في ذكرى برنامج النفط مقابل الغذاء .. هكذا مهدت أميركا لغزو العراق
صلاح حسن بابان- الجزيرة نت:تطورات لافتة عديدة سبقت الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أهمها إصدار مجلس الأمن الدولي قراره الخاص ببرنامج النفط مقابل الغذاء في 14 أبريل/نيسان عام 1995.
وهي خطوة اعتبرها مراقبون مناورة أميركية لإضعاف نظام صدام حسن وقدراته -قبل إسقاطه عسكريا- وتجارة رابحة بأرواح المدنيين الذين كانوا يعانون من حصار قاس في أعقاب غزو الكويت في أغسطس/آب عام 1990.
وبرنامج النفط مقابل الغذاء والدواء هو برنامج مؤقت سمح للعراق بمقتضاه بتصدير جزء محدد من نفطه ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لمواطنيه، تحت إشراف الأمم المتحدة، بعد فرض عقوبات اقتصادية عقب انتهاء حرب الخليج الثانية.
وفي مايو/أيار عام 1996، وبعد مفاوضات طويلة مع الأمانة العامة للأمم المتحدة، وقّع العراق مذكرة تفاهم، تُبين الترتيبات المتخذة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 986. وصُدّرت أول شحنة من النفط العراقي، بموجب هذا البرنامج، في ديسمبر/كانون الأول عام 1996، ووصلت أولى الشحنات من الغذاء إلى العراق في مارس/آذار 1997.
وحتى عام 2000، وافقت لجنة مجلس الأمن المنشأة بموجب القرار 661، على عقود، زادت قيمتها الإجمالية على 18.5 مليار دولار، بينما وافق مكتب برنامج العراق على عقد آخر، قيمته 5 مليارات دولار، من طريق الإجراءات المعجلة أو المسار السريع. وسلمت إلى العراق لوازم ومعدات، تناهز قيمتها 13 مليار دولار.
شبهات فساد
وشابه برنامج النفط مقابل الغذاء الكثير من صفقات الفساد حتى اتهمت جهات داخل الأمم المتحدة بأنها كانت هناك صفقات فساد ما بين المسؤولين عن هذا البرنامج والنظام العراقي السابق، لكن البرنامج وفر -حسب الباحث الاقتصادي إيفان شاكر- بعض الأشياء الضرورية التي كان الشعب العراقي بأمسّ الحاجه إليها من غذاء ودواء بسبب الحصار الذي كان مفروضا على العراق وبالوقت نفسه أبعد أشياء كثيرة من المواد ذات الضرورة في حياة المجتمع العراقي وتم حذفها بحجة أنها ذات استعمال مزدوج.
ويقول شاكر إن البرنامج جاء بالدرجة الأولى لتلميع صورة المجتمع الدولي أمام شعوبه وكان ذريعة لاستمرار الحصار المفروض على العراق الذي كان كفيلاً بتدمير الاقتصاد العراقي قبل تدميره عسكريا، معتبرا أن الاقتصاد إحدى الركائز الأساسية الذي تغيّر من اتجاه معادلات الحروب وحسم المعارك.
ويرى شاكر أن الشعب العراقي كان المتضرر الوحيد من هذه القرارات، فضلاً عن دفعه الضريبة الكبرى من تحمله تبعات مغامرات الرئيس الراحل صدام حسين، منتقدا في الوقت ذاته عدم مراعاة الدول التي وقفت بوجه نظام صدام مصالح الشعب العراقي وقوته اليومي وحتى أبسط حقوقه، وخير برهان على ذلك الحصار الذي فرض على العراق وأهلك الشعب العراقي برمته وليس نظام صدام.
الشعب المتضرر الوحيد
ويلتقي الخبير العسكري عقيل الطائي مع شاكر في زاوية أنه من طبيعة الحروب أنها تُسبق بسلسلة إجراءات وقرارات قبل انطلاق العمليات العسكرية على الأرض، وأبرز تلك القرارات الحصار الذي فرض على العراق من 1990 إلى 2003، وكان المتضرر الأول والأخير منه هو الشعب وليس النظام.
