصر الحرشي
0
حجم الخط
في أوج الحركة الإمبريالية خلال القرن التاسع عشر، وفي زمن التكالب الاستعماري، شهد الفن التشكيلي حركة إحيائية لاستنهاض وبعث شخصيات اقترن اسمها بظاهرة الاكتشافات الجغرافية، مع مجموعة من الفنانين التشكيليين. فقد عاد الاهتمام بالمستكشف الجنوي الإيطالي الجنسية إلى الواجهة من جديد، بفضل الرسام المكسيكي خوان كورديرو، الذي ما زالت لوحاته تولي المواضيع التاريخية والأسطورية أهمية كبرى في الفن التشكيلي. بعد ثلاثة قرون على رحلة المستكشف الجغرافي المثير للجدل إلى أمريكا /العالم الجديد.
وصوله إلى العالم الجديد
ولأن سيرة هذا البحار ورحلته التاريخية تتناغمان مع المزاج الرومنطيقي لهذا الرسام، الذي جسد فصولا من هذه الرحلة في أشهر أعماله الفنية. ففي سنة 1853 رسم كورديرو عددا كبيرا من اللوحات التي عرضها في روما وفلورنسا ومن بينها لوحة (كولمبوس في بلاط فرنانيد وإيزابيلا) حيث جسد فيها ثلاث شخصيات رئيسية تتوسط بقعة الضوء في وسط اللوحة، إيزابيلا ملكة قشتالة وزوجها فرنانيد ملك آرغون وكريستوف كولمبوس، وحول هؤلاء يتحلق حشد من أهل البلاط، إضافة إلى عدد من الهنود الحمر الأمريكيين أتى بهم كولمبوس هدية للملكين الإسبانيين، تأكيدا منه على وصوله إلى العالم الجديد.
يشير من خلال اللوحة إليهم بيده اليمنى في ما أبقى يده اليسرى مرفوعة حتى وسطه تعبيرا عن الولاء والطاعة. استند الرسام في تصوير الحدث إلى نصوص تاريخية مدونة، فداخل القصر، كما عبّرت اللوحة، يبدو ذا عمارة عربية إسلامية نظرا لكثرة القصور العربية في إسبانيا آنذاك. واستطرادا ثمة إجماع بين المؤرخين على أن ملكة قشتالة، رغم عدائها الشديد للمسلمين، كانت ميالة إلى العمارة والتزيين الداخلي العربي الإسلامي، حتى أن كرسيي العرش الظاهرين في هذه اللوحة كانا ذا طابع عربي إسلامي.
تمثل اللوحة حدثا تاريخيا وتكتسب أهميتها من جملة مقومات، على رأسها قدرة الفنان على إعادة تشكيل حدث بالاستناد إلى قواه الذهنية بالدرجة الأولى، وعبقريته كفنان متمكن من التركيب والخط ثم اللون والظل. فلو تأملنا بقعة الضوء مثلا لوجدنا أنها ليست في وسط اللوحة تماما، بل تميل قليلا إلى اليمين لإضاءة الأميرات والحاشية الملكية، في حين أن الظل يصبح في الطرف الآخر من اللوحة حيث تظهر الشخصيات الأقل أهمية. وإلى ذلك نلاحظ مقدرة هذا الفنان التقنية في التعبير عن ملمس عدد كبير من المواد بدءا بالفرو والحرير وصولا إلى الخشب المكسو بالدمقس والذهب والتماثيل الحجرية في الجدار، لذا رحبت روما وفلورنسا بهذه اللوحة عندما عرضت سنة 1853. وهذا ما جعل المكسيك تنتظر وصولها بترقب كبير.
عربون تقدير
أنجز الفنان هذه اللوحة لتكون هدية منه إلى أكاديمية سان كارلوس عربون تقدير حسب ما كتب على جهتها الخلفية. ويرى بعض النقاد أن اختيار الفنان لهذا العمل يعود إلى رؤيته لبعض التشابه بين سيرة كولمبوس من جهة، وسيرته الشخصية من جهة أخرى. سيرة شخص ما كان لينجز ما أنجزه لولا الرعاية من طرف آخر. كما ساعد في إنجاز هذه اللوحة اطلاع خوان كورديرو على كتابين تناولا حياة هذا الرحالة والجغرافي الكبير، واحد بقلم واشنطن أيرينغ والآخر لوليام بريسكوت.
ما يجب الإشارة إليه هو أن هذا المبدع المكسيكي، أغفل عن ذكر المذابح التي مهد لها كريستوف عن طريق الغزو الإسباني، والتي تمت على يد الجنرال الإسباني الدموي كورتيس، ما حدا ببعض النقاد إلى اعتبار هذه اللوحة الأيقونة حاملة لفلسفة إنسانوية في ثوب مرعب.
تصنف اللوحة ضمن الأعمال الإبداعية التي اجترحت عنف المتخيل التاريخي خلال القرن التاسع عشر، ممهدة لانطلاق الحركة الإمبريالية في موجة استعمارها للشعوب المغلوبة على أمرها.
كاتب من المغرب