صيف ساخن في العراق.. أزمة الكهرباء تزيد احتقان الشارع
انقطاع الكهرباء تزامن مع ارتفاع في درجات الحرارة.
الحرة / خاص - واشنطن:في كل مساء منذ 10 أيام، يجمع أبو مصطفى، وهو عراقي من محافظة الكوت وسط البلاد، أطفاله ليقوم برش الماء عليهم باستخدام أنبوب بلاستيكي مربوط بصنبور المياه العام.
ولا يفعل أبو مصطفى هذا للمتعة أو للعب مع الأطفال، لكنه يحاول تبريدهم، وتبريد أرض "حوش" المنزل الخارجي، الذي ينامون فيه بسبب انقطاع الكهرباء.
وفي درجات حرارة تصل إلى 40 درجة ليلا، وتتجاوز الخمسين في بعض الأيام "لا ينفع الماء كثيرا" كما يقول أبو مصطفى لموقع "الحرة".
ويشترك أبو مصطفى مع جيرانه كل شهر لدفع أجور مولد الكهرباء الأهلي الذي يسحب منه الأهالي كميات محدودة من الطاقة تكفي بالكاد لتشغيل ثلاجة المنزل وبعض المراوح.
لكن بسبب انقطاع الكهرباء المستمر والمتكرر، بدأ صاحب المولد الأهلي بتخيير المشتركين بين التشغيل إما في النهار أو في الليل، أو يدفعون ما يصل إلى نحو 100 دولار إضافية كل شهر للحصول على كهرباء مستمرة، ولكنها قليلة أيضا.
ويبلغ سعر "الأمبير" الواحد من الطاقة الكهربائية في العراق شهريا نحو 25 ألف دينار (20 دولارا) لكن الأمبير لا يكفي حتى لتشغيل مروحة هواء كما يقول أبو مصطفى، الذي يشترك بخمسة أمبيرات شهريا.
"حادث" أطاح بشبكة الكهرباء
ويقول م.أ، وهو رئيس قسم بوزارة الكهرباء، ومسؤول عن القطع المبرمج للطاقة في العاصمة إن "تجهيز الطاقة الكهربائية وصل قبل أيام إلى 19 ألف غيغا واط، وحققت بغداد قطعا يصل إلى ساعتين مقابل كل ساعتي تجهيز".
ويصف رئيس القسم هذا الوضع بـ"المستقر" مقارنة بالوضع الحالي بعد حصول "حادث" فقدت المنظومة على إثره 12 ألف غيغا واط.
ويقول المسؤول الذي طلب من موقع "الحرة" عدم ذكر اسمه إن الحادث الذي سببته درجات الحرارة المرتفعة ونقص الصيانة تزامن مع هجوم صاروخي على محطة صلاح الدين الحرارية، تسبب بإخراجها من الخدمة.
وتفتقد المنظومة حاليا، بحسب رئيس القسم، أكثر من 3 آلاف غيغا واط، بينما يحتاج العراق لتشغيل مستمر للطاقة إلى نحو 30 ألف غيغا.
ويقول المسؤول إن "العراق كان يحصل على 1400 ميغا واط من إيران في العام الماضي، لكن طهران خفضتها إلى 200 ميغا فقط".
ويؤكد "حينما نتجاوز الحصة بميغا واحد فسيتصلون بنا مهددين بقطع الخط بالكامل".
ويقول مدير آخر في قسم العقود بوزارة الكهرباء إن "الخط الإيراني توقف بسبب مشاكل بتسديد المستحقات المالية نتيجة العقوبات المفروضة على طهران".
لكنه يستدرك بالقول لموقع "الحرة" إن "التجهيز الإيراني لم يكن ليكون ضروريا أساسا، وهو كان في البداية على شكل خدمة يقدمها العراق لدعم الاقتصاد الإيراني، قبل أن نعتمد عليه بشكل كبير".
ويضيف المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه إن "وجود هذا الخط تحول فيما بعد إلى نقمة، لأن الأموال التي يوفرها لإيران كانت مهددة في حال تحسن قطاع الكهرباء العراقي، وربما يكون هذا سببا لعدم تحسنها".
وحاول موقع "الحرة" الحصول على رد رسمي من وزارة الكهرباء العراقية بشأن الموضوع، لكن من دون جدوى.
لكن المسؤول يقول إن هناك تحركا لربط العراق بالمنظومة الكهربائية الخليجية، يواجه بعرقلة من قبل أحزاب سياسية.
الكهرباء "السياسية"
ويقول الصحفي المتخصص بشؤون الاقتصاد والطاقة، أيسر جابر، إن "ملف الطاقة في العراق سياسي، إذ يستخدم الملف لتأجيج الاحتجاجات الشعبية كل صيف".
ولا تعد احتجاجات الكهرباء العراقية بسيطة أو عابرة، بل إنها تنتهي عادة بسقوط الدماء من قبل المتظاهرين، كما حصل في تظاهرات البصرة عام 2018.
وبحسب جابر فإن الكهرباء هي عامل مهم جدا في تأجيج غضب الشارع، بسبب ارتفاع درجات الحرارة "الرهيب" في العراق، مما دفع المحتجين العراقيين في أكتوبر من عام 2019 إلى توقيت تظاهراتهم بحيث لا تتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة هذا.
وبدأت بالفعل تظاهرات في مناطق مختلفة من العراق، انطلقت مساء الثلاثاء من محافظة الكوت.
وقال الناشط، سلام الدعمي، لموقع "الحرة" إن المتظاهرين تجمعوا بعفوية للاحتجاج على الانقطاع المستمر للكهرباء خلال فصل صيف حار جدا، فردت القوات الأمنية بتفريقهم.
وأضاف الدعمي إن كاميرات الفيديو سجلت لحظة اعتقال قوات الأمن لأحد المتظاهرين وقيامهم بضربه.
ولم يستطع موقع "الحرة" تأكيد الفيديو الذي يحمل طبيعة عنيفة، لكنه يظهر رجالا يكيلون الضربات، ويقومون بصعق شاب بجهاز كهربائي، فيما تتعالى أصوات نساء كن يصورن الفيديو كما يبدو مطالبين رجال الأمن بترك الشاب.
وشهدت محافظة الناصرية العراقية، الثلاثاء، تظاهرات احتجاجية للمطالبة بتحسين وضع الطاقة الكهربائية.
وخرج العشرات من المواطنين أمام محطة الطاقة الكهربائية الحرارية في الناصرية احتجاجا على تردي واقع الكهرباء، ومطالبين بعزل إنتاج المحطة عن المنظومة الوطنية.
ومنحت محافظة البصرة الجنوبية، الثلاثاء، عطلة لموظفيها.
وتتمتع المحافظة بساعات تجهيز أفضل بسبب درجات الحرارة المرتفعة جدا فيها، لكن هذا ليس مستقرا دائما.
وتتوقع الأرصاد الجوية العراقية ارتفاع درجات الحرارة أكثر في الأسابيع المقبلة، فيما لا يبدو أن مبلغ 60 مليار دولار صرفت على قطاع الكهرباء منذ 2003، كافية لينعم العراقيون بصيف بارد، أو محتمل على الأقل.