هدر لأموال الدولة : في العراق ٥١١ وكيل وزير و ٥٠٣٠ مديرا عاما!!
الجزيرة:علي كريم إذهيب - بغداد:يتواصل ذوبان حلم معتز الوائلي، صاحب شهادة الدكتوراه في الإحصاء، بالتعيين الحكومي بسبب الوعود التي وصفها بـ"الكاذبة"، في الوقت الذي يستمر فيه أقرانه من أصحاب الشهادات العليا والأكاديمية في التظاهرات لتحقيق الحلم ذاته بعد دراسة مضنية دامت سنينا.
ففي الموازنة المالية للعراق لعام 2021 بلغت الدرجات الوظيفية لمنصبي "وكيل وزير" و"مدير عام" أعلى مستوى متفوقة على دول كبيرة مثل بريطانيا وأميركا، إذ بلغت نحو 511 درجة (أ) و نحو 5030 درجة (ب).
وقسّم المشرع العراقي حسب القوانين النافذة الموظفين إلى 10 درجات وظيفية فضلا عن الدرجة (أ) الخاصة بالذين يعيّنون بعد تصويت البرلمان العراقي لمصلحتهم، في منصب وكيل وزير أو سكرتير ومستشار في الرئاسات الثلاث وصولا إلى درجة السفير، أما الدرجة العليا (ب) وفق المشرع العراقي فتشمل وظائف المدير العام والمهمات الإشرافية العليا، ومن ثم تقسم الدرجات الوظيفية من التسلسل العاشر نزولا إلى الدرجة الأولى.
ويصف الوائلي ذلك الأمر بأنه باب من أبواب الهدر المالي وإرضاء الكتل السياسية التي باتت تتحكم بكل شيء في البلاد، مؤكدا ضرورة الاستمرار في التظاهرات الشعبية لإنهاء الفساد ونيل الشعب حقوقه الدستورية.
ويرفض الوائلي تأصيل دور العرق أو التبعية أو الحزبية في مسك مفاصل التنفيذ ومنع استيلاء منظومة فساد الساسة -حسب قوله- مستقبلا لتحييد المحسوبية والفئوية والمحاصصة على حساب مؤسسات مقدرات الشعب و الدولة.
موازنة 2021
وأقرّ البرلمان العراقي في نهاية مارس/آذار الموازنة المالية لعام 2021 بـ129 تريليونا و993 مليارا و291 مليون دينار (89 مليار دولار)، في حين قدّرت إيرادات الموازنة التي بلغت قيمتها 101 تريليون و320 مليارا و141 مليونا و985 ألف دينار، أما العجز الإجمالي فبلغ 28 تريليونا و672 مليارا و867 مليون دينار (19.5 مليار دولار).
وقدرت الموازنة حساب الإيرادات على أساس 45 دولارا لسعر برميل النفط، بمعدل تصدير 3.25 ملايين برميل يوميا، في الوقت الذي تشكل صادرات النفط نسبة تبلغ 95% من العائدات المالية لهذه الموازنة.
الدرجات العليا
الخبير في الشؤون الاقتصادية العراقية علاء الأسدي أبدى دهشته من موافقة وزير المالية علي عبد الأمير علاوي على تعيين نحو 511 درجة وظيفية بصفة وكيل وزير و5030 درجة وظيفية بصفة مدير عام، في حين أصدر علاوي كتابا رسميا منتصف الشهر الماضي بفرض ضرائب على رواتب موظفي القطاع العام لتوفير السيولة النقدية للدولة.
وأضاف الأسدي -للجزيرة نت- أن دولا كبيرة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والهند لا تملك عددا كهذا في مناصب وكلاء الوزراء؛ مشيرا إلى أن الهند وبريطانيا اللتين تتمتعان باقتصاد عملاق لديهما فقط 25 وكيل وزير أي وكيل واحد لكل وزير.
ومن المفارقات أن محافظات إقليم كردستان اختصت بنحو 696 منصب مدير عام في حين أن عدد دوائر الإقليم لا يتجاوز 100 دائرة. وهنا يتساءل الأسدي عن مصير تلك الأموال المهدرة: أين تذهب؟ في حين لم يتسلم الموظفون في الإقليم رواتبهم منذ شهور.
وفضلا عن عدد وكلاء الوزراء والمديرين العامين هناك 23 وزيرا و325 نائب وزير، مع الرؤساء الثلاثة (الجمهورية-البرلمان-الوزراء) ليكون المجموع 5.892 درجة يستهلكون قرابة 40% من حجم الموازنة المالية الاتحادية، تقسم على هيئة رواتب ومخصصات وحمايات أمنية وإيفادات سفر، وفقا للأسدي.
ويبلغ الراتب الأساسي والمخصصات لوكيل الوزير 12 مليون دينار (8200 دولار) أما راتب المدير العام فيبلغ 8 ملايين دينار (5500 دولار)، وبحسب الأرقام المثبتة للدرجات الوظيفية لوكلاء الوزراء 511 وللمديرين العامين 5030 في الموازنة المالية 2021، فإن المجموع المالي لرواتب وكلاء الوزراء يبلغ شهريا نحو 6 مليارات و132 مليون دينار، أما المجموع المالي لرواتب المديرين العامين فيبلغ 40 مليارا و240 مليون دينار شهريا.
مزاد لبيع المناصب
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اختصت بما يقارب 486 درجات وظيفية بصفة مدير عام، وذلك حسب الأستاذ في جامعة بابل الدكتور مثنى الطالقاني، معتبرا -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك مزادا لبيع المناصب، إذ يتم العمل على إخضاع الجامعات العراقية التي تحتوي على عدد من الكليات التخصصية في العلوم الطبية والإنسانية وغيرها لرغبات الأحزاب العراقية.
وأضاف الطالقاني -للجزيرة نت- أن اختيار الآلاف من عمادات الكليات يتم في إطار التوزيع الحزبي حتى بلغ الحال استقطاع بعض من مخصصات هذه الكليات لمصلحة الهيئات الاقتصادية التي تشكلها الأحزاب التي يتبعها عمداء الكليات مرشحو الأحزاب.
ورأى أن طبيعة الأشخاص وقدرتهم على ممارسة العمل في المناصب الخاصة تفتقر بنسبة 90% إلى التخصص في العمل، وأن ذلك تسبب في هشاشة المؤسسات العامة وتآكل جسدها بالفساد المالي والإداري.
النظام المشوّه
ويرى الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش أن الدولة العراقية في أغلب مفاصلها تعتمد في نظامها الإداري على توسع الدولة ومركزيتها، حيث إن أعداد الدرجات الخاصة في العراق تعتمد على أساس أن الدولة العراقية متشعبة في جميع مفاصل الحياة (الصناعية، التجارية، الخدمية، الصحية، الزراعية، الأمنية، السيادية) لكنه أستدرك قائلًا إن "هذا النظام أو هذه المنظومة شبه معطلة والشارع العراقي يتلقى خدماتها بين ويلات القطاع الخاص وويلات الفساد".
وأشار حنتوش أيضا -في حديثه- إلى أن هذه المنظومة سببت ترهلا واضحا أثقل جهد الدولة، وأن النظام الإداري يحتاج إلى الاعتراف بأن شكله مشوّه ويحتاج إلى تعديل واضح كتحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة ومن ثم تختلط مع رؤوس الأموال وتبتعد عن المركزية.