الثورة خيارنا الاوحد
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
[size=32]الثورة خيارنا الاوحد[/size]
تتجدد في العراقيين روح الثورة ومنها خروج هذه الاعداد المليونية اليوم في بغداد والمحافظان الاخرى ، الثورة التي حولت مسارات الشعب العراقي من التركيز على قضايا مطلبية حياتية ، الى تحقيق التغيير الجذري الشامل ومحاسبة كل المسؤولين الحكوميين السابقين والحاليين الذين اصبحوا مثار لسخرية وتهكم المواطن البسيط ...أليس مثيرا للسخرية، وللقهر في آن، أن نسمع جميع هؤلاء المسؤولين يطالبون بالضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين ، في ذات الوقت الذي يؤيدون فيه دعوات مرجعيتهم لتسوية الأمور، ثم يعلنون بعد ذلك تأييد إجراءات فتح ملفات الفساد السابقة، ومحاسبة المتورطين الذي يبدو انهم يقصدون بهم افراد الشعب العراقي.
النظام الذي أسسته سلطات الاحتلال بعد نيسان 2003 إلى جانب كونه أسوأ نظام طائفي عنصري مناطقي لم يشهد مثله تاريخ العراق؛ يتحكم به ثلة من الفاسدين ، بشهادة رموز النظام ذاته ، لاسيما حينما يتهم بعضهم البعض الاخر مرارا بسرقة المليارات، وهم لايخجلون حينما، يعترفون ان حكوماتهم المتعاقبة منذ الاحتلال ومستمرة في ذلك قد أهدرت كذا تريليون دولار، ولا توجد حسابات ختامية حتى نعرف كيف أنفقت ولا يوجد إنجاز على الأرض حتى نتلمس تلك الأموال من خلال مشاريع ومنجزات ،وهو ما يرد عليه أزلام المالكي والعبادي وعبدالمهدي والكاظمي وكل الصغار في النظام الحاكم، بفتح ملفات فساد ولكن على من ؟!!
جريمة النظام العميل الفاسد لا تتوقف عند حدود ما تم نهبه وضياعه من أموال الشعب العراقي، ولا ما أهدره بسوء إدارته، بل تتجاوزه إلى النار التي ألقى فيها العراق وأهله بطائفيته المقيتة، والتي أشعلت حربا تضيع ثرواته، بل ترهنها لعقود مقابل صفقات سلاح مع روسيا وأمريكا وسواهما، ولا تسأل عن تسببه بالتدمير ذي الكلف الباهظة، ناهيك عن قتل وتشريد الملايين من خيرة اهل العراق تبعا لذلك.
من المفارقات ألتي تستوقفنا هي قصة تعاطف الفاسدين والقتله واللصوص مع ثوار تشرين التي نحن بصددها، فهذا الحنان على الثوار لم يأت إلا لأن غالبيتهم من المواطنين المستضعفين، والذين لا يجرؤ القوم على الاستمرار على مواجهتهم بالقمع مثلما فعلوها بالمعتصمين السلميين سابقا ،كما تبرز مفارقة اخرى عما يسمى بدور المرجعية ، وهي مفارقة بالغة الغرابة، التي تطالب علنا بالتعامل مع المتظاهرين بهدوء وتلبية مطالبهم، وهو ما تعودت الحكومات الفاسدة على الرد عليه بالامتثال، والوعد بتنفيذ وصايا المرجعية دعائيا دون ان يلمس المواطن اي شئ على ارض الواقع.
الشئ الاخر الملفت في نظام مابعد الاحتلال وكأن العراق تحول الى دولة دينية، يأمر فيها مدعي الدين فيطاع، لكنها طاعة بائسة، فكم مرة خلال السنوات الماضية طالبت فيها المرجعية بتحسين شروط حياة المواطن دون جدوى، كأنما هي تعظ وتخلي نفسها من المسؤولية لا أكثر، مع الاحتفاظ بقدسيتها!!
يزعم البعض من اصحاب التقيه ان دعاة الدين يقولون أحيانا إنهم لا يتدخلون في السياسة، لكنهم يعودوا للتدخل، ولا تظهر لها أية مواقف إيجابية في وقف طوفان الفساد، كل ما في الأمر أنهم مهمتهم التذكير بأن العراق دولة محكومة ظاهرا من دعاة الدين، وليست دولة ديمقراطية يحكمها القانون والمؤسسات والدستور.
اصبح قدرالشعب في العراق المحتل ان يعيش الظاهرة الثورية والحراك الشعبي في هذه الظروف البالغة الأهمية، لأنه اعتراف واضح من قبل الشارع الشعبي العراقي بأنهم لن يسمحوا للفاسدين واللصوص والقتله والعملاء الذين جلبتهم دبابات المحتل ان يستمروا في الضحك على ذقونهم.
