أزمة الإسكان تختبر قدرة العراق على تنفيذ وعود الإصلاح
العرب/بغداد - يكشف تخبّط السلطات العراقية في حل مشكلة الإسكان المزمنة بسبب التباطؤ في استكمال المشاريع القائمة، إقرارا ضمنيا بأن السياسات المعتمدة طيلة السنوات الماضية في هذا المجال كانت تسير في الطريق الخاطئ.
وتظهر البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني لوزارة التعمير والإسكان والبلديات العراقية أن هناك 49 مشروعا بصدد الإنجاز منذ عدة سنوات، وهي موزعة على كامل محافظات البلاد، لكن حتى الآن تم إنجاز مشروعين فقط في محافظتي الديوانية وواسط جنوب العاصمة بغداد.
ومعظم المشاريع السكنية متركزة في المحافظات الجنوبية وخاصة في ميسان والبصرة والمثنى وذي قار، فيما تحظى محافظات ديالى ونيوني وصلاح الدين بمشاريع أقل ولكن أغلبها في اللمسات الأخيرة، كما يوضح رسم بياني للوزارة والذي لا يشير إلى تكاليفها.
ويعاني العراق من أزمة سكن خانقة، وتقول وزارة الإسكان إن هناك حاجة إلى 3 ملايين وحدة سكنية لحلها في بلد يتجاوز التعداد السكاني فيه 40 مليون نسمة، كما توضح إحصائيات وزارة التخطيط العراقية التي أعلنت عنها في يناير الماضي.
وجعلت حلول أزمة الإسكان المطروحة مجرد وعود غير قابلة للتطبيق وفقاعات للاستهلاك المحلي وعدم إنجاز المشاريع المخططة وخاصة تلك رخيصة التكلفة التي أدت إلى تضخم المشكلة مع استمرار معاناة الأسر العراقية التي باتت عاجزة أمام هذا الأمر ولا تستطيع فعل أي شيء للخروج من هذه الورطة.
وأكدت لجنة الخدمات النيابية الجمعة ذلك العجز، لكنها لفتت إلى أن المشاريع السكنية لا تعالج المشكلة من جذورها، ولذلك اقترحت خطة بديلة لمعالجتها ترى أوساط اقتصادية أنها مجرد توصيات قد لا تجدي نفعا مادامت لا توجد إرادة قوية.
ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى رئيس اللجنة وليد السهلاني قوله إنه “لا توجد في معظم المحافظات أراضٍ تغطي الكمّ الكبير من الوحدات السكنية وحاجة المواطنين لها”.
وأضاف أنه “لا بد أن تتبنى الدولة سياسة تنسجم مع الواقع لبناء مجمعات سكنية للمواطنين الذين يعانون من أزمة السكن”.
وبحسب التقديرات، يصل متوسط سعر الوحدة السكنية 140 مليون دينار (96 ألف دولار)، وهو سعر يبدو للوهلة الأولى في المتناول لأغلبية الأسر خاصة وأن معدل الدخل السنوي يبلغ سبعة ملايين دينار.
وأوضح السهلاني أن الأراضي السكنية توزع في المحافظات بمناطق لا تتوفر فيها الخدمات، وهناك أراض وزعت في بغداد خلال النظام السابق، لكنها لا تزال غير مؤهلة للسكن بسبب انعدام الخدمات.
ويقول خبراء في قطاع العقارات إن أغلب مشاريع الاستثمار السكنية في العاصمة بغداد لا تعالج حاجة المواطنين للسكن، لأن الأراضي تمنح مجانا للمستثمرين، ويتم تشييد عمارات سكنية عليها، لكن الشقق والوحدات السكنية تباع بأثمان باهظة ليس بوسع المواطن شراءها.
ويشير النائب السهلاني إلى أن معظم الوحدات السكنية في بغداد تم بيعها على الأثرياء الذين يمتلكون وحدات سكنية، ولذلك يقترح خطة تقوم على “توفير الأراضي والقروض لتتمكن الشرائح الاجتماعية من الحصول على الوحدات السكنية”.
ويرى محللون أن أهم أسباب فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة هذه المشكلة المستعصية هو عدم وجود خطط استراتيجية بشقيها، قصيرة المدى وطويلة المدى، من أجل تلافي المؤشرات السلبية التي تنتج عنها.
ولا تزال مشكلة الفساد أحد العوائق في إتمام المشاريع لأن المناقصات الحكومية تكون عرضة للاستغلال من قبل كارتيل يعمل لصالح شخصيات نافذة في الدولة، كما هو الحال مع المعابر.
وأظهرت تقارير دولية على مدى سنوات أن الحكومات المتعاقبة التي تقلّدت الحكم بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003 وخاصة في فترة حكم نوري المالكي تسببت في إهدار الملايين من الدولارات بتعاقدات أبرمتها وزارة الإسكان.
ومنذ 2014 تشهد العاصمة بغداد إنشاء مجمعات سكنية، لم يبع قسم كبير منها بسبب لهيب الأسعار، مما أجبر الحكومة على حث المصارف لتوفير قروض ميسرة للراغبين في شراء شقق.
وكانت سهى النجار رئيسة الهيئة الوطنية للاستثمار قد قالت في فبراير الماضي إن “رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وجه الهيئة بطرح بيع 20 ألف وحدة سكنية في مشروع بسماية السكني بأسعار مدعومة وقروض ميسّرة للمساهمة في حل الأزمة”.
وأشارت حينها إلى أنه سيتم بيع تلك الوحدات للمواطنين بأقساط مريحة ويمكن للمواطنين الحصول على قروض من البنوك لتمويل عمليات الشراء.
وأوضحت النجار أن مصرف الرافدين بادر بدعم المشروع وسيلحقه مصرفا الرشيد وتي.بي.آي وسيكون تسجيل المواطنين عن طريق مكتب الهيئة والمصارف الثلاثة وأنه سيتم تسليم الوحدات السكنية خلال العام الحالي والمقبل.
ويضم مجمع بسماية السكني جنوبي بغداد، حتى الآن 35 ألف وحدة سكنية من أصل 100 ألف وحدة من المقرر إكمال تشييدها خلال الأعوام المقبلة.
وكان العراق قد وقّع عام 2012 مع شركة هانوا الكورية الجنوبية عقد إنشاء مجمع بتكلفة 7 مليارات دولار، ضمن خطة اعتمدتها الحكومة آنذاك لتشييد مليون وحدة سكنية في عموم البلاد.