هل انتهت مهزلة العملية السياسية؟
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
[size=32]هل انتهت مهزلة العملية السياسية؟[/size]
تبرز يوما بعد يوم علامات فشل العملية السياسية الهجينة التي فرضها الاحتلال الامريكي البريطاني الفارسي على العراق المحتل ناهيك عن عجز الكتل التي فرضت على المشهد السياسي العراقي في مواجهة التناقضات الأساسية لشكل ومضمون النظام السياسي الذي تم تأسيسه في نيسان 2003، حيث تستمر الإشكالات في إعادة إنتاج نفسها من خلال ممارسات مختلفة عبر سياسةانتاج و تدوير الأزمات.
لقد اصبح التاسع من نيسان من كل عام أسوأ يوم في التاريخ العراقي الحديث، نتيجة حجم الدمار الذي حصل تعرض له العراق منذ 18 عاماً، ولا يزال مستمراً في ولا يبدو ان لا مخرج مشرف ممكن ان يعول عليه الشعب العراقي ،في وقت وصلت فيه البلاد والعباد إلى حافات الانهيار الأمني والتدهور الاقتصادي، مع فشل القطاع الصحي العراقي ليس في مواجهة جائحة فيروس كورونا حسب بل وفي ماتسبب به من كوارث واخرها وليس اخيرها ما حصل في مستشفى الخطيب قبل ايام، وقبلها وفاة اعداد من الاطفال في مستشفى اليرموك كل هذا وغيره يهدد بانهيار المنظومة الصحية إذا لم يُتدارك الأمر عاجلاًعلما ان العراق كان يضرب به المثل الحسن في مؤسساته الصحية المتميزه .
ان الانهيار الحاصل في البلاد مرجعه الاساس فشل العاهات السياسية التي تحكمة لانها تفتقد الشرعية السياسية، وعدم امتلاكها هوية المشروع الوطني الذي يؤطر السلوك السياسي لجميع القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، سواء على مستوى العلاقة البينية لمؤسسات النظام السياسي، أو على مستوى علاقة هذا النظام بالشعب، لضمان قدر من الاستمرارية والتوازن في مواجهة تحديات التفكك وإعادة التشكيل وتداعياتهما.
إنّ الاخفاقات التي كانت وماتزال تضرب بتداعياتها الكارثية العراق المحتل ، اصبحت تثير القلق لدى دول المنطقة التي تتقاطق انظمتها مع النظام الشاذ والهجين في العراق المحتل بل وان بعضها كالنظام الحاكم في طهران يسعى لفرض نسق للدولة شبيه الى حد ما بما هو قائم في ايران وهذا ما ظهر واضحا في تشكيل الحشدعلى غرار الحرس الثوري وفيلق القدس رغم انتهاء مبررات وجوده .
الواضح من سير الاحداث في العراق ان الازمات والكوارث المفتعلة من هذا الطرف او ذاك هي الشكل الهلامي الذي اصبح عليه النظام السياسي الذي يقوم على اساس المحاصصة في كل شئ وعلى سبيل المثال لا الحصر يلاحظ ان التناقضات الحادة في مواقف مكونات النظام الهجين ، التي يعاني فيها ثلثي الشركاء من الحيف والظلم نتيجة تضررمصالحهم بشدة جراء هيمنة القوى المرتبطة بايران على هذا النظام، فالعرب السنه المشاركين بالعملية السياسية الفاشلة مقتنعين اليوم اكثر من الامس انهم ضحية لسياسات محورية لشريك رهن نفسه بمشروع سياسي فارسي، وسيبقى كل العرب يتحملون أعباء الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي، وسيطرة مليشيات الحشد الشعبي وشعورهم بالغضب من عجز النظام الفاسد الفاشل عن توفير الخدمات الأساسية، واستمرار سطوة بعض ألاحزاب المتأسلمة المتخلفة على موارد البلد وتحويلها للنظام في طهران.
هذا الواقع انتج ظاهرة متفاقمة من الغضب الشعبي، وتحوله إلى ثورة عارمة في العاصمة واغلب المحافظات العراقية في تحدي للنظام الفاشل ولعمليته السياسية ، والعجزعن توفير ابسط مستلزمات الحالة الانسانية للمواطن العراقي الذي تزداد معاناته منذ احتلال بلده ، في ظل معادلات محلية وإقليمية تزداد تعقيدا.
ان النظام الهجين المتهرئ الذي يدار من مجموعة من مستلبي السلطة وباتوا أصحاب القرار، ويبقى مستقبل البلاد رهيناً بتوجهات هذه المجموعة التي تشكل جوهر النظام وسواء تغيرت هذه المجموعة بمرور السنين، أو توسّع عددها أو انخفض، فإن وجودها يظل ثابتاً، ولا يمكن تخطيها للوصول إلى السلطة رغم ان عملية تنفيذ سيناريو المسرحية الديمقراطية المسخة استوجبت الاعلان عن تشكيل ( 204) كيان سياسي موجود على الورق وهي سابقة تدلل على سخرية أرباب العملية السياسية المتسلطين على رقاب العراقيين وحجم استهانتهم بالشعب العراقي المغلوب على امره منذ 18 سنة!!
