مدونة القاضي أنيس جمعان
صفقـة القرن .. رفضتها الدولة العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني رحمه اللَّه لبيع فلسطين ..
إعداد القاضي أنيس جمعـان
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1046953205660467&id=171066819915781
6 نوفمبر 2020 - 10:36م
صحيفة ((عـدن الخـبر))
https://adenkbr.news/141353/
6 نوفمبر 2020 - 11:02م
صحيفة ((الوطن العدنية))
https://www.alwattan.net/news/138070
كان للدولة العثمانية، موقف تاريخيّ بنصرة الفلسطينية والدفاع عنها، منذ بدء حركة الهجرة اليهودية في ثمانينات القرن التاسع عشر (1876م)، وقد برز ذلك من خلال شخص السلطان عبد الحميد الثاني، الذي رفض الإستيطان اليهودي في فلسطين خلال فترة حكمه التي أمتدت 33 عاماً ..
السلطان عبد الحميد الثاني :
هو السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخر الحكام الفعليين للدولة العثمانية، وعبد الحميد الثاني (بالتركية العثمانية: عبد حميد ثاني؛ وبالتركية الحديثة: Sultan Abdülhamid II أو II. Abdülhamid)، هو خليفة المسلمين الثاني بعد المائة والسلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، والسادس والعشرون من سلاطين آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة، وآخر من أمتلك سلطة فعلية منهم، تقسم فترة حكمه إلى قسمين: الدور الأول وقد دام مدة سنة ونصف ولم تكن له سلطة فعلية، والدور الثاني وحكم خلاله حكماً فردياً، يسميه معارضوه "دور الاستبداد" وقد دام مدة ثلاثين سنة، تولى السلطان عبد الحميد الحكم في (10 شعبان 1293 هـ -31 أغسطس 1876م)، وخُلع بانقلابٍ في (6 ربيع الآخر 1327هـ - 27 أبريل 1909م)، فوُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته في 10 فبراير 1918م، وخلفه أخوه السلطان محمد الخامس، أطلقت عليه عدة ألقاب منها "السُلطان المظلوم"، بينما أطلق عليه معارضوه لقب "السُلطان الأحمر"، ويضاف إلى أسمه أحياناً لقب الـ "غازي". وهو شقيق كلٍ من: السلطان مراد الخامس والسلطان محمد الخامس والسلطان محمد السادس ..
رفض الهجرة اليهودية :
عرف السلطان عبد الحميد الثاني، برفضه المطلق، لهجرة اليهود إلى فلسطين، خاصة بعد أن بدأت التحركات الغربية وعلى رأسها بريطانيا تعمد إلى تسفير اليهود إلى فلسطين، حيث نشطت حركة تهجيرهم، منذ ثمانينات القرن الـتاسع عشر، بداية من سنة 1876م، قبل وعد بلفور، الذي كان يرمي إلى منح أرض فلسطين لليهود، وقد توضح ذلك من خلال مواقفه وسياسة الرفض وصموده أمام إغراءات بعض الحكومات الغربية، ولم يسمح السلطان عبد الحميد الثاني، لليهود في تلك الفترة بالدخول لفلسطين إلا للحج، ومنعهم من الإقامة والاستقرار في كل شبر وكل مدينة من فلسطين، كما رفض أن يبيع لهم الأراضي، وأصدر عدة قرارات حكومية تمنعهم من تمديد الإقامة أكثر من شهر في القدس، ثم تمددت هذه الفترة لـتصبح 3 أشهر بتدخل بريطانيا سنة 1888م، التي بذلت جهودها للتخفيف من شرط الإقامة الزمني لليهود ..
لتشديد المراقبة على التحركات اليهودية، الـتي كانت تتجه أطماعها الى فلسطين، قام السلطان العثماني، بنقل سنجق القدس التابع لوالي دمشق إلى متصرفية الباب العالي، أي إلى مقر الحكومة مباشرة، وفي 30 ديسمبر 1892م، أصدر قانوناً يقضي بعدم السماح ببيع الأراضي الحكومية لليهود حتى لو كانوا عثمانيين من رعايا الدولة، وذكرت بعض المصادر أنه نتيجة لازدياد شعور السلطان بالتحرك اليهودي، أبلغ المبعوث اليهودي “أوليڤانت” أن بإستطاعة اليهود العيش بسلام في أية بقعة من أراضي الدولة الـعثمانية إلا فلسطين، وأن الدولة تُرحب بالمضطهدين، ولكنها لا تُرحب بإقامة دولة دينية يهودية فيها ..
