ما رسائل المُسيّرة الإيرانية الأولى التي ضربت مطار أربيل؟
منذ 8 ساعات
مثنى عبد الله
2
حجم الخط
ليس هو الهجوم الأول الذي يستهدف محافظة أربيل في شمال العراق، فقد سبقه هجومان هذا العام استهدفا أصولا أمريكية. لكن الهجوم الثالث الذي حصل الأسبوع الماضي 14 نيسان/ إبريل كان مزدوجا، فقد تم بطائرة مسيّرة هاجمت مطار أربيل، وبصواريخ استهدفت القاعدة التركية في بعشيقة.
مباشرة، وكما هي العادة، تعهد رئيس الوزراء العراقي، بكشف الجهات التي تقف وراء الهجوم، في ما لم يستطع لحد الآن كشف أي جهة تسببت في الحادثين السابقين، ولا أي حادثة حصلت في كل العراق، منذ توليه السلطة وحتى اليوم، بل يثبت يوميا أنه ظاهرة صوتية، يكتفي بالتنديد وتشكيل اللجان، والحديث المنمق وكأن الحكم حفلة شاي. أما السلطات الكردية فقد طالبت بسحب الجماعات المسلحة التي لا تعمل ضمن القوات العراقية النظامية، على حد قولها، والتي ترابط على حدود المحافظات الشمالية. وهنا المقصود الفصائل التابعة لميليشيات الحشد الشعبي، فهل انتقلت الطريقة الحوثية في الاستهداف إلى العراق؟ وما هي الرسائل من وراء الاستخدام الأول لهذه الوسيلة؟
لا جهد يستحق للبحث عن الجهة، التي تقف خلف هذه الهجمات، ولا للتحقيق في مصدر المسيّرة، فالجهات التي نفذت هي صناعة وتمويل وتدريب وتسليح إيراني، وبالتالي هي تتحرك وفق ما تمليه عليها مصالح طهران. ويبدو أن مواصفات هذا السلاح، أثبتت فاعليتها لدى صانع القرار الإيراني، بعد أن دخلت وبقوة في الحرب في اليمن، وحققت اختراقات كبيرة في العمق السعودي، لذا كان لابد من الاستعانة بها في العراق ضد المنشآت الأمريكية خصوصا، وفي هذا الوقت بالذات. فصانع القرار في طهران وجد تحت يديه ثلاث دوائر مهمة ومتداخلة تضغط عليه، وتدفع به للتحرك عسكريا، وبإدخال سلاح المُسيّرات في العراق. أولاها التخريب الذي حصل في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم في طهران، الشهر الجاري، والذي اتهمت فيه إسرائيل. وثانيتها الإحباط الحاصل نتيجة عدم رفع العقوبات الأمريكية بالسرعة التي تريدها إيران. وثالثتها هو التقارب الحاصل بين رئيس الوزراء العراقي والسلطات الكردية العراقية والأتراك، حول تطبيع الأوضاع في منطقة سنجار، الذي ترى فيه إيران تحالفاً بين أعوان واشنطن ضد مصالحها وميليشياتها في العراق. كما أن قراءة التصريحات الصادرة عن زعماء الميليشيات، التي زعمت بوجود مركز للمخابرات الإسرائيلية (الموساد) في شمال العراق، يعطي تصورا بأن قصف مطار أربيل يرتبط بالرد على ما حصل في نطنز أيضا.
أما رد الفعل الأمريكي على الحادث، فقد لخصه قنصلهم في العراق قائلا، إذا لم تقم الحكومة العراقية بحماية المصالح الأمريكية، فإن الولايات المتحدة بإمكانها النظر في طرق أخرى لحماية مصالحها، حسب قوله، فما هي هذه الطرق الأخرى؟ في التحليل السياسي يبدو أنهما طريقان لا ثالث لهما.. إما أن يكون هنالك رد عسكري بقصف مقرات الميليشيات المتورطة في الحدث، أو انسحاب الولايات المتحدة من العراق. وهذا الأخير حل يتناغم مع رؤية بايدن الذي أعلن مؤخرا الانسحاب من أفغانستان، بعد حرب هي الأطول في تاريخ الحروب الأمريكية، لأن قصف الميليشيات حصل في الأعوام 2019، 2020، غير أنه لم يكن حلاً مُجديا في نظر الإدارة الأمريكية الحالية، على اعتبار أنه لم يوقف قصف قواتهم. كما أنه زاد من منسوب التوتر في العراق، وأعطى مبررا لرفض تواجدهم العسكري في القواعد المعروفة على الأراضي العراقية، ما أحرج عاملهم في بغداد رئيس الوزراء الحالي، الذي يحرصون على دعمه وتقويته. ومع ذلك فإن واشنطن، لا تزال تقول إن وجودها شرعي بدعوة من الحكومة العراقية، كما أن هذا الوجود مازال في طور البحث والترتيبات، كما حدث في جلسات الحوار الاستراتيجي الثالث الذي انعقد هذا الشهر.