إن ارباب العملية السياسية يحاولون تثبيت نفوذهم في قلب الدولة بصورة أكبر، فرغم تأكيد كل القناعات بأن النظام السياسي قد وصل إلى حالة من الفشل يهدد وجود العراق كدولة، لاحظنا ان المجموعة الحاكمة تعود الى ما تعودت على ارتكابه من كوارث بحق العراق واهله عبر الاتفاق على تكليف السيد مصطفى الكاظمي لرئاسة مجلس الوزراء، بأعتباره واحد من منظومة السلطة السياسية الحاكمة وأحد رجالاتها وغير بعيد عنها.
واذا ما تتبُّعنا مسار انحدار العلاقة بين الدولة الفاشلة والشعب العراقي نلاحظ اننا نعيش في ظل ظاهرة الانسداد السياسي ، التي تنبئ باحتمالية انهيار الدولة ونظامها السياسي الهجين ، والذي سيكون مفتاحاً لأزمات جديدة إقليمية، وعالمية.
ومن المرجح ان ثورة ملايين العراقيين المطالبين استعادة حرياتهم وحقوقهم في وطنهم ولا يرغبون في الخضوع لسيطرة إيران، وهو أمر يُفهم منه بأن الشعب عازم على إحداث تغيير حقيقي في وجهة النظام السياسي العراقي.رغم استمرار الطبقة الفاسدة المهيمنة على السلطة بأستغلال اسلحتها في تسخير بعض من مسيسي الدين والتي بات واضحا ضعف تأثيرها نتيجة وعي المواطن العراقي الذي جعله يتجاوز كل العوائق التي كانت تستخدم لتعطيل ثورته ضد الفساد والاستعباد وكبت الحريات التعبيرية.
امام هذا الواقع التراجيدي تبرز احتمالية إعادة انتاج النظام السياسي وفقا لما تطالب به الثورة الشعبية من تغيير المجموعة السياسية الفاسقة التي ما تزال تحكم البلاد، والاخيرة تحاول بكل السبل الحفاظ على النظام الحالي الذي يقوم على مصالحهم الشخصية المرتبطة بهذا النظام ، والتي لا يمكن التفريط بها في الوضع الراهن،كذلك اثبتت السلطة والأحزاب المتأسلمة ومليشياتها انها ستستخدم كل وسائلها الدموية للحفاظ على مكاسبها، شاء من شاء وابى من ابى.
أن السيناريو الاقرب للترجيح يشير إلى استمرار النظام الهجين وتقويض تطلعات الشعب العراقي بالديمقراطية مع إجراء بعض الاجراءات الشكلية ، ولا نعتقد ان هناك نوايا حقيقية لتبديل قوانين مهمة أو مواد دستورية ، حيث لاتوجد امكانية لتغيير النظام الحالي في ظل المعادلات السياسية القائمة في المنطقة التي يعمل فيها النظام في طهران بالتوافق مع الادارتين الامريكية والبريطانية وابقاء الامور على ماهي عليه ومحاولة ابعاد تأثير السعودية والإمارات.
يبدو ان محولات حكومة الكاظمي لاستيعاب ثورة الشعب، عبر بعض القرارات الإصلاحية للتغلب على الأزمات االتي تواجهها البلاد، الا انها لن تؤدي إلى تفكيك الأزمات لاسيما مع تصاعد الضجة الاعلامية والجماهيرية التي تشخص فشل النظام البرلماني ومن ثم الفشل في إمكانية ترقيع العملية السياسية في البلاد.
في المحصلة فإن أياً من التوقعات التي يمكن ان تجد طريقها الى الواقع في العراق المحتل فلا يمكن استبعاد دور مايسمى بالمجتمع الدولي لمعالجة الملفات العراقية المتزايدة حدتها والذي لايمكنه توفير الحد ألادنى من الأمان أو ضمانة للمستقبل، وان على العقلاء من العراقيين الشرفاء التحول إلى أنماط مختلفة من التفكير قوامها عدم الركون إلى مرجعيات مشكوك فيها، والاعتماد بدلا من ذلك على تحريك وتنظيم وتوجيه القدرات الشعبية المعطّلة لمواجهة هذا النظام الفاسد ومن يقف خلفه لاسيما مع اقرار الجميع بما فيهم منظومة الحكم بأن نظامهم مصاب بتصدع كبير، ولا يُمكنه خدمة المواطن الذي بات محروماً من أهم حقوقه المشروعة، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى نظام سياسي جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة تنبع من الشعب وتقاد من ابنائه اصحاب الكفاءات الكبيرة.