الأردن: «محاولة انقلاب» أم «مؤامرة» أم «خلافات عائلية» … ومع الفيروس «نموت أكثر»
منذ ساعتين
أستعيذ فورا بالله العظيم وألعن كل الشياطين، بمن في ذلك أولادهم من الإنس، عندما أشاهد الطبيب غازي شركس تحديدا، على شاشة فضائية «المملكة» الأردنية، فالرجل «هادىء جدا» و»محايد للغاية» ويتحدث معنا بصراحة لا نألفها وهو يؤكد «غالبية الوفيات في الموجة الأخيرة من فيروس كورونا من متوسطي العمر».
كنا دوما من دعاة المكاشفة والمصارحة، التي غابت عنا كمواطنين دهرا كاملا، حتى شاب الرأس وبح الصوت و»هرمنا».
لكن الحكومة – جزاها الله عنا خيرا في مسألة كورونا – قررت تعويض البدري والوخري، فهي صريحة جدا، وفجأة أصبح وزير الصحة الجديد «دقيقا للغاية» وهو يبلغ – حسب التلفزيون الأردني – ما معناه «سنموت أكثر بنسبة 48 في المئة إذا رفعنا الحظر».
مطر «الشفافية»
زخات مطر من الشفافية والأرقام لم نعتد عليها وشاشات محلية منشغلة تماما بـ»بث الشؤم» تحت ستار الشفافية.
نريد صراحة في كل الملفات، توازي مصارحات الفيروس: مثلا لماذا «هندست» الانتخابات الأخيرة، وهل ستهندس انتخابات البلدية الخريف المقبل على المسطرة نفسها؟
لماذا «كلفة الإصلاح السياسي أكبر من كلفة عدمه»؟ ما هي القصة الحقيقية لاتفاقية الدفاع الجديدة مع الأمريكيين؟ لماذا قصف عمر مشروع «الصخر الزيتي» وما هي قصة «غاز العدو»؟
بعض من الأرقام والوقائع هنا لا يضر، يا جماعة الخير، ولو بمزيج مع حقائق الفيروس.
يمكن أن نتوقف عن الارتجال والعشوائية والعمل بالتقسيط إذا وجدنا مؤمنين بالشفافية قادرين على تولي إدارة شؤون البلاد والعباد.
التطبيع مع إسرائيل
قالها وزير الخارجية السعودي الأمير الشاب فيصل بن فرحان بدون أن يرف له جفن و»أفحم» محطة «سي أن أن» وهو يبلغها «تطبيع العلاقات مع السعودية يتطلب تقدما بين الإسرائيليين والفلسطينيين».
ما الذي تعنيه عبارة «إحراز تقدم» هنا؟ مع ملاحظة غياب مفردات وعبارات مثل «الاحتلال» أو «الدولة الفلسطينية» ..إلخ. طبعا ليس مطلوبا من المسؤول الكبير في الدبلوماسية أي «تعبير ثوري» – لا سمح الله – ولا دعم المقاومة لفظيا، فقط ما دام يتحدث مع الأمريكيين كان من المنتظر التذكير بـ«حقوق الشعب الفلسطيني» مثلا، أو استنكار المستوطنات.
«المؤامرة» في عيون العالم
وإلى المشهد الأردني الذي أصبح كونيا بامتياز مساء السبت الماضي مع إصرار «بي بي سي» على بث حديث الأمير حمزة بن الحسين، وانشغال «الجزيرة» و«المنار» و«الميادين» و«العربية» في كل تفصيلة أردنية فجأة.
حتى مذيع محطة «المملكة» يسأل على الهواء زميلنا جميل النمري عن وجود «خلافات في العائلة المالكة» هذا جديد في الحالة الإعلامية المحلية وأنا لا أحبذه، لكن التجرية الأردنية عريقة والجميع يعرف ذلك.
لكن بالغت «سي أن أن» ومعها «بي بي سي» في الحديث عن «إنقلاب ما» مع أننا نؤمن أن بلادنا – والحمدلله – ليست سوريا ولا العراق، ولا حتى مصر، ولا تحصل فيها انقلابات، وإن صدف وجود «مؤامرة ما» فهي دوما صغيرة وزوبعة في فنجان.
نقترح أن نتوقف كمواطنين عن «الفتوى» والتكهنات ونترك شؤون التحقيق للسلطات المختصة وننتظر محاكمة علنية، حيث سيأخذ القانون والدستور مجراه، بدون «فلسفات» واجتهادات وحكايا شعبوية عبر المنصات، وللتذكير فيما كانت محطة «الإخبارية» تتوسع في التفصيل عن «أحداث الأردن» كان كبير مجلس الأعيان فيصل الفايز يفتتح – حسب شاشة التلفزيون الحكومي – «الاحتفال الأول» في مئوية الدولة.
على كل حال الاعتقالات المثيرة سبق أن طالت شخصيات بارزة، سمح لها بـ«التمدد» وحظيت بمساحات لا تستحقها.
حصل ذلك في الماضي وسيحصل مستقبلا ما دمنا مصرين على تجاهل «أزمة الدوات» حيث المكان الذي يحتاج للحفر قليلا.
٭ مدير مكتب «القدس العربي» في عمان