- اقتباس :
- الهجمات على مطار أربيل تثبت أن الصراع الدائر بين واشنطن وطهران، ما زال يحكم الأرض العراقية كمسرح عمليات
تزامنا مع قصف مطار أربيل، تم استهداف القاعدة التركية في بعشيقة بالصواريخ. وقد حمل الاستهداف رسائل موجهة إلى حكومة بغداد والأكراد والأتراك كذلك. فاتفاق هذه الأطراف الثلاثة على إخراج ميليشيات الحشد الشعبي، وقوات حزب العمال الكردستاني المتحالفة معها من منطقة سنجار، أزعج صانع القرار الإيراني. فهي البوابة الأهم في طريق الحرير الإيراني إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، التي تمرّ منها الأسلحة والبضائع إلى سوريا فلبنان لتمويل حزب الله. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق لم يحصل على أرض الواقع، لأن الجيش العراقي لا يستطيع إخراج الميليشيات، والأكراد لا يريدون الاصطدام مع عناصر حزب العمال الكردستاني، كي لا يكون هنالك صراع كردي ـ كردي، ومع ذلك فقد تم قصف القاعدة التركية في محاولة لقلب التوازنات، وكذلك رسالة واضحة إلى الجانب التركي مفادها، نحن قادرون على استهداف جنودكم، وعليكم الابتعاد عن التنسيق مع الأطراف العراقية الأخرى، بما يضر بمصالحنا. وكان هناك تصور بأن الأتراك لن يردوا على القصف، على اعتبار أن لا جهة ميليشياوية تبنت الهجوم، لكن الأتراك جاء ردهم مباشر بقصف ما يسمى اللواء 30 حشد شعبي، ومن القاعدة التركية نفسها التي تعرضت للاستهداف.
لقد أُريد لحادث استهداف مطار أربيل الأخير أن يكون إعلانا واضحا واستعراضا كبيرا للقوة المضمومة لدى الأذرع الإيرانية، حيث كانت الهجمات تتم بصواريخ الكاتيوشا، ثم تطورت إلى صواريخ غراد، التي ضربت قاعدة عين الأسد مؤخرا ثم المُسيّرات. كما أنه يشير إلى المديات الكبيرة التي حصلت في طبيعة الصراع الدائر بين القوى المحلية التابعة لإيران والمتجحفلة معها من جهة، والأطراف الإقليمية والدولية الأخرى على الأرض العراقية، لكن في الوقت نفسه هي محاولة حثيثة لرسم أحجام كبيرة وأدوار مؤثرة لقوى ميليشياوية محددة، تتصارع مع شقيقاتها للاستحواذ على الانتخابات المقبلة. لقد رحل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعندما حل مكانه الرئيس بايدن ساد تفاؤل في استباب الأمن في العراق، في ضوء تفاهمات إقليمية ودولية ممكنة، لكن الهجمات الأخيرة تثبت أن الصراع الدائر بين واشنطن وطهران، مازال يحكم الأرض العراقية كمسرح عمليات. وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبدو واضحا العجز الحكومي الكارثي، حيث أن التواجد الأجنبي بأشكاله كافة، المباشر بالقواعد العسكرية الأجنبية وغير المباشر، بواسطة الأذرع، يعطي مؤشرا على فقدان السيطرة على كامل التراب العراقي، يرافقه فشل كبير لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطية، عن السيطرة على مناقلة الأسلحة والمتفجرات بين المدن العراقية. مرد ذلك هو حالة الفساد الكبيرة المنتشرة في صفوف هذه الأجهزة، والولاءات الخارجية، التي تؤدي إلى التغطية على انتقال السلاح بصورة يسيرة. إن الخطورة الكبيرة تكمن في انزلاق الأطراف كافة إلى الرد والرد المقابل، ما يعني مزيدا من التعقيد في الوضع الاستراتيجي في العراق.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية