الجفاف يهدّد ديالى... الأهالي يحفرون الآبار قبل فوات الأوان
سكاي نيوز/ميمونة الباسل:منذ بدء ارتفاع درجات الحرارة، تواجه محافظة ديالى العراقية أزمة مياه خطيرة تهدد كل جوانب الحياة فيها، وخصوصاً القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه نحو 65 في المائة من سكان المحافظة التي كانت تتمتع بنهر دائم الجريان، هو نهر ديالى، الذي يمر عبر مختلف مدن المحافظة الواقعة شرقي البلاد، قبل أن يتحول إلى أشبه بجدول صغير، إثر تغيير إيران مجرى رافده الرئيسي القادم من أراضيها. وعمدت إيران أكثر من مرة إلى تغيير مجرى روافد عدة ضمن حدود الأراضي الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى تداعيات بيئية واقتصادية وإنسانية كبيرة في محافظة ديالى، وتزامن ذلك مع شح في تساقط الأمطار في الشتاء الماضي.
ويعدّ نهر ديالى، الذي يمثل أيضاً خامس روافد نهر دجلة في العراق، مصدراً رئيسياً تعتمد عليه المحافظة لتأمين المياه. ويتشكّل النهر بشكل رئيسي من التقاء رافدين ينبعان من جبال زاغروس (ما بين العراق وإيران)، أحدهما يقع ضمن العراق والآخر ضمن الحدود الإيرانية، ويشكلان عند التقائهما في مدينة دربندخان (تقع في كردستان العراق، وهي مركز قضاء وتتبع لمحافظة السليمانية، شمال البلاد) نهر ديالى، الذي ينتهي عند أطراف بغداد حيث يصب في نهر دجلة.
وكان النهر يروي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ويعتبر المورد الأساسي لأهل ديالى الذين يشتهرون بأراضيهم الزراعية وزراعة الحمضيات. وجفت بحيرة حمرين (تتبع لسد حمرين الذي يقع على مجرى نهر الوند في محافظة ديالى) بشكل شبه كامل كغيرها من العديد من بحيرات العراق المهددة بالجفاف لقلة الموارد المائية. وبحسب التصريحات الحكومية، حوّلت إيران مجرى الروافد إلى أراضيها. وقال وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني إن الموارد المائية القادمة من تركيا إلى نهري دجلة والفرات انخفضت بمقدار 50 في المائة، مؤكداً قيام إيران بتحويل روافد مهمة إلى داخل أراضيها، منها نهر سيروان وبعض روافد ديالى.
وبسبب هيمنة فصائل مسلحة حليفة لإيران على مفاصل ومؤسسات الحكومة المحلية في محافظة ديالى، يرفض غالبية المسؤولين في المحافظة انتقاد الخطوة الإيرانية. إلا أن مسؤولاً رفيع المستوى في ديوان محافظة ديالى يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "تحويل إيران مجرى روافد نهر ديالى أدى إلى تضرر عشرات آلاف الهكتارات الزراعية. وهناك قرى عدة مهددة بموجات نزوح بسبب شح المياه".
ضيف: "الخطوة الإيرانية تعدّ سابقة ولم يسبق أن غيرت أو حبست مياه رافد عن العراق حتى في عز الأزمات الأمنية والسياسية خلال العقود الماضية". ويقول إنه "بسبب عدم إمكانية إقامة سدود من قبل إيران على مناطق الروافد لأسباب تتعلق بالتربة وطبيعة المنطقة، عمدت إلى تغيير مجرى الروافد وعرقلة وصولها إلى داخل العراق، الأمر الذي أدى إلى جفاف بحيرة حمرين ثم نهر ديالى الذي تحول إلى مجرى صغير". ويتابع: "أضرار ذلك لن تقتصر على مدن ديالى، بل على مستوى منسوب نهر دجلة ومقدار ما سيصل منه إلى مدن جنوبي العراق. ويمكن اعتبار الخطوة الإيرانية حرباً حقيقية على العراقيين".
وكان مدير دائرة الموارد المائية في محافظة ديالى مهند المعموري قد تحدث في وقت سابق لوسائل إعلام محلية، مطلع الشهر الماضي، عن أن نقص المياه في بحيرة حمرين، التي تعتبر خزان المحافظة الأول من المياه، وصل إلى نسبة 90 في المائة هذا الصيف، بما معناه أنها جفت بشكل شبه كامل، مؤكداً "تأثر نحو 150 ألف دونم زراعي حتى الآن بأزمة المياه".
تحذيرات لمنظمات محلية
يحذّر رئيس اتحاد الفلاحين في ديالى رعد التميمي من أن المحافظة مقبلة على جفاف "ربما يكون الأكثر شراسة منذ عقود". يضيف أن "أزمة الجفاف ستضرب بقوة ما تبقى من بساتين ومزارع مدن بعقوبة والمقدادية وبلدروز وبقية بلدات ديالى. وستُؤثّر على مساحات شاسعة إذا لم تنجح الجهات المختصة في تأمين مياه للري خلال الصيف"، مؤكداً أن "فقدان مساحات زراعية كبيرة بات وشيكاً بسبب فقدان موارد نهر ديالى".