قصة رفض السلطان عبدالحميد الثاني بيع فلسطين :
من الأمور البديهية المعروفة بشكل كبير في الوطن العربي هي قصة رفض السلطان عبدالحميد الثاني بيع فلسطين لرئيس الوكالة اليهودية ثيودور هرتزل الذي قدم إلى إسطنبول في يونيو 1896م وحاول لقاء السلطان عبد الحميد الثاني لإقناعه بالسماح لليهود الهجرة إلى فلسطين مقابل سداد ديون الدولة العثمانية بشكل كامل (50 مليون ليرة ذهبية جمعها أثرياء اليهود)، ونتيجة لموقفه الثابت الرافض للإستيطان اليهودي في فلسطين، بذلت بريطانيا عدة محاولات لإقناعه، باءت كلها بالفشل، وقد تميزت هذه المحاولات بتركيزها على الإغراءات المالية والجانب المادي، نظراً للأزمة، التي كانت تمر بها الإمبراطورية العثمانية، كما عمدت إلى البحث عن طرق أخرى لإقناعه، بقبول العروض البريطانية وقبول اليهود، ومن أبرزها سنة 1901م، حيث بادر “ثيودور هرتزل”، إلى محاولة إقناع السلطان عبد الحميد بإصدار قانون يسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين ومنحهم حكماً ذاتياً، مقابل دفع الجزية، لكن عبد الحميد ثبت على رفضه القاطع ..
تبين الوثائق والمصادر التاريخية أن عبد الحميد الثاني كان على علم تام بالخطط الصهيونية تجاه فلسطين منذ 1882م بعد بدء الجماعات اليهودية بعقد اجتماعات سرية في بعض الدول الأوروبية والقيصرية الروسية من أجل تأسيس دولة يهودية تجمعهم وتراثهم وثقافتهم ودينهم ولغتهم في فلسطين وكان المُحرك الأساسي لهذه المؤتمرات والأجتماعات المفكر اليهودي ثيودر هرتزل الذي كتب كتاب الدول اليهودية بتاريخ 14 فبراير 1896م وبين فيه أن "اليهود قومية بلاوطن، ولاتُحل قضيتهم إلا من خلال وطن جامع لهم ولابد أن يكون هذا الوطن في أرض اللَّه الموعودة "فلسطين" وإن لم ننجح بأخذ فلسطين يمكن أن يكون وطننا في أوغندا أو الأرجنتين ولكن لابد أن يكون موعدنا في فلسطين الأرض التي وهبنا إياها الرب"..
كما بين ثيودور هرتزل ضرورة بذل كل الجهود من أجل إنجاح خطة تأسيس دولة يهودية في فلسطين، ولتحويل خطته النظرية إلى عملية قام ثيودور هرتزل بتاريخ 29 أغسطس 1897م بدعوة اليهود في جميع أنحاء العالم إلى الأجتماع في مدينة بال السويسرية لمناقشة قضية الوطن اليهودي وفي نهاية المؤتمر أتفق المجتمعون على ضرورة جعل فلسطين الوطن اليهودي الخالد والأبدي"، ومن أجل تحقيق هذا الهدف اتخذ المؤتمر بعض القرارات مثل:-
(١) تشكيل المنظمة اليهودية العالمية بقيادة ثيودر هرتزل لتجميع اليهود في جميع أنحاء العالم ..
(٢) تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ..
(٣) اتخاذ السبل وجميع التدابير اللازمة للحصول على تأييد دول العالم للهدف اليهودي وتبنيه ..
(٤) تشكل الجهاز التنفيذي "الوكالة اليهودية" لمتابعة تنفيذ قرارات المؤتمر ..
وفي ذلك الحين كان السلطان عبدالحميد الثاني مُلمًّاً بكل الإجراءات التي يقوم بها ثيودور هرتزل وذلك لأن السلطان كان يملك أقوى جهاز إستخباراتي في ذلك الوقت، ولحماية فلسطين من الهجرات اليهودية أصدر السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876م مذكرة قانونية بعنوان "مذكرة الأراضي العثمانية" أو كما هي في اللغة العثمانية "عثمانلي أراضي قانوني" وحسب هذه المذكرة القانونية منع السلطان عبد الحميد الثاني بيع الأراضي العثمانية وخاصة الفلسطينية لليهود منعاً باتاً وجهز وحدة شرطة خاصة للقيام بهذا الأمر ومتابعته، كما خصص السلطان أوقاتاً محددة وقصيرة لليهود الراغبين في زيارة فلسطين ..
رأى هرتزل أن السلطان عبد الحميد الثاني عائق كبير أمام الأهداف الصهيونية بفلسطين فقرر التحرك دبلوماسياً والعمل على إقناع عبد الحميد الثاني بكل الوسائل للحصول على وطن في فلسطين، ومن أجل الحصول على فرصة للقاء السلطان عبد الحميد حاول إقناع صديقه نيوزلينسكي ذو العلاقة الحسنة والطيبة مع السلطان عبد الحميد الثاني بالتوسط له لدى السلطان للقائه، قبل عبد الحميد الثاني وساطة نيوزلينسكي وقدم وصديقه هرتزل في يونيو 1896م وألتقوا بالسلطان عبد الحميد الثاني، وكان السلطان يحرص على توثيق جميع إجتماعاته ولقاءاته ..
