الدينار العراقي مقابل الدولار .. خلاف سياسي يتعمق وحديث عن "أجندات خارجية"
الحرة / خاص - واشنطن:ينتظر العراقيون بفارغ الصبر إقرار موازنة بلادهم لعام 2020، الذي انتهى منه ثلاثة أشهر من دون أي نتيجة، بسبب خلافات السياسيين حول عدة بنود، ما دعا رئيس الوزراء للدعوة إلى الإسراع في الأمر "تلبية لاحتياجات الفقراء".
ومن القضايا الخلافية، والتي تمس حياة العراقيين ودخولهم الاقتصادية، سعر صرف الدولار الأميركي، فالأمر متعلق بأسعار السلع وقيمة الرواتب وغيره من المسائل الحياتية اليومية.
وطالب رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بضرورة "الإسراع في إقرار قانون الموازنة الاتحادية، وما تحتويه من فقرات تعالج احتياجات الطبقات الأكثر فقرا، وتدعم المشاريع الخدمية ذات المساس بحياة المواطن".
المركزي يحسم الجدل
وحسم البنك المركزي العراق الجدل حول سعر صرف الدينار مقابل الدولار، والمطالبة بتخفيضه، معلنا أن "لا عودة للسعر السابق، ولن يتم تخفيض السعر لأي حال من الأحوال"، مؤكدا أن لا نية لرفع السعر عن 145 ألفا لكل 100 دولار.
وقال مدير عام المحاسبة بالبنك، إحسان شمران، في تصريح صحفي، إن "السعر الحالي للدولار معقول جدا، وبالتالي فان البنك استقر عليه، وإن أي قرار بتخفيضه، يعني اتجاهنا إلى مذبحة اقتصادية"، مبينا أن "خفضه يعتبر خطيئة كبرى لن يتجه لها البنك المركزي".
وطالب البنك المركزي بـ "إنهاء" ما أسماها بـ "المهاترات والصيحات التي تنادي بإعادة السعر السابق"، مبينا أن "هذا الأمر لا يستند إلى أي رؤية اقتصادية.. رغم سلامة نوايا من يطالبون بذلك".
واعتبر أن "تلك التصريحات تساهم في عدم استقرار السعر كون الأخبار واختلافها يساهم في عدم الثقة في سوق الصرف واستقرارها".
واعتبر شمران، وهو مستشار لمحافظ البنك المركزي، أن "عملية رفع الدولار مقابل الدينار تأخرت كثيرا لكون هذا الأمر ساهم في حماية المنتج المحلي إضافة إلى أن عملية الرفع زادت من الكلف المالية للدول المصدرة للعراق بنسبة 22 في المئة ما يساهم هذا الأمر بزيادة التنافس بين المنتج المستورد والمنتج المحلي".
وبين شمران، أن "حتى شبهات غسيل الأموال هي الأخرى انتهت مع رفع الدولار وهذا من أهم الفوائد التي حصل عليها العراق جراء عملية تغيير عملية الصرف".
وكشف مدير عام المحاسبة بالبنك المركزي عن "حصول المالية العامة على نحو 10 ترليون دينار جراء عملية رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وبالتالي يفترض الآن على تلك الوزارة تخصيص نحو 20 إلى 30 بالمئة من المبلغ المستحصل (10 ترليون) لغرض توزيعها على المواطنين الذين هم ضمن خط الفقر، واليوم نزلوا تحت هذا الخط، والبالغ عددهم نحو عشرة ملايين مواطن، كمنح مالية، وهذا ضمن تفاهمات البنك المركزي مع الوزارة بشأن عملية تغيير سعر صرف العملة".
الخلافات السياسية
لكن الخلافات السياسية تتعمق بين الكتل البرلمانية في مجلس النواب العراقي الذي يناقش مشروع قانون الموازنة لإقراره، إذ لم يتوصل الفرقاء بعد إلى اتفاق على نقاط الخلاف.
وفي يناير الماضي خفض البنك المركزي العراقي قيمة الدينار العراقي أمام الدولار من 1180 دينارا للدولار إلى 1460 دينار.
ودعا الكاظمي الكتل البرلمانية إلى "الابتعاد عن المزايدات في قضية سعر صرف الدولار "، مؤكدا أن "القرار (تخفيض قيمة الدينار) تم اتخاذه من قبل البنك المركزي وفق رؤية واستراتيجية هادفتين".
وقال الكاظمي في جلسة الحكومة التي عقدت، الثلاثاء، إن العراق بدأ يلمس نتائج القرار "على نمو الاحتياطي النقدي، وعلى تصنيف العراق الائتماني دوليا".
جد ل خفض الدينار
وتصاعد الجدل السياسي بشأن موضوع سعر صرف الدينار العراقي إلى درجة أن ميليشيا مسلحة نفذت استعراضا في بغداد، الخميس الماضي، وطالبت بإلغاء قرار تخفيض قيمة الدينار.
وأثر قرار خفض قيمة الدينار بشكل كبير على مصدري الخدمات والسلع إلى العراق، الذين كانت سلعهم تستفيد بشكل كبير من الدعم الحكومي للدولار.