وعلى المستوى الداخلي، تراجعت شعبية صدام حسين كثيرا ولاسيما على الصعيد السياسي والاقتصادي بهذا القرار وما سبقه، وهو ما خططت له أميركا قبل شن غزوها عام 2003، لأن من طبيعة هكذا قرارات كما يُفسرها الطائي للجزيرة نت أن تسهم في سرعة حسم أية معركة عسكرية، وهذا ما حصل بالفعل بانتهاء العمليات العسكرية أثناء الغزو عام 2003 خلال فترة قياسية جدا.
وفقد الشعب العراقي توازنه المالي والنفسي بقرار النفط مقابل الغذاء، وهذا ما جعله في حالة تنمر دائمة ودفعه للتعاون مع أي طرف كان لإسقاط النظام لأن سياسة التجويع سواء كانت بفعل خارجي أو داخلي كما يقول الطائي تدفع الشعب إلى التمرد على حاكمه، وهذا ما ساعد أميركا في إسقاط نظام صدام حسين.
ولا يختلف رأي الصحفي العراقي كمال بدران عن الطائي وشاكر بأن أميركا اتخذت قرار الحصار وغيره وهي تعرف تماما أن المتضرر المباشر منه هو الشعب، وليس السلطة التي حافظت على قوتها وشددت من قبضتها بوجه شعب أعزل لم يكن لديه من خيار سوى التمني بأن يسقط النظام ويفتح الحصار مهما كانت الوسيلة، ومهما كانت النتائج، وقد نجحت في هذا وحيدت غالبية الشعب العراقي أثناء غزوها عام 2003، لكن أميركا أرادت أيضا من هذا القرار تهدئة المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، لأنه كان يهدف لإبقاء العراقيين على قيد الحياة.
تخفيف آثار الحصار
بدوره، يقول الصحفي العراقي مصطفى كامل إن اتفاق النفط مقابل الغذاء كان إجراءً استثنائيا مؤقتا اضطرت الحكومة العراقية إلى القبول به للتخفيف من آثار الحصار الشامل الذي كان مفروضاعلى العراقيين، مؤكدا أن السلطات العراقية آنذاك قد تنبّهت فور صدور هذا القرار إلى مخاطره فهو كان إنسانيا في الظاهر لكنه في الحقيقة كان يستلب قدرة الدولة على توفير المستلزمات الأساسية لشعبها.
وبناءً على ذلك لم يقبله العراق على الفور وبصيغته الأولى بل خاض مفاوضات طويلة حوله دامت أكثر من سنة، بين صدوره والتوصل إلى مذكرة تفاهم بشأنه مع الأمم المتحدة، وقد نجح المفاوض العراقي -حسب كامل الذي شغل منصب سكرتير تحرير صحيفة الجمهورية التي كانت تصدر في عهد صدام- في التوصل إلى صيغة حل وسط تسمح للدولة العراقية بإدارة عمليتي بيع النفط وشراء المستلزمات الغذائية والدوائية والأساسية الأخرى، على أن يكون للأمم المتحدة دور الإشراف على ذلك، وبذلك نزع من القرار أخطر ما كان يمس بسيادة العراق.
وفي ما إذا أسهم هذا القرار وغيره في تجفيف قوّة صدام من عدمه، يقول كامل للجزيرة نت إن قرار فرض الحصار بالأساس كان موجها لتدمير العراق، دولة وشعبا، ولذلك فقد أدت كل القرارات اللاحقة والإجراءات المتخذة في إطارها إلى تدمير كل معالم القوة في العراق، فقرارات الحصار لم تمس الجانب العسكري فقط، بل استهدفت منذ البداية الاحتياجات الإنسانية للعراقيين، مع التدمير المادي المباشر عبر استهداف محطات الطاقة الكهربائية وتنقية المياه والصرف الصحي والمستشفيات وصوامع الحبوب، وكل ركائز الحياة المدنية التي لا علاقة لها بالجوانب الحربية.