نأتي إلى قرارات الكاظمي ، والتي لا يمكن النظر إليها بعيدا عن استغلال الظرف من أجل التعتيم على إلارث السيئ لمن سبقوه ، لكنه فشل، وها هو يعاود الكرة من جديد بدعم التيار الصدري وآخرين، لكن الحكم على خطواته يبقى مبكرا في ظل إصرار طهران على التحكم بالوضع من الداخل.
الامر الذي لا شك فيه بدون استمرار هذه الثورة وتصاعدها هو أن العراق سيبقى في بؤسه في ظل هذه المنظومة البائسة، وحيث تتحكم به مليشيات طائفية منفلتة، هي في الأساس عنوان القمع والانتهاكات والفساد، وهذه يحركها نظام الملالي، بينما لاتمانع المرجعية من تقديم مزيد من الدعم لها من أموال الشعب، ولايبدو ان هناك أمل بوجود حل يمكن أن يلوح في الأفق قبل تحرير البلد من احتلال انظام طهران، والتخلص من ذيوله وتحقيق العدالة بقيام نظام عراقي وطني يقوده أبنائه دون مناطقية او عنصرية او طائفية او إقصاء؟!
ونتفق مع ماجاء في ملاحظات عز الدين البغدادي من ان جزء من الشعب العراقي ضحية للمنهج الذي فرض عليهم من السلطات العميله بعد الاحتلال الذي دمر كثيرا من العراقيين والذي طلما حذرنا منه منذ احتلال بلدنا لأننا كنا ومانزال ندرك جيدا نتائجه، وفعلا فقد انتج اشخاصا فيهم من تحول الى الاجرام ومنهم من صار سفاحا، ومنهم من تحول الى حالة من الاباحية وعدم الاعتراف باي ضابط او واعز اجتماعي اخلاقي طالما كان ميزة للعراقيين ، ومن الاحزاب التي تدعي انها مسلمة من لا زال يغرّر بالناس، ويستخدم ادواته الدعائية في تحريف بوصلة المواطن العراقي البسيط وفي تشويه صورة الثورة الشعبية واهدافها ورموزها واستهداف الثوار بالتشهير وان لم ينفع فبالقتل.
وفقا لمجلة "غلوبال فاينانس" المتخصصة بتصنيف دول العالم، التي ذكرت في تقرير لها لعام 2021 ان "العراق احتل المرتبة الـ80 من اصل 194 دولة مدرجة بالجدول من حيث نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي وذكرت المجلة ان "دولة بورندي احتلت المرتبة الأولى بأكثر دول العالم فقرا تليها جنوب السودان ثانيا فيما احتلت الصومال المرتبة الثالثة ومن ثم جاءت جمهورية افريقيا الوسطى رابعا وجاءت مالاوي وجمهورية الكونغو والنيجر وموزمبيق وليبيريا ومدغشقر المراتب الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة على الترتيب، فيما تذيلت لوكسمبورغ تسبقها سنغافورة وايرلندا على الترتيب" ،وعربيا جاءت الدول العربية الأكثر فقرا هي الصومال بالمرتبة الأولى تليها ارتيريا ثانيا ومن ثم اليمن ثالثا والسودان رابعا ومن ثم ليبيا خامسا والمغرب سادسا والعراق سابعا وجاءت الأردن ثامنا ولبنان تاسعا ومصر جاءت بالمرتبة العاشرة.
واشارت مجلة غلوبال فاينانس الى ان "تم قياس مدى فقر أو ثراء أمة معينة مقارنة بأمة أخرى على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من خلال تعويض الفروق في تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم،وذكرت أنه يمكن للحكومات الدكتاتورية، والفاسدة تحويل ما يمكن أن يكون أمة غنية جدًا إلى دولة فقيرة وكذلك الحال مع تاريخ الاستعمار الاستغلالي وضعف سيادة القانون والحرب والاضطرابات الاجتماعية والظروف المناخية القاسيةوواضح ان كل هذه المسببات تعشعش في وطننا الذي حباه الله بكل خيراته ولكنه سلط علينا ارذل مخلوقاته.
الوضع الأيماني عموما وبسبب السياسات الممنهجة لاعداء الاسلام الحقيقي مرتبك جدا ، بين الطقوس التي تتوالد كل سنة لتنتج طقوسا جديدة يطبقون عليها (ومن يعظم شعائر الله) وبين نمو كبير وخطير للحركات الهجينة ، ومن يدعي الاجتهاد بما شاء بغير محله والتخريف دون ان يجد من يوقفه عند حده،هذا فضلا عن العمائم السياسية التي اهلكت البلاد والعباد وانتشر بسببها الفساد والالحاد، وغيرهم ، وكل هؤلاء يجدون صيدا سهلا في المجتمع دون ان يكون هناك موقف قوي من القيادات الدينية ،فعندما يجد الفساد والاجرام غطاء فقهي؛ فلا تنتظر ان ينتج عنه الا ما سمعته وسوف تسمعه، وكل ذلك لتغيير توجهات المواطن من الثورة على جلاديه وعلى اللصوص والقتله والعملاء الى الهرطقات التي لن تزيد مجتمعنا الا تخلفا وارتدادا على الاسوء.