العراق: انتقادات لمحاولات إخضاع الدولة للحكم الديني… ومخاوف سنّية من اقتباس القانون من الدستور الإيراني
منذ ساعتين
مشرق ريسان 0 حجم الخط بغداد ـ «القدس العربي»: لم تتوصل القوى السياسية في مجلس النواب الاتحادي (البرلمان) إلى اتفاقٍ نهائي يُفضي إلى تمرير قانون المحكمة الاتحادية «المثير للجدل» بسبب اختلاف الآراء حول دور وصلاحيات «فقهاء الشريعة» في عضوية المحكمة، وسط جملة انتقادات رافضة لإخضاع «الدولة إلى الحكم الديني».
وفي جلسة أول أمس، صوّت مجلس النواب على عددٍ من مواد مشروع قانون المحكمة الاتحادية، غير أنه أرجأ التصويت على فقرات في القانون توصف بـ«الخلافية» إلى جلسات أخرى، لحين التوصل إلى «اتفاقٍ سياسي» بشأنها.
النائبة عن كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني ديلان غفور، قالت في تصريح لإعلام حزبها أمس، إنه «مازالت هناك بعض الخلافات حول مواد في مشروع قانون المحكمة الاتحادية».
خلافات آلية تكوين المحكمة الاتحادية
وتتمحور الخلافات حول «آلية تكوين المحكمة الاتحادية، وآلية اختيار المرشحين، والتصويت داخل المحكمة الاتحادية، وعدد أعضاء المحكمة الاتحادية، وعدد القضاة والفقهاء، وآلية توزيعهم بين مكونات الشعب العراقي، حسب غفور التي أشارت إلى خلافات أخرى تتعلق بـ«عدد فقهاء الشريعة والخبراء القانونيين في المحكمة الاتحادية هل سيكون لهم حق التصويت أم لا؟، ومن الذي يرشح اعضاء المحكمة الاتحادية؟ وما هي الصيغة التي يتم فيها الترشح للمحكمة الاتحادية؟ وعمر ومواصفات أعضاء المحكمة الاتحادية؟ وآلية التصويت هل بالاجماع ام بالأغلبية؟».
وتتلخص تلك الاعتراضات في المواد (2 و3 و12) من مشروع قانون المحكمة الاتحادية.
ولفتت إلى أن «جميع المكونات تطالب أن يكون لها ممثل في المحكمة الاتحادية»، مشيرة إلى أن «رؤساء الكتل النيابية لديهم اجتماع مع رئيس مجلس النواب لحسم تلك الخلافات».
وشددت النائبة ديلان غفور على ضرورة «الإسراع في إقرار قانون المحكمة الاتحادية، لأن العراق يمر بفراغ دستوري وهناك ضرورة لتشريع القوانين لأن المحكمة الاتحادية هي التي تصادق نتائج الانتخابات المقبلة، ومشروع القانون يحتاج إلى تصويت أكثر من 219 عضوا في مجلس النواب لتشريعه».
المحكمة والفقهاء
وسجّل عدد من النواب اعتراضات على مشروع القانون، من بينها ما قاله النائب عن محافظة صلاح الدين، أحمد الجبوري، أن المحكمة الاتحادية العليا، لا تحتاج إلى فقهاء في الشريعة.
وقال في «تدوينة» أمس، إن «أعضاء المحكمة الاتحادية الذين سيتم اختيارهم من مجلس القضاء هم من القضاة العراقيين الذين هم يمثلون أطياف الشعب العراقي كافة ومعلوماتهم في أديانهم ومذاهبهم لا تقل عن فقهاء الشريعة الذين سترشحهم الأحزاب».
وأضاف: «لذلك لا داعي لوجود فقهاء اصلاً.. فكيف يكون لهم حق التصويت!».
كما انتقد النائب السابق، مشعان الجبوري، قيام مجلس النواب بالتصويت على قانون المحكمة الاتحادية بصيغته الحالية، مبينا أن القانون «اقتباس من الدستور الإيراني».
- اقتباس :
دور فقهاء الشريعة في المحكمة الاتحادية يعطّل تمرير قانونها في البرلمان
وقال في «تغريدة» على «تويتر» أمس، إن «التصويت على قانون المحكمة الاتحادية بصيغته التي تنص على ضم فقهاء في الدين الإسلامي إلى هيئتها استنساخ لمجلس صيانة الدستور واقتباس من الدستور الإيراني وخطوة في اتجاه ولاية الفقيه ومخالف للمادة 92/ اولا من الدستور العراقي التي تنص على أن المحكمة هيئة قضائية». واختتم تغريدته بهاشتاغ «لا لدولة ولاية الفقيه».
فرض دين الأغلبية
إلى ذلك، رفض مستشار رئيس مجلس النواب لشؤون المكونات، تمرير قانون المحكمة الاتحادية بصيغته الحالية، محذراً من أن هذه الصيغة ستؤسس لدولة دينية تحكمها «الأغلبية الدينية».
