هل استفزت حماس حواضنها الشعبية بالثناء على إيران؟
منذ 5 ساعات
غداة توقيع اتفاقيات التطبيع بين الكيان الصهيوني والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، وصفت حركة حماس هذا الفعل بأنه طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني. وقال المتحدث باسمها فوزي برهوم (ندين بشدة وبكل السبل، التطبيع مع إسرائيل الذي يعتبر طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، ولن يؤدي إلا تشجيعها على ارتكاب المزيد من الجرائم والاعتداءات ضد الشعب الفلسطيني). كما أصدرت الحركة بياناً قالت فيه (إننا نحذر من الاستمرار في هذا الطريق وتداعياته على الأمن القومي العربي، والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني).
بالمقابل قدمت حماس الشكر والعرفان إلى إيران، على لسان بعض قادتها ومنهم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، الذي قال (أوجه الشكر للذين قدموا المال والسلاح للمقاومة الباسلة، الجمهورية الإسلامية في إيران). فهل يحق لحواضن فلسطين وحماس والجهاد الإسلامي، في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من دول الطوق وما بعد الطوق، أن تطلق أوصاف الإدانة على شكر وثناء الحركة لإيران؟ أليس الثناء والشكر لإيران أيضا تشجيعا لها على ارتكاب المزيد من الجرائم، ضد حاضنة حماس العربية في العواصم الأربع التي يتفاخر زعماؤها ورجال الدين لديهم باحتلالها؟
إن ما يجب قوله وبصوت عال جدا، ليس من باب المنّة القول إن الشعب العربي لم يبخل على القضية الفلسطينية بالغالي والنفيس، خلال أكثر من سبعين عاما. فقد قدّم المال من ميزانيات أقطاره والدماء من عروق أبنائه، والدعم السياسي من بعض أنظمته الشريفة والوطنية، واحتضن أشقاءه الفلسطينيين وساواهم بالحقوق معه ووفر لهم العيش الكريم. وإذا كانت حماس ترى أن النظام الرسمي العربي قد تخلى عن القضية الفلسطينية، وذهب مُصالحا العدو الصهيوني، فإنها يجب أن تعرف أيضا أن الشعب العربي مازال حيا، وأنه ينظر الى فلسطين على أنها قضيته المركزية الأولى. وهذا الالتزام الشعبي العربي، الذي تفرضه قيم الدين والمبادئ الأخلاقية يقتضي، بل يفرض موقفا مماثلا من الحركة باحترام مشاعر حواضنها الشعبية، وعدم الذهاب إلى معسكر، يثبت يوميا بالقول والفعل أنه ضد الأمة العربية. قد يربح الإخوة في حماس إيران، ويحصلون على المال والسلاح والتكنولوجيا والتدريب منها، لكنه نظام سياسي قد لا يكون موجودا في الغد، أو أن استدارة سياسية ما قد تحصل فتدفعه إلى التخلي عن ذلك. بينما دللت العقود السبعة الماضية أن الحواضن الشعبية العربية لفلسطين لن تتخلى عنها، لأنها لا تسير في دروب السياسة الموحلة والقذرة. صحيح أن حماس قد تربح سياسيا وعسكريا بالتعاون الإيراني معها ضد العدو الصهيوني، لكنها يقينا تعرف أن عالم السياسة ليست فيه ولائم إفطار خيرية، وما يُقدم باليد اليمنى تأخذ مقابله باليد اليسرى. فالتنافس الإيراني مع العدو الصهيوني حشوته الدافعه القضية الفلسطينية.
إن من يُطبّع مع العدو الصهيوني، كالذي يتعاون مع إيران وينسق معها ويثني عليها. قد تقولون لا هذه معادلة خاطئة لا تقبل المساواة بين إسرائيل وإيران. حسنا، لكن من أين تأتون باليقين الذي يجب أن يتمسك به شعب يُذبح يوميا بالسكين الإيراني، بأن إيران ليست مثل إسرائيل؟ كيف تقنعون الناس بأن قتلهم واختطافهم وتغييبهم وتهجيرهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن بأياد إيرانية، ليس مثل قتل أهلنا في فلسطين على يد العدو الصهيوني؟ هل الذبح الإيراني حلال فقط لأنها تساعدكم؟ ألم تسمعوا ذلك السياسي العراقي الذي التقى وزير الخارجية الإيراني الشهر الماضي متوسلا به أن يسمح لأهالي جرف الصخر، التي لا تبعد عن بغداد سوى 80 كم، بالعودة إلى بيوتهم ومزارعهم؟ إذن النظرة الشعبية في هذه الدول العربية وحتى في غيرها، هي أن سياسات إيران هي سياسات إسرائيل نفسها، وأن المواطن البسيط الذي يُعاني من الظلم الإيراني، لا يعنيه ذلك الترف السياسي الذي يُفرّق بين إسرائيل وإيران فكلاهما واحد في نظره.