وحول ذلك، يقول الخبير في شؤون المياه عبد اللطيف الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة مصطفى الكاظمي تتحمل مسؤولية ما يجري في محافظة ديالى تحديداً". يضيف: "الجميع الآن تصله أخبار السد التركي وسبب شح المياه في نهر الفرات بسبب مشاريع أنقرة وتأثيرها على العراق، لكن لا أحد يريد التحدث أو إشهار ما تفعله إيران مع العراق على نحو مماثل، لأن نفوذ إيران الأمني والسياسي يمنع أي مسؤول من التحدث بالموضوع".
ويؤكد أن إيران قطعت روافد أنهار الوند والزاب وكارون، العام الماضي، من خلال تحويل مجرى المياه لتعود إلى داخل الحدود من دون إكمال طريقها للعراق. يضيف أن "استمرار الحكومة العراقية في الاكتفاء بالتفرج أو إصدار بيانات على لسان مسؤولين تشرح الوضع من دون تحرّك فعلي على مستوى دولي يعني أن العراقيين سيدفعون ثمناً كبيراً خلال أقل من عامين، وقد تترتّب على هذه الإجراءات الإيرانية ومن قبلها التركية تغييرات ديموغرافية وأضرار بيئية وخسائر مادية ضخمة للعراق في كل المحافظات. ونخشى أن تكون المحافظات الجنوبية أكثر تضرراً كونها آخر المحافظات التي يصل إليها نهرا دجلة والفرات في العراق".
لجوء إلى الآبار
يُطالب ناشطون من مدينة مندلي، التي تقع على بعد نحو 90 كيلومتراً شرقي المحافظة، بإعادة تأهيل الآبار الموجودة في تلك المنطقة. ويقول مدير بلدة مندلي بالوكالة مازن الخزاعي إن "هناك آباراً عدة موجودة منذ فترة طويلة، إلا أنها متروكة لعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، وبالتالي يتم الاعتماد عليها فقط لري البساتين. لكن في الوقت الحالي، المدينة بحاجة إلى آبار مياه للاستهلاك البشري"، موضحاً أن الحل لمواجهة شح المياه يتمثل اليوم في حفر الآبار على اعتبار أنه الخيار الوحيد المتاح.
من جهته، يقول أبو عصام النعيمي، وهو من سكان مدينة بعقوبة، لـ"العربي الجديد"، إنهم "أمام أزمة مياه حقيقية منذ انتهاء فصل الشتاء وارتفاع درجات الحرارة". يضيف: "منسوب المياه في نهر ديالى وبحيرة حمرين انخفض بشكل مخيف، الأمر الذي دفعنا إلى البدء بحفر الآبار داخل حديقة المنزل، وسكان ديالى بدأوا بالفعل بحفر الآبار داخل البيوت لغرض تخطي الأزمة، لأن مياه الشرب لا تصل إلى المنازل سوى بضع ساعات، على غرار الكهرباء". ويشير إلى أنّ "غالبية مياه الآبار غير صالحة للشرب بسبب ارتفاع نسبة التلوث. إلا أننا نعتمد عليها للغسيل أو ملء مبردات الهواء. ولتأمين مياه الشرب، نعتمد على شراء قناني المياه، أو نضع فلتر لتنقية المياه".
وعن كلفة حفر الآبار، يوضح النعيمي أنّ كلفة حفر البئر تراوح ما بين 150 دولاراً و3 آلاف دولار أو أكثر، بحسب عمق البئر وما إذا كان ارتوازياً، أي مخصصاً للبساتين وري المزروعات، أو بئراً عادياً داخل المنازل. ولا يمكن اعتماد عمق أقل من 10 أمتار للبئر العادي داخل المنزل. فكلما كان العمق أكثر كلما كانت المياه أكثر نقاوة.
أما إياد عباس (62 عاماً)، وهو من سكان بلدة المقدادية، فيقول لـ"العربي الجديد: "كنّا نعتمد على نهر الهارونية القريب من بساتيننا ومزارعنا. لكن لم يعد في النهر مياه، وباتت بساتيننا مهددة بالجفاف. لذلك، لجأنا إلى حفر آبار ارتوازية لحماية مزارعنا وري بساتيننا. وفي منتصف شهر إبريل/ نيسان الماضي، حفرنا بئراً بعمق 34 متراً، كلفني نحو 3500 دولار، مع بعض المعدات الخاصة بالبئر. حتى أنّ غالبية المزارعين اعتمدوا إما على الآبار أو ري المزروعات بمياه منقولة لتجنّب الجفاف. وبعضهم ترك مزرعته من دون أي إجراءات، بانتظار الحصول على تمويل حكومي".
وتبلغ مساحة محافظة ديالى، وعاصمتها بلدة بعقوبة، نحو 17.617 كيلومتراً مربعاً، وتقع على الحدود الإيرانية، وتبعد نحو 57 كيلومتراً من العاصمة بغداد، ويقطنها نحو مليون ونصف المليون نسمة. وكانت غالبية أراضيها عبارة عن مزارع وبساتين قبل أن تقضي عليها الحرائق المفتعلة أو الجفاف، في وقت أنشأ البعض بيوتاً على الأراضي الزراعية.