وقال المستشار عماد يوخنا، في بيان، إن «على الكتل السياسية المدنية والنواب الذين يؤمنون بالدولة المدنية، عدم السماح بتمرير قانون المحكمة الاتحادية المطروح للتصويت في مجلس النواب هذه الأيام».
وأضاف أن هذا القانون «يؤسس لدولة دينية ويفرض دين الأغلبية على كل العراقيين بإعطاء حق الفيتو لفقهاء الشريعة الإسلامية لفرض كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية»، مردفاً: «وكأن العراق يعيش فيه أغلبية مسلمة فقط ويفرض على البقية دولة دينية كأمر واقع».
ونبه يوخنا إلى أن «ذلك يخالف الفقرة الثانية من المادة نفسها في الدستور ويضرب مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية بعرض الحائط في حين دعت المرجعية الدينية العليا في النجف مرارا للدولة المدنية مع احترام الأديان».
وأكد المستشار رفضه لهذا «المبدأ المؤسف والذي جاء بالتزامن مع انتهاء زيارة بابا الفاتيكان بل أنه كان ما يزال في الأجواء العراقية» عاداً القانون أنه «رسالة سلبية جدا ومحبطة ومخيبة لآمال الملايين من العراقيين ليس فقط المسيحيين بل والإيزيديين والصابئة المندائيين».
دعوة لتدخل دولي
ودعا الأمم المتحدة وكافة المنظمات الحقوقية والإنسانية إلى التدخل لإيقاف «هذه المحاولات التي ستدمر النسيج المجتمعي العراقي بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال تشريع قانوني خطير».
واشار إلى أن «هناك نوايا لإبعاد تمثيل المكون الكلداني السرياني الآشوري والتركمان من تشكيلة المحكمة الاتحادية بتوافقات سياسية بين الثلاثي المشؤوم (الشيعة والسنه والكرد) على بلدنا العراق مما يعكس عدم نية هذه الكتل بتصحيح المسار والإصلاح كما يدعون وما زالوا يفكرون بالعقلية نفسها والمنهجية والمحاصصة وإقصاء وتهميش الآخرين».
وحث يوخنا كافة القوى المدنية ومنظمات المجتمع المدني على «التحرك بشكل عاجل لإيقاف هذا التشريع بشتى الوسائل المتاحة دستوريا وقانونيا».
كذلك سجّل رئيس هيئة النزاهة الأسبق، القاضي رحيم العكيلي على القانون قائلاً «ضد تحكم الناطقين باسم الله والوكلاء الحصريين له».
وأضاف في سلسلة منشورات على صفحته في «فيسبوك» إن «بعضهم يظن أن من يقف ضد فكرة حق النقض لخبراء الفقه الإسلامي في قانون المحكمة الاتحادية العليا ـ وانا منهم ـ انما هو ضد الإسلام»، لافتاً إلى إن «الحقيقة اننا ضد اخضاع الدولة باسم الدين، والتحكم بها باسم الإسلام».
وتابع: «الدين صلة محترمة في ظل دولة القانون، إنما هو علاقة بين المرء وربه، واجب الدولة حماية هذا الحق وضمان حرية الدين وحرية ممارسة الشعائر الدينية فقط، انما لا يتوجب أن يسيطر نفر محدود على الدولة باسم الدين وتطبيق الدين»»، لافتاً إلى إن «بعضهم يريد أن يكون الناطق الرسمي باسم الله والوكيل الحصري عنه، ويتحكم بالبشر والحجر بتلك الصفة.. والجهلة وأنصاف المتعلمين والعبيد يصفقون له» حسب قوله.
ومضى يقول: «لقد مرت على العالم العربي تجارب عديدة حكمت بها أحزاب باسم الإسلام فما هي النتائج؟ ألا تعقلون ألا تنظرون؟».
ونوّه أنه «قطع يد السارق من ثوابت احكام الإسلام»، مبيناً: «تتفق جميع المذاهب الإسلامية على قطع يد السارق استنادا للآية الكريمة: ـ (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما…)».
وزاد: «فهل يمكن أن يلغي خبراء الفقه الإسلامي في المحكمة الاتحادية العليا الجديدة جميع عقوبات السرقة في القوانين العراقية الحالية لأنها لا تعاقب السارق بقطع اليد، على اعتبار أن عقوبة القطع من ثوابت احكام الإسلام التي يمنع الدستور اصدار قانون يخالفها؟»، لافتاً إلى إن «قانون المحكمة الاتحادية العليا الجديد قد يؤدي إلى ذلك نظريا».