- اقتباس :
- إذا كانت حماس ترى أن النظام الرسمي العربي قد تخلى عن القضية الفلسطينية، فيجب أن تعرف أيضا أن الشعب العربي مازال حيا، وأنه ينظر الى فلسطين على أنها قضيته المركزية الأولى
إن أشقاءكم في الدول التي يجثم على صدرها العدو الإيراني، يناشدونكم أن لا تستفزوا مشاعرهم بالإلحاح بالشكر والتبجيل والتعظيم لهم، فقداسة القضية الفلسطينية النابتة في عقولهم وضمائرهم، بذل فيها الأجداد والآباء والأمهات سنين طويلة كي تنمو فيهم حتى باتت راسخة. وفي أيام النضال الفلسطيني الحقيقي لم يكن يوجد مسجد أو مدرسة أو جامعه في العراق، إلا وكان فيها صندوق تبرعات للعمل الفدائي. وكان ممثلو المنظمات الفدائية الفلسطينية عندما يزورون مدارسنا وجامعاتنا للترويج للقضية، يخرجون ونخرج معهم بالمئات متطوعين في العمل الفدائي، وكنا نقاتل معكم في كل المواقف والمعارك حتى الرحيل عن بيروت. كما تعلمون علم اليقين أن في سوريا والأردن وفلسطين، ما زالت مقابر شهداء الجيش العراقي، الذين قضوا في الحروب من أجل فلسطين، قائمة حتى اليوم. وفي أيام الحصار على العراق والجوع والفقر والمرض، كانت عائلة كل شهيد فلسطيني تستحق راتبا تقاعديا وخمسة وعشرين ألف دولار مكرمة من العراقيين. بينما كانت رواتب العراقيين لا تتجاوز العشرة دولارات شهريا، ومع ذلك لم يكن هنالك اعتراض من إخوانكم ليس خوفا من السلطات، بل خوفا من أمهاتنا اللواتي أرضعننا القضية الفلسطينية مع حليبهن.
إن من يُحذّر من التطبيع مع إسرائيل وتداعياته على الأمن القومي العربي، والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، حري به أن يحذر هو أيضا من التنسيق وتقديم الشكر والتقدير إلى العدو الإيراني، كي لا يقال إنكم أيضا تخرقون محرمات الأمن القومي العربي. فالعدو الإيراني يحتل أراضي عربية كذلك ويقتلنا يوميا، ويمارس أرذل أنواع السلوك السياسي كي تصبح دولنا فاشلة ومجتمعاتنا منقسمة. وإذا كان النظام الرسمي العربي قد ظل طريق الحق وانزلق إلى مهاوي الخيانة والذل، فحري بالمقاومين أن لا يستوحشوا طريق الحق، ويتخلوا عن حواضنهم ويغمضوا أعينهم عن أهلهم الذين يُقتلون بأياد إيرانية. قد ترون العدوان الإيراني بعيدا ونراه قريبا، لأننا من يكابده ويعاني مظالمه. لقد سجلتم موقفا مشرفا حينما خرجتم من الساحة السورية، ووقفتم إلى جانب أهلنا هناك، وقلتم لن نطعن بالظهر من احتضننا. فعلامكم لم تتخذوا الموقف عينه مع أهلكم في العراق؟ في سوريا كان النظام يقتل شعبه بمساعدة إيران، وفي العراق النظام وإيران يقتلون شعبنا أيضا. أين الفرق إذن في الحالتين؟ فلماذا تنهال الاتصالات بين زعمائكم وزعماء الميليشيات العراقية؟
ومع ذلك تبقى حواضنكم الشعبية العربية تحترم خياراتكم وتحالفاتكم، لكن لا تستفزوها بهذا الثناء المنقطع النظير للعدو الإيراني. فانتصاراتكم هي انتصارات لشعبكم العربي من المحيط إلى الخليج، وتخلي النظام الرسمي العربي عنكم عار عليهم. لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، والتعامل معه وفق ما تقتضيه حاجة هذا الطرف أو ذاك، يفسح المجال للجدل العقيم بشأن الأولويات والأسبقيات، وما يجوز خرقه وما لا يجوز خرقه. وهذا هو الحاصل اليوم في السياسة التي تنتهجها الأمة ضد أعدائها.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية