ايهما أسوأ تاثيرا على الامة الاحتلال الصهيوني وعدوانه المستمر ام العملاء الذين يساندونه، وخاصة المحليين منهم؟
د. سعد ناجي جواد
ايهما أسوأ تاثيرا على الامة الاحتلال الصهيوني وعدوانه المستمر ام العملاء الذين يساندونه، وخاصة المحليين منهم؟
ذكرني تبرير اسرائيل لجرائمها في غزة هذه الايام بالتبريرات التي استخدمتها الولايات المتحدة للتغطية على جرائم حرب ارتكبتها في العراق سواء في حرب 1991 او حرب 2003. كما ذكرتني احداث غزة الصامدة بتهافت العملاء من حملة الجنسية العراقية او العربية في الترويج لهذه التبريرات وتسويقها للعالم.
يوم اول امس دمر الطيران الصهيوني بالكامل برج الجلاء في غزة، وهو برج كان يأوي مكاتب وكالات انباء عربية وعالمية، منها الجزيرة و أسوشييتد برس . ادعت اسرائيل ان البرج كان يحتوي على مكاتب لحماس وذراعها العسكري. وكالة الاسوشييتد برس تحدت اسرائيل ان تقدم دليلا واحدا على ادعائها، وقالت انها تواجدت في البرج منذ سنين ولم تلاحظ اي شيء يدعم الادعاء الاسرائيلي. ومع ذلك فان اجهزة ومحطات اعلامية عربية اوردت الافتراءات الاسرائيلية وكانها حقيقة وتبرير مقبول. وهذا الموقف يضاف الى المواقف المخزية المتمثلة اما بالسكوت شبه المطلق عن ما يجري في فلسطين المحتلة، او الاصرار على مساواة الجلاد بالضحية، او الدفاع عن الجلاد على اساس انه يمارس (حقه في الدفاع عن نفسه). ووصل الامر الى مطالبة المجتمع الدولي بالقضاء على المقاومة، كما حدث سابقا مع المقاومة اللبنانية. كل هذه مواقف مكررة لفئة جبلت على الخيانة او التخاذل.
اقول ذكرني حادث برج الجلاء بجريمة مشابهة ارتكبتها الولايات المتحدة اثناء حرب 1991. لغرض اجبار العراق على الاستسلام لجأت القوات الامريكية الى اسلوب استخدام العنف المفرط والقصف العشوائي الكثيف، والذي طال الكثير من المدنيين الابرياء، واجبرنا نحن الذين كنا في بغداد انذاك ان نعيش ليالي مرعبة خوفا على اطفالنا. وافظع هذه الجرائم كان قصف ملجأ العامرية الذي ذهب ضحيته حوالي اربعمائة شخص جلهم من الاطفال والنساء. ولما كشفت وسائل الاعلام العراقية والاجنبية حقيقة هذه الجريمة سارعت الولايات المتحدة لتبريرها بالقول ان الملجأ كان يستخدم مقرا بديلا للقيادة العراقية. بعد انتهاء الحرب قامت احدى الفضائيات المرموقة بانجاز فيلم وثائقي عن الحرب وتطرقت الى جريمة ملجأ العامرية، واستضافت ضابطا كبيرا في القوة الجوية الاميركية الذي اعترف بان سلاح الطيران الامريكي ارتكب خطاءا بفعلته التي اودت بارواح ذلك العدد الكبير من الابرياء. مباشرة بعد هذا الضابط تحدث ضابط عراقي متقاعد برتبة كبيرة من الذين كانوا يعملون في (معارضة الخارج) حيث قال انه متاكد من أن الملجا كان مقرا بديلا للقيادة العراقية انذاك، وكان يجب ان يقصف. هكذا دون خجل او استحياء، وبدون حتى ان ياسف للعدد الكبير من الضحايا البريئة التي سقطت نتيجة لوحشية القوات الامريكية المتعمدة. كان هذا الضابط يشغل مركزا قياديا في الجيش العراقي، ولم يفكر بان يكون (معارضا) او يكتشف (تجاوزات النظام) الا بعد احالته على التقاعد، حيث انتقل، هو والعديد من امثاله ليصبحوا من ادلاء الجيش الامريكي ومزوديه بالمعلومات الحيويه والكاذبة ارضاءا لاسيادهم الجدد.
هذه الواقعة ، وما يجري في غزة، او في كل فلسطين المحتلة والدول المجاورة لها، يعيد مرة ثانية التفكير في نجاح اسرائيل واجهزتها المخابراتية في استقطاب اعداد لا باس بها من العملاء والجواسيس من حملة الجنسيات العربية الذين يزودونها بالمعلومات التي تمكنها من تصفية قيادات المقاومة او تسهيل احتلال بلدانهم. هذا ما حصل في لبنان في فترات مختلفة، (اغتيال قادة المقاومة في بيروت وتسهيل الاجتياح ومجزرة صبرا وشاتيلا وتصفية قادة المقاومة اللبنانية) وما حصل ولا يزال يحصل في العراق قبل وبعد الاحتلال، وسوريا ومصر عبد الناصر والجزائر اثناء الثورة وما حصل ويحصل في فلسطين المحتلة وخاصة في غزة في هذه الايام. وربما هذا ما يفسر نجاح اسرائيل في استهداف بعض قادة المقاومة الفلسطينية وتصفيتهم.
حقيقة وجود استعداد عالي للعمالة عند الكثير من ضعاف النفوس ليس حكرا على العرب والمسلمين، فكل دول العالم عرفت مثل هذه الظاهرة، ولكن استمرارها وتزايدها في وطننا العربي هو ما يحز في النفس.
ربما من السهل فهم اندفاع او قبول البعض الارتماء في رذيلة الخيانة، فالحاجة الماسة للمال او البحث عن الجاه الزائف او الحماية، او الكره الشخصي لنظام ما او لرئيسه، كلها اسباب يمكن فهمها عندما تاتي من ضعاف النفوس، لكن الفهم يكون اصعب عندما ينحدر حاكم او صاحب منصب عال او غني من الاغنياء الى هكذا مستوى تطوعا. ومن ينظر حوله هذه الايام او يراقب بعض المحطات الفضائية يمكن ان يتعرف على نماذج كثيرة. ولهذا فان كل الثورات العالمية الناجحة والحركات الاصلاحية الكبيرة او القادة التاريخيين الوطنيين لم يتمكنوا من النجاح او الانتصار في معاركهم الا بعد تصفية مجاميع العملاء الذين يعيشون بين ظهرانيهم.
من ناحية اخرى من المفيد التذكير ان نجاح الصهيونية في احتلال فلسطين والبقاء فيها لا يعزى لنجاح الحركة الصهيونية والدعم الدولي الذي حصلت عليه فقط، وانما السبب الاهم يعود الى الكم الكبير من الخيانة التي اتصف بها بعض العرب وخاصة ممن كانوا على سدة الحكم سواء بعد الحرب العالمية الاولى او اثناء قيام دولة الاحتلال الصهيوني، او من جاء بعدهم من الذين نصبهم الاستعمار وحماهم. ولكن ما يفرح القلب هو زيادة الوعي الذي يتمتع به الشعب العربي في كل مكان، الذي اثبت ويثبت ان كل من يخون قضايا الامة المصيرية يبقى في اقلية وان الاغلبية الساحقة تبقى تناصر قضاياها المصيرية والوجودية، هذه الاغلبية التي لابد وان تنتصر مهما طال الزمن.