سيناريوهات البنتاغون لإعادة نشر قواته في الشرق الأوسط
البنتاغون - بيير غانم:تعيد وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تقييم الانتشار العسكري حول العالم، وهي محكومة بأن لديها قدرات هائلة لكنها تبقى أقلّ حجماً من المتطلبات، وقد أعطت الإدارة الأميركية الانطباع بأنها ستعمل على سحب قوات من الشرق الأوسط.
قائد القوات البحرية الأميركية الأدميرال مايك غيلداي ربط سحب حاملة طائرات من منطقة الشرق الأوسط بالتوصل إلى اتفاق مع إيران حول البرنامج النووي، فيما تحدّث قائد المنطقة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي عن خفض في العديد والسلاح الأميركي من دون أن يربط الأمر بالتوصل إلى اتفاق.
خبرات متصاعدة
لم تصل الإدارة الأميركية ووزارة الدفاع إلى قرار نهائي وصورة متكاملة للانتشار العسكري الأميركي حول العالم، لكن، بحسب مصادر تحدثت إليها "العربية" و"الحدث"، يأخذ الأميركيون الآن بعين الاعتبار أن القوات العسكرية لدول صديقة مثل السعودية والإمارات والأردن، حققت خلال السنوات العشر الماضية تقدّماً كبيراً، ولا يعتبر العسكريون الأميركيون أن وجود جنودهم في المنطقة بأعداد تتخطّى عشرات الآلاف هو أمر ضروري، كما كان ضرورياً لحماية المصالح والأصدقاء منذ 20 أو 30 سنة.
ويعتبر العسكريون الأميركيون أن خبرات ضباط وجنود الدول الصديقة في استعمال السلاح المتطور، قفزت بسرعة خلال الحقبة الماضية وهم قادرون على استعمال السلاح المتطور مثل الضباط والجنود الأميركيين.
سلاح متوفّر
كما أن كمية السلاح التي دخلت إلى منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الماضية تضاعفت، وتطورت نوعيته مقارنةً مع الثمانينيات والتسعينيات أو حتى الأعوام 2000 إلى 2010، وتستعمله الآن جيوش المنطقة بدون مساعدة خارجية مباشرة. وأفضل مثال على ذلك استعمال القوات السعودية للطائرات المقاتلة ولأنظمة الرادار وشبكة الصواريخ المضادة للصواريخ لحماية أراضيها.
التنسيق العملياتي
يضع العسكريون الأميركيون أهمية كبيرة على ذلك وعلى متابعة القوات الوطنية في المنطقة العربية تطوير قدراتها الذاتية وزيادة التنسيق العسكري بين بعضها. ويرى العسكريون والدبلوماسيون في واشنطن أن التنسيق يحقق بعض التقدّم، وأن مضاعفته بين جيوش هذه المنطقة سيعطي الضوء الأخضر للقوات الأميركية لتثق بأن لديها حلفاء وأصدقاء في المنطقة قادرين بمساعدة أقل على حماية أنفسهم، وبالتالي تستطيع الولايات المتحدة توجيه عدد أكبر من جنودها إلى مسرح المحيط الهادئ والاهتمام أكثر بـ"الخطر الصيني".
سرعة الانتشار
يعطي العسكريون الأميركيون أهمية خاصة لقدرة قواتهم على التحرك والانتشار، ويكشف الاتفاق الأميركي-الأردني حول استعمال القواعد العسكرية في الأردن عن مفهوم واضح لهذا المبدأ، حيث ذكر النص الذي نشرته وزارتا خارجية البلدين منذ أسابيع أن القوات سيكون لديها القدرة على استعمال 12 قاعدة عسكرية على أراضي الأردن، ما يعطي الأميركيين قدرة عالية على التحرك والانتشار من دون الاحتفاظ بأعداد من الجنود في قاعدة عسكرية محددة.
دول الاضطراب
تختلف الأمور عند التحدث عن دول أخرى في الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا ولبنان، فهي دول تشهد اضطرابات كبيرة، وليست مستقرة مثل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن، وهنا المقاربة الأميركية مختلفة.
يشدد الأميركيون على أن لديهم أهدافا في العراق سوريا وهي في الأساس مواجهة داعش ومنع التنظيم من العودة إلى النشاط أو إلى تهديد أمن الولايات المتحدة.
تمسكت حكومة الولايات المتحدة بهذه النظرية منذ العام 2014 عندما أعادت قواتها إلى العراق، وعندما أدخلت أعداداً منها إلى الأراضي السورية لضرب داعش، وإنشاء جيب شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف.
يرى الأميركيون أيضاً أن هناك حيّزاً آخر للوجود العسكري والدبلوماسي الأميركي في العراق وسوريا، وهو التنافس مع النفوذ الإيراني وأيضاً مع النفوذ الروسي في سوريا.
مسؤول سابق في البنتاغون عمل حتى وقت قريب في وزارة الدفاع الأميركية أكد في اتصال مع "العربية" و"الحدث" أن الأميركيين استعملوا بشكل خاص قاعدة التنف لمراقبة "الطريق السريع الإيراني"، كما ساهمت القاعدة بحفظ أمن الحدود الأردنية. وأكد أن إسرائيل والأردن لديهما القدرات العسكرية الكافية لحماية أراضيهما من اعتداءات خارجية. وأشار إلى أن حماية أراضي الدولتين يتطلب الكثير من المراقبة والاستخبارات عندما يتعلّق الأمر بالحماية من الصواريخ المزروعة في سوريا ولبنان والعراق.
الخطوة المقبلة
المسؤول السابق الذي طلب عدم ذكر اسمه ليتمكن من الحديث بحرية أكثر، أشار إلى أن مراجعة انتشار القوات بدأت في عهد وزير الدفاع السابق مارك اسبر. وفيما شدّد على أهمية وجود القوات الأميركية في سوريا والعراق، لمّح إلى أن دعم الحلفاء "عبر الأفق"، كما يحدث الآن في أفغانستان، هو أيضاً خيار موجود لدى الأميركيين لمتابعة مهامهم لو سحبوا قواتهم من سوريا والعراق.
ليس واضحاً بعد موقف الرئيس جو بايدن من إبقاء قوات على أراضي هاتين الدولتين، لكن الإدارة الحالية لا تنظر إلى هذه المنطقة كما تنظر إلى دول مجلس التعاون وإلى الخليج العربي والبحر الأحمر حيث الاستقرار حاجة ماسة للأمن الدولي. ويرجح الكثيرون ممن عملوا في الإدارة أن يعمد الرئيس الأميركي إلى الإبقاء على قوات كبيرة في الخليج العربي، في المقابل، يرجَّح أن يتخذ قرارات انسحاب من سوريا والعراق لو تطورت الأمور إلى الأسوأ، وأن يعتمد مبدأ "العمليات عبر الأفق" في هاتين الدولتين.