ويقول أستاذ العلوم السياسية، إياد العنبر إن "أصل موضوع خفض قيمة الدينار هو لحماية الصناعة العراقية والمنتجات العراقية"
ويضيف العنبر لـ "موقع الحرة" أن "الجماعات التابعة لأجندات خارجية تحاول إحراج الحكومة من خلال استغلال النقمة والسخط الذي تولد لدى الفقراء بسبب هذا القرار، لخدمة الأطراف الخارجية التي كانت مستفيدة من انخفاض سعر الصرف الدولار في العراق وأيضا لإحراج الحكومة".
ويعتقد العنبر إنه "لا توجد أفق للحل، وقد يبقى التجاذب السياسي على ما هو عليه، أو يكون هناك تخفيض لسعر الدولار بصورة بسيطة لإرضاء الطرفين".
وفي البرلمان دعت كتل سياسية مقربة من الميليشيات المدعومة من إيران، مثل كتلة الفتح إلى "التراجع عن تخفيض قيمة الدينار"، لكن كتلا أخرى مثل كتلة سائرون الصدرية واجهت هذه الدعوات، وهاجمت في بيان من يقفون وراء تلك المطالبة معتبرة أنهم "أبواق مأجورة وأدوات رخيصة تطبق أجندات لدول خارجية".
وتعتبر إيران، التي يعد العراق من أكبر زبائنها، من أكثر الدول المتضررة من قرار رفع الدعم عن الدولار، خاصة وإن مبيعاتها للعراق استثنيت من العقوبات الأميركية التي تقيد اقتصادها وجعلت العراق أحد منافذها الوحيدة للحصول على العملة الصعبة، بحسب المحلل الاقتصادي العراقي، مصطفى مؤيد.
وبحسب تصريحات إيرانية، فقد بلغت قيمة الصادرات الإيرانية للعراق خلال الثلثين الأخيرين من عام 2020 خمس مليارات دولار، فيما كانت الصادرات الإيرانية للعراق في عام 2019 نحو تسع مليارات دولار.
الآثار الاقتصادية
ويقول محللون سياسيون واقتصاديون عراقيون إن خطوة تخفيض سعر الدينار "مهمة" لكنها "غير مكتملة"، بسبب "عدم تمكن الحكومة من إدارة هذا الملف بشكل جيد" بحسب المحلل السياسي، إياد العنبر.
ويعتقد داعمو قرار الحكومة إنه وعلى الرغم من تأثيرات القرار على أسعار السلع والخدمات الأساسية فإنه "يحمل أبعادا إيجابية يمكن أن تعود بالنفع على الاقتصاد العراقي".
ويرى المحلل الاقتصادي، مصطفى مؤيد، الذي تحدث لـ "موقع الحرة" أن "تخفيض قيمة الدينار أمام الدولار سيشجع الصناعات المحلية والاستثمار في الزراعة، وسيكون لهذا آثار، مهمة على تقليل الاستيراد وخلق فرص عمل محلية".
لكن معارضي القرار يقولون إن "الخطوات غير المكتملة للحكومة العراقية، تمنع من الاستفادة من قرار خفض قيمة الدينار".
وقال المحلل الاقتصادي العراقي، منار العبيدي، لـ "موقع الحرة" إن تخفيض قيمة الدينار "زاد من نسب التضخم بنسبة 4 بالمئة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، وتضرر القطاع الصناعي وقطاع النقل بشكل كبير من هذا القرار"، كما إن أسعار المواد الغذائية "ارتفعت بشكل كبير" في الفترة الماضية.
ويقول العبيدي إنه "من دون وجود مشاريع استراتيجية مثل صناعة الحديد والصلب وصناعات البتروكيمياويات، لن يكون لقرار الحكومة فائدة في دعم الصناعة العراقية، لأن المصنعين العراقيين يستوردون المواد الأولية ويتأثرون بارتفاع سعر الدولار".
وارتفعت أسعار المواد الغذائية العراقية بعد قرار خفض قيمة الدينار إذ أن موادا أساسية مثل زيت الطعام زاد سعرها بنسبة 25 بالمئة، بحسب ما يقول، سالم أحمد، أحد تجار الجملة في سوق جميلة العراقي.
ويقول سالم لـ "موقع الحرة" إن القدرة الشرائية للمواطن العراقي انخفضت بشكل كبير، كما إن نسبا أكبر من العراقيين بدأت تفقد القدرة على شراء المواد الغذائية الأساسية.
ولا يعتقد سالم أن قرار تخفيض قيمة الدينار سيعود بالنفع على الصناعة والزراعة المحليين لكون "الصناعة في العراق تحويلية أو تقتصر على تعليب المنتجات المصنعة في الخارج" لكن محمد الجميلي، وهو فلاح وصاحب بساتين حمضيات ومزارع يخالفه الرأي.
ويقول الجميلي لـ "موقع الحرة" "ارتفاع الأسعار يفيدنا، أصبح للجهود التي نبذلها في الزراعة مقابل معقول"، لكنه يقول إن على الحكومة "أن تدعم الفلاحين لتخفيض الأسعار على الفقراء، بدلا من الأموال التي كانت تذهب لدعم الاستيراد"