محكمة يحكمها ويتحكم فيها الدين والمذهب
وفي منشور آخر، أشار العكيلي إلى أن «أخطر نصوص قانون المحكمة الاتحادية العليا هو نص المادة 12 الذي لم يمرر لحد الآن ولم يتفقوا عليه»، موضّحاً إن «بعضهم يصر أن تكون قرارات المحكمة القاضية بعدم دستورية التشريعات لمعارضتها ثوابت احكام الإسلام بأغلبية ثلاثة أرباع خبراء الفقه الإسلامي. وهذا يعني أنها محكمة يحكمها ويتحكم بها الدين والمذهب والاختلاف الفقهي التاريخي الذي لم يحل ولن يحل إلى يوم القيامة. فالعراق ـ اذن ـ يختار اجترار الخلاف والاختلاف القديم، فهل هناك أمل لبناء مجتمع موحد مسالم متسامح مزدهر؟».
وتصاعد الخلاف بشأن قانون المحكمة الاتحادية، دفع مجلس القضاء الأعلى الاتحادي إلى إعلان موقفه، متبنياً «فكرة وسطية» لحسم الخلاف.
وعقد المجلس، أمس، جلسة لمناقشة مجريات تشريع قانون المحكمة الاتحادية الجديد.
وثمّن المجلس، حسب بيان له، جهود مجلس النواب في اقرار القانون الذي طال انتظاره منذ 2005 معتبراً ذلك «انجازاً تاريخياً» لمجلس النواب في دورته الحالية».
وأشار إلى إن «اختلاف وجهات النظر التي برزت منذ بدء عملية التصويت على مواد قانون المحكمة الاتحادية، وخصوصاً المواد المتبقية التي تعثر اقرارها تتحمل مسؤوليتها المحكمة الاتحادية الحالية التي ادخلت القضاء الدستوري في حالة فراغ دستوري بالغاء المادة (3) من الامر رقم (30) لسنة 2005 بموجب قرارها المرقم (38) بتاريخ 21 /5 /2019 والتي كانت تحدد آلية الترشيح وتعيين رئيس وأعضاء المحكمة مخالفة بذلك احكام المادة (130) من الدستور التي قضت ببقاء التشريعات النافذة معمولاً بها مالم تلغى أو تعدل وفقاً لاحكام الدستور، الأمر الذي عطل المحكمة عن العمل منذ أكثر من سنة، في حين لو كانت تلك المادة نافذة حالياً كان من الممكن معالجة النقص الحالي في نصاب المحكمة أن يرشح مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع مجلس القضاء في اقليم كردستان اثنين من القضاة إلى رئيس الجمهورية لمعالجة الخلل في النصاب، وبدون أن ندخل في اشكاليات واختلاف وجهات النظر بخصوص المواد المتبقية التي لم تقر إلى الآن والتي تتعلق باشتراك خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون بعضوية المحكمة من عدمه، لذا وإزاء وجود حالة الفراغ الدستوري واقتراب موعد الانتخابات المقبلة التي تستوجب وجود محكمة مكتملة النصاب للمصادقة على نتائج الانتخابات، فان مجلس القضاء الأعلى وبحكم مسؤوليته الدستورية بموجب المادة (89 و 90) من الدستور في ادارة شؤون الهيئات القضائية، ولكون المحكمة الاتحادية هي إحدى هذه الهيئات فإن مجلس القضاء الأعلى يرغب في إبداء الرأي بذلك، ورغم أن رأي المجلس في أن دور خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون هو القصد منه تقديم الخبرة والمشورة للمحكمة في مجال الاختصاص، سيما وأن القضاة هم ايضا لديهم معرفة بالفقه الإسلامي وموضوع الحقوق والحريات ومبادئ الديمقراطية، لكن بسبب الحاجة الضرورية لاقرار المواد المتبقية من القانون بناء على رغبة أغلبية السادة أعضاء مجلس النواب باشراك خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون في عضوية المحكمة باعتبارهم أعضاء اصل فيها وليس مجرد خبراء فان مجلس القضاء الاعلى، يقترح على مجلس النواب الموقر فكرة وسطية بين رؤية مجلس القضاء الأعلى ورؤية أغلبية السادة أعضاء مجلس النواب بهذا الخصوص».
وأضاف: «الأصل أن تتكون المحكمة من رئيس ونائب للرئيس وسبعة قضاة للنظر في اختصاصها الوارد في المادة (93) من الدستور. ويشترك خبراء الفقه الإسلامي في عضوية المحكمة الأصل في الدعاوى المتعلقة بدستورية القوانين والأنظمة التي تتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام استناداً لأحكام المادة (2/اولاً /أ) من الدستور. ويشترك فقهاء القانون في عضوية المحكمة الأصل في الدعاوى المتعلقة بدستورية التشريعات التي قد تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور استناداً لاحكام المادة (2/اولاً/ب وج) من الدستور. وبذلك تصبح مسألة إقرار المواد المتبقية من القانون ممكنة».