بذور السماء وبذور الأرض في فلسفة الامبراطور ماركوس اوريليوس
أ.د .صلاح رشيد الصالحي
بذور السماء وبذور الأرض في فلسفة الامبراطور ماركوس اوريليوس
عند قراءة فلسفة ماركوس اوريليوس (Marcus Aurelius) الإمبراطور الروماني (160-180) ميلادي في كتابه (التأملات) (The Meditations) والمعروف انه اقتبس الكثير من مفاهيمه الفلسفية من معلمه الفيلسوف ماركوس كورنيليوس فرونتو ( Marcus Cornelius Fronto) الذي ولد في مدينة كرتن أو (كيرثان) (Cirt)، ووصف نفسه بانه (ليبي من الليبيين الرحل) ويعتبر مواطن روماني، وقد عاش في روما واكتسب شهرة واسعة في الخطابات ومعرفته الواسعة في اللاتينية القديمة، وخلال مطالعتي لكتاب التأملات وجدت عبارة جميلة تقول: (الذي يولد من الأرض فانه يعود إلى الأرض: ولكن الذي ينمو من بذور السماء فانه يعود، إلى السماء).
قيل في التراث القديم أن أصل البشر من التراب، وعند وفاتهم يعودون اليه، وتبقى ارواحهم تحت الأرض، اما الأشخاص الذين يولدون من بذور سماوية بمعنى نسلهم من الآلهة (نحن نعرف ان الآلهة تسكن في السماء) فعند موتهم يعودون إلى السماء ليستقروا مع الآلهة هناك، ويعتبر الملوك والاباطرة في التاريخ القديم بانهم من نسل الآلهة لذا مكانهم بعد الموت في السماء خالدين مع الآلهة، ولهذا تحرق أجساد موتى الملوك والاباطرة لفصل الروح عن الجسد، فمثلا عند وفاة الملك الحثي (المملكة الحثية في بلاد الاناضول 1620-1200 ق.م) لا يقال مات الملك انما يستخدم تعبير (أصبح إله) بمعنى انتقلت روحه إلى السماء، ولو طبقنا هذه المقولة في الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) فان الأنبياء والرسل هم بذور الله ارسلهم بهيئة بشر لينشروا الدين وعبادة المولى القدير، وعند موتهم تنتقل ارواحهم إلى السماء خالدين مع الله، كما ذكر في شرح سورة الاسراء والمعراج عندما التقى النبي محمد (ص) بالأنبياء في السماء وتحدث معهم،، اما نحن البشر بكافة طوائفنا ومكوناتنا فإننا ولدنا من نتاج الأرض ونعود إلى الأرض عند وفاتنا مع ارواحنا، وننهض جميعا من سباتنا يوم القيامة ونحاسب امام الله يوم الحساب العظيم، بعكس الأنبياء والرسل بذور الله لا يخضعون للحساب يوم القيامة، وكمقارنة بسيطة كل الملوك والاباطرة في الحضارات القديمة اعتقدوا ان نسلهم من الالهة أو على الأقل قامت الآلهة بتربيتهم وتفضيلهم عن الاخرين من البشر، وفي الديانات السماوية الثلاث علاقة الأنبياء والرسل بالله قوية تجعلهم فوق البشر واخلاقهم، ففي الدين اليهودي تحدث الإباء (من إبراهيم وما يليه من نسله) مع الرب يهوه فكثيرا ما يقدم نصائحه لهم أو يمنحهم أراضي، بل ويدخل الرب في مصارعة مع يعقوب، ويغضب، ويبكي ...الخ، وفي الدين المسيحي خاطب يسوع الرب بكلمة (ابي) وهو ينظر إلى السماء (يا ابتاه في يديك استودع روحي) ثم أسلم الروح (لوقا 23: 46) وانتقلت روحه عاليا لتستقر هناك، أما في الإسلام فان الرسول محمد (ص) كان اخر الأنبياء وهو الحبيب والمفضل من الله، ورغبة البشر في كل زمان ومكان ان يكون هناك اشخاص لهم قوى اكبر منا ومقربين إلى الله عز وجل ونطلب منهم ما نعجز في الحصول عليه، لذا استمر نتاج بذور السماء فتم تعظيم أرواح الائمة (رض) وجعلهم معصومين وبالتالي فهم اشبه بالأنبياء نسل الله، ثم توسعت الدائرة وادخل رجال الدين واعتبارهم من نسل الرسول أو يملكون قوة التقوى والايمان فهم لا يختلفون بكونهم من نسل الله ومكانهم في السماء، وهكذا اخذت قائمة بذور السماء تتسع شيئا فشيئا .