الملل؛ أسبابه وطرق علاجه
اسماعيل مصطفى
الملل؛ أسبابه وطرق علاجه
اختلفت آراء الباحثين في تعريف الملل، فمنهم من وصفه بأنه الشعور بأن كل شيء هو مضيعة للوقت، ومنهم من قال بأن فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً ليس مملاً فقط بل يجعل هذا الشي يسيطر عليك بدلاً من السيطرة على ما تفعله، وهناك من عرّف الملل بأنه الضجر، واعتبره مشكلة حيوية بالنسبة للشخص المثالي، فيما وصفه آخرون بأنه الجانب العكسي للإثارة.
ربّما يكون الشعور بالملل إشارة إلى أننا لا نتشارك مع العالم المحيط بنا بالشكل المناسب، وغير ذلك من التعاريف التي تطول أذا أردنا الدخول في تفاصيلها، وما يهمنا هنا هو بيان بعض الأسباب التي تبعث على الملل وكيفية مواجهتها والتخلص من تبعاتها السلبية.
فمن تلك الأسباب القيام بنفس الأمور والمهام بشكل يومي ورتيب لدرجة يتولد منها ما يعرف باسم "الروتين" الذي يحمل في طيّاته بذور الضجر والذي يؤدي بدوره إلى الملل. ومن الأسباب الأخرى السأم أو الكسل الذي يقود إلى العجز والشعور بأن الحياة أمر شاق وقد يولد هذا الشعور الاحساس بأنه لا يمكن التغلب على الصعاب التي تواجهنا وهو ما يؤدي بدوره إلى الملل الذي يهيمن على الإنسان ويشلّ حركته في نهاية المطاف.
ومن الأسباب أيضاً الغضب الذي يعقبه الضجر والشعور بأن تحقيق أي هدف أمر صعب أو مستحيل، وهذا ما يقود إلى الشعور بالاحباط والتخبط باتخاذ القرارات التي ينبغي أن تولد في ظروف مناسبة وهو ما لا يوفّره الملل الذي ينطوي على الاحساس القاتل بأن كل شيء لا قيمة له. وينشأ الملل كذلك من غياب الأفكار الخيّرة والأهداف السامية التي يتطلب تحقيقها بذل جهود متواصلة وهو ما لايمكن التوفر عليه في الأجواء القاتمة التي تنتج عن الضجر وما يصاحبه من شعور بالتعاسة التي هي من نتاجات الحياة الرتيبة والمملّة كما أسلفنا.
وللتغلب على الملل هناك أساليب وطرق نافعة منها قراءة الكتب الجيدة والمفيدة لتحقيق هدفين؛ الأول: زيادة المعلومات التي يمكن من خلالها مواجهة مشاكل الحياة والصعاب التي تزخر بها وفي مقدمتها الملل الذي نحن بصدد الحديث عنه. والثاني: ملئ الفراغ الذي يساهم في ولادة الملل وقد يستمر لأوقات طويلة وربّما لسنوات مديدة.
ومن الأساليب الأخرى التنويع الذي يُعدّ من أكثر الوسائل فائدة لتفادي الملل، وكذلك ممارسة هوايات محبّبة كالفنّ بمختلف أنواعه والرياضات البدنية والفكرية التي تساعد في طرد الاكتئاب الذي هو نتيجة حتمية للملل، وكذا الابتعاد عن اتخاذ مواقف مصيرية في ظروف مشحونة بالغضب والبغض والاستعجال وما شابهها من مسببات الفشل الذي هو أيضاً من أسباب الملل باعتباره يجعل المرء يشعر بالاحباط وعدم القدرة على تحقيق ما يصبو إليه وهو أمرٌ في غاية الخطورة ونتائجه مدمّرة بشكل واضح لكل من عاش الظروف السيئة والمخيبة للآمال. وتخبرنا هذه المشاعر أحياناً بأن نجرب ما يجب فعله بشكل أفضل، أو أن نقوم بأشياء جديدة تماماً ولم نتعود عليها في السابق.