وحسب الوثيقة التي وثقت هذا الأجتماع؛ بدأ هرتزل قوله بتعبيره عن خالص إحترامه وتقديره للسلطان الكبير عبد الحميد الثاني ومن ثم تطرق إلى موضوع فلسطين قائلاً "إن الأمة اليهودية ومنذ زمن طويلة تتعرض لأقوى وأبشع أنواع الذل والأستحقار والإقصاء، ومن أجل تخليصها من أنواع العذاب الشرسة هذه، فإن كل مانريده هو قبولكم لهجرتهم لفلسطين لا لشيء سوى إنقاذهم من التمييز البشع الذي يتعرضون له في أوروبا والقيصرية الروسية وأتعهد لكم في مقابل قبولكم هذا بسداد جميع ديون الدولة العثمانية وحتى تزويد الميزانية والخزينة العثمانية بفائض عن حاجتها"..
فرد عليه السلطان العثماني بالقول " لا أستطيع بيع حتى ولوشبر واحد من هذه الأرض (فلسطين)، لأن هذه الأرض لـيس ملكٌ لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ماأخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولـن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لـن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين"..
ويُقال بأن هرتزل زار إسطنبول مابين 1896م إلى 1902م 5 مرات، وأفنى كل مابوسعه من أجل الحصول على موافقة عثمانية بالسماح لليهود بالهجرة لفلسطين ولكن دون جدوى ويُقال أيضاً بأن السلطان عبدالحميد أمر بتشديد الإجراءات الأمنية على فلسطين وأمر بتشديد الإجراءات الأمنية على تنفيذ قانون "الإرادة الثانية" الذي صدر عام 1883م والذي نص على جعل 80% من أراضي فلسطين أراضي وقف تابعة للدولة و20% أرض ملك خاص، ومن ضمن هذه الأراضي الخاصة كانت عائلة سرسق اللبنانية تمتلك 0,3% منها أي 0,3% من مساحة فلسطين كاملة وباعت عائلة سرسق هذه الأراضي لليهود بشكل غير مباشر وتمكن اليهود من الحصول على أول قطع أرض بشكل رسمي من خلال عائلة سرسق ..
تظل عبارات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني التي وجهها إلى تحسين باشا، رئيس كتّابه، شاهدة على موقف تاريخي، وذلك بعد رفضه إستقبال الوفد اليهودي في اسطنبول، الذي أراد مقابلته وعرض مساعدات مادية ومالية، للدولة الـعثمانية حتى تقبل بيع أراضٍ في فلسطين لليهود ..
قال السلطان عبد الحميد: “أنصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جديدة في هذا الموضوع، إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الأرض، فهي ليست ملك يميني بل ملك للأمة الإسلامية، التي جاهدت في سبيلها وروتها بدمائها. فليحتفظ اليهود بأموالهم وملايينهم وإذا مزقت يوماً دولة الخلافة فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلاثمن؟ أما وأنا حيّ فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الدولة الإسلامية، وهذا أمر لا يكون إنني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة”..
ورغم موقفه الثابت، واصل هرتزل، محاولاته ومساعيه، من أجل تشريع الـوجود الصهيوني في فلسطين، من ذلك مثلاً أنه طلب من السلطان عبد الحميد إنشاء جامعة عبرية في مدينة القدس للشبان الأتراك، فرفض السلطان ذلك وفي سنة 1903م، منع السلطان نشاط مؤتمر صهيوني في فلسطين وحظر نشاطهم السياسي، وأستمر الكر والفر ومحاولات منع تقدم الإستيطان الصهيوني، إلى أن تم الانقلاب على السلطان عبد الحميد سنة 1909م، حيث تم نفيه إلى مدينة سالونيك اليونانية، حيث تم وضعه تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 9 فبراير 1918م ..
أحفاد هرتزل 2019 م وصفقة القرن العشرين :
بعد كل هذه العقود الطويلة من الـزمن، خرج علينا اليوم أحفاد "هرتزل في عام 2019م بمشروع جديد يحمل العنوان نفسه “صفقة القرن” .. العنوان الذي رفضه السلطان عبد الحميد الثاني، هو مشروع جديد وما هو إلا إستكمال لمشروع “هرتزل" وأحلام الصهاينة، واليوم حكام العرب هم من جمع ودفع 50 مليار دولار لتنفيذ صفقة القرن خدمةً للصهاينة ومنحهم فلسطين ..!!
لا لصفقـة العار ..
شاهد 2 يوتيوب عن موقف السلطان عبدالحميد الثاني من بيع فلسطين)
https://m.youtube.com/watch?v=C8HtWfJZ4os&client=mv-google
https://m.youtube.com/watch?v=hLemZK8Qi_I&client=mv-google
----------------------------------
تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان في facebook بتاريخ ٥ نوفمبر ٢٠١٩م
القاضي أنيس جمعـان