الشاعر الجزائري عبد الرحمن الزناقي، مذبحة « دير ياسين »
بقصيدة عنوانها: « دير ياسين بعد المذبحة »، قال فيها:
وعبرنا كلَّ أسلاكٍ رهيبة
وزحفنا فوق ربْوات حبيبة
فرأينا أرضنا تلبس فستان العذوبة.
ومشينا فوق أنظار الوحوش التترية.
وبعثنا للسهول الشاعرية
نفح قُبلات بها ألفُ تحيه.
ووضعنا ألف كف عربيه
ولمسنا التربه السمراء بالأيدي القوية
فشعرنا أنها روح إله الخير في أرض زكية.
قد أتينا من بعيد في العشية،
علَّنا ندفن موتانا ونرمي بالزنود اليعرُبية
من غدوا في أرضنا السمراء مليون بلية.
قد حملنا معنا الأكفان والماء الطهورا
ونعوشاً لونها يطلق نورا
كل من فروا من القرية لما لبست ألفَ ضحية
أخبرونا أن جُند الغدر في تلك العشية
بتروا الأعضاء للناس بفن ورويه
عذبوهم .. قطعوا أشلاءهم
ثم رَمَوْهُم بين أظفار المنية
بعد جهد قد وصلنا
فوجدنا شهداء القرية السمراء يبنون دياراً من فَخَارْ
ودخلنا بغتةً أجمل دار
فإذا فيها الأواني من نضار،
والوسادات البهية،
والكراسي الشاعرية،
والستور المخملية،
والزرابي فوقها تبدو رسوم فارسية
ثم من بعدُ خرجنا.
فوجدنا دير ياسين بها أبهى مُصلى وكنيسه.
قد حضرنا حفلة فيها عريس باسم وهْو يرى خزراً عروسه.
قد رأينا عمنا أحمد يسقي حقله الكائن في أقصى الشمال.
حذوَه قطته البيضاء تمشي باختيال.
قد دخلنا السوق والأعين فيها كل أطياف انبهار.
فوجدناه مليئاً باخضرار واحمرار واصفرار
وازدحام نحو حُوتٍ صاده الصياد في نفس النهار
فهمسنا إنهم يمشون في غير القيامة
إنهم أحياء في أرض بها تعلو الكرامة
ثم سلّمنا عليهم
فأتت كل الجموع.
وتنادت أقبلوا مثل سنونو في الربيع
قد أتوا من حيث لا ندري،
وليلاً أوقدوا في القرية السمراء آلاف الشموع.
ثم قالوا :
أين كنتم؟
قد بحثنا عنكمُ يا قوم في كل الربوع
منذ أن غبتم ونار الحزن تسري في الضلوع.
أخبرونا عن جمال ووليد،
عن زياد عن ثريا عن سعيد،
عن أبي حسان ذي الرأي السديد،
عن أبي غسان ذي الرأي العنود
إننا في الحُلم لا نشهد إلا ظلَّكم يمشي على درب الرجوع.
بعد عام.. بعد قرن سوف نجثو حذوكم
نشرب شَرْبات الرجوع.
ففرحنا وأكلنا التمر في صحن بديع
وانطلقنا.
ثم إنا قد حرقنا ألف نعش.
ثم سرنا
نخبر الثوار في كل البرية،
إننا في دير ياسين وجدنا
شعبنا الثائر من أجل القضية
يرقب الرجعة في كل صباح وعشيه.