يمكن للملل أن يجتاحنا حتى مع الوظيفة الجيدة، أو الأنشطة الهادفة، وقد يلجأ بعض الناس أحياناً لممارسة أنشطة تجعلهم يشعرون بتحسن لحظي، لكنها لا توفر لهم بالضرورة معنىً أو تحدياً طويل الأمد، كمشاهدة التلفاز أو تناول الوجبات الخفيفة، أو النوم العشوائي للهروب من تلك المشاعر.
ولتجاوز الشعور بالملل يمكن الاستمتاع بالسكون الذي توفره بعض الأجواء كصفاء الليل ونسائم الصباح أو الجلوس بهدوء وطمأنينة والتعود على عدم الشعور بالذنب عندما لا نفعل شيئاً ما، بسبب الرغبة المستمرة في التحفيز الحسّي. فإذا كان الملل رغبة في التحفيز الحسّي، فإن عكسه الرضا وتجربة الاستمتاع بالسكون والاسترخاء. وتكمن أهمية الاعتقاد بأن الروتين الذي يبدو للوهلة الاولى بأنه أمر ممل قد يساعد في الحقيقة على تنظيم الوقت، وتوفير الإحساس بالتماسك والأمان الذي يعزز معنى الحياة، وتبرز هذه الأهمية غالباً في مواجهة الفراغ الذي يتركه ظرف الاحالة على التقاعد لدى كبار السن، أو ترك العمل وربّما الإقالة من الوظيفة لدى الشباب وغير ذلك.
ولتجاوز الشعور بالملل ينبغي أيضاً التركيز على ما يجب القيام به وعدم ترك الأمور للظروف الطارئة وما تولده الصدفة أو ما يقرره الغير وهو ما يتيح لأشخاص آخرين فرض آرائهم ومتبنياتهم الفكرية على الذي يعاني من الملل، وهذا بحدّ ذاته قد يوقع الإنسان في مشاكل جمّة هو في غنى عنها ولابدّ له في هذه الحالة من تقوية إرادته وعزيمته لبدء صفحة جديدة تمكّنه من الإمساك بزمام الأمور وعدم تركها بيد الأخرين ليقرروا بشأنها.
ومن الأساليب الناجعة كذلك لمواجهة الملل التركيز أكثر على ما يسهم في تحقيق الأهداف الرئيسية في الحياة، واستئناف تنفيذ المشاريع المؤجلة، سواء كانت هذه المشاريع إبداعية، أو ذهنية كالقراءة أو عملية كتغيير أثاث المنزل وترتيب الغرف والمكتبات، وأمثال ذلك.
ولا ينبغي اغفال أهمية التخطيط وضرورة ترتيب الأولويات للمساهمة في ردم الفجوات التي تشعرنا بالملل، وذلك عن طريق تقسيم المشاريع الكبيرة إلى مشاريع أصغر، بدلاً من الانشغال بأمور ثانوية دون هدف، لأن الملل غالباً ما يخفي مشكلة ما قد تغيب عن أذهاننا فضلاً عن العجز في معرفة أسبابها وأهمية وضع الأسس الصحيحة لمعالجتها.
ولابد من التركيز أيضاً على الأهداف البعيدة التي تحسّن جودة الحياة بشكل كامل، إلى جانب العمل الذي يوفّر الدخل المادي. وكذلك الانغماس في أهداف متعددة بدلاً من التمسك بهدف واحد يبعث في العادة على الملل.
ملاحظة: بدأت بكتابة هذه المقالة وأنا أشعر بشيء من الملل ولكن بعد الانتهاء من الكتابة شعرت بأن الملل قد زال إلى حدّ كبير وهذا بحدّ ذاته يُعد دليلاً على أن ممارسة أي عمل يساهم في تخفيف الضجر ويبعد عن السأم الذي أخذ يسيطر على جزء كبير من حياتنا بسبب جائحة كورونا ومضاعفاتها من جانب، ونتيجة الاحباطات المتكررة التي سببتها وتسببها الأزمات السياسية والاقتصادية، والمهنية أحياناً، وغيرها من جانب آخر.