يوم صارت أصوات الضحايا العراقيين حجارة
منذ 4 ساعات
خلال أسبوع واحد، أصدرت أربع منظمات دولية تقارير وبيانات عن استمرار النظام العراقي بقمع واستهداف المتظاهرين. واجه النظام التقارير الموثقة بطريقتين، الأولى هي الصمت والتجاهل والثانية اطلاق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وعودا جديدة الى أن زار مدينة الناصرية، جنوب العراق، يوم السبت الماضي.
لابد أن الكاظمي توقع أن يستقبل بالهوسات الشعبية، وربما اطلاق النار في الهواء، ترحيبا بزيارته الناصرية، جنوب العراق، خاصة وأن غرض الزيارة هو تدشين جسر. وهو حدث نادر، إذا ما تحقق فعلا، في زمن المشاريع «الفضائية» أي الافتراضية، والفساد المستدام. الا أن المحتجين من سكان المنطقة الذين عانوا الأمرين من عدم الاستماع لمطالبهم فيما يخص الخدمات الأساسية، والارهاب الحكومي المتمثل بالتهديد والاختطاف والقتل، حاصروا الكاظمي مطالبين بالكشف عن قتلة النشطاء السياسيين والمحتجين في الحراك الشعبي الموحد، الذي تجدد يوم 25 أيار/ مايو، تضامنا مع بغداد وبقية المدن، تحت شعار « من قتلني؟». هاتفين بأصوات 565 متظاهر قتل منذ انطلاق انتفاضة تشرين/ أكتوبر 2019، بالاضافة الى عشرات النشطاء الذين أغتيلوا « على يد مجهولين».
هرب الكاظمي، محاطا بحراسه الأمنيين، بعد أن بدأ عدد من المحتجين رشق موكبه بالحجارة وليس الرصاص الحي الذي تستخدمه «القوات الامنية» ضد المحتجين، بأمرة القائد العام للقوات المسلحة، أي الكاظمي، الذي كان على رأس قائمة وعوده، عند تسلمه السلطة، تشكيل لجنة للتحقيق بمحاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين والناشطين. كالمعتاد، دُفنت اللجنة تحت ركام المآسي اليومية التي يعيشها المواطن. ولم يتم تقديم أي متهم للقضاء حتى الآن. واضيف قتل المتظاهرين الى سلسلة الجرائم والانتهاكات التي تعاود المنظمات الحقوقية العراقية والدولية التذكير بتاريخ حدوثها والمطالبة بمعرفة نتائج التحقيق فيها.
فمنذ أيام أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا بمناسبة مرور خمس سنوات على ما حدث في الصقلاوية. استهلت المنظمة التقرير بصورة لصبي، في وثيقة نجد فيها المعلومات التالية « محل وتاريخ ولادة حامل الشهادة : الصقلاوية ـ الفلوجة. الدين : مسلم «. وعند مواصلة القراءة سنجد ان هذا الصبي هو واحد من 1300 رجل وصبي، اقتادتهم ميليشيا» الحشد الشعبي» المسلحة، وهي جزء من القوات المسلحة العراقية، تعمل بأمرة الكاظمي، قانونيا، صباح الثالث من يونيو/حزيران 2016 بعيدا عن عوائلهم في منطقة الصقلاوية في محافظة الأنبار. وعند غروب الشمس، صعد ما لا يقل عن 643 رجلاً وصبياً إلى حافلات وشاحنة كبيرة.
أثار الاختطاف ضجة كبيرة أجبرت رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي، على تشكيل لجنة للتحقيق في حالات الاختفاء والانتهاكات المرتكبة في سياق العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على الفلوجة. كان ذلك في 5 يونيو/حزيران 2016، ولم يتم الإعلان عن النتائج التي توصلت إليها اللجنة. ولم ترد السلطات العراقية على طلب منظمة العفو الدولية للحصول على معلومات في ذاك الوقت. ولم يسمع ذوو الـ 643 رجلا وصبيا أي خبر عنهم على الرغم من مرور خمس سنوات على اختطافهم وتشكيل اللجنة التحقيقية بأمر رئيس الوزراء.
- اقتباس :
إذا كان عام 2020 قد تميز بقتل واختطاف المتظاهرين، فان بقية الانتهاكات الصارخة لم تنته بل تجذرت أعمق فأعمق في ممارسات النظام، ومن بينها تفشي استخدام التعذيب
وتلاقي منظمة « هيومن رايتس ووتش» الدولية، التي توثق حالات الاختفاء القسري في جميع أنحاء العراق منذ عقود، جدار الصمت ذاته الذي تصطدم به منظمة العفو الدولية عند تعاطيها مع النظام فيما يخص حقوق الإنسان. ففي عام 2018، اصدرت تقريرا موثقاعن 78 رجلا وصبيا تم إخفاؤهم قسرا بين أبريل/نيسان 2014 وأكتوبر/تشرين الأول 2017. وفي يونيو/حزيران 2018، أرسلت المنظمة استفسارا يتضمن قائمة بأسماء عشرات الأشخاص المخفيين، بالإضافة إلى التواريخ والمواقع التقريبية التي شوهدوا فيها آخر مرة، إلى حيدر العكيلي، مستشار حقوق الإنسان في المجلس الاستشاري لرئيس الوزراء، لكنها لم تتلق قط أي رد رسمي.
وفي تقريرها الأخير المعنون « العراق احداث 2020» أشارت المنظمة الى ظاهرة اطلاق الوعود الصوتية من قبل مسؤولي النظام خاصة رئيس الوزراء، مستهلة التقرير بالقول «رغم تكرار الوعود بمعالجة بعض التحديات الحقوقية في العراق، لم تتمكن حكومة مصطفى الكاظمي، التي استلمت الحكم في مايو/أيار 2020، من إنهاء الانتهاكات بحق المتظاهرين، حيث تستمر الجماعات المسلحة بالإفلات من العقاب لممارسة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون بحق منظمي المظاهرات ومنتقدي النخبة السياسية في العلن». وإذا كان عام 2020 قد تميز بقتل واختطاف المتظاهرين، فان بقية الانتهاكات الصارخة لم تنته بل تجذرت أعمق فأعمق في ممارسات النظام، ومن بينها تفشي استخدام التعذيب والاعترافات القسرية في نظام العدالة الجنائية. ويواصل النظام تنفيذ الإعدامات القضائية رغم الانتهاكات الجسيمة للإجراءات القانونية الواجبة. اذ ينفذ العراق أحد أعلى معدلات الإعدام في العالم، إلى جانب الصين وإيران والسعودية. في أغسطس/آب 2019 أصدرت وزارة العدل بيانات أظهرت أن 8.022 محتجزا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام.
وغالبا ما لايعرف أهل المعتقلين الجهات المسؤولة عن الاعتقال التعسفي على الرغم من مطالبة المنظمات المحلية والدولية بالكشف عن الهياكل الأمنية والعسكرية التي لديها تفويض قانوني لاحتجاز الأشخاص، وفي أي منشآت.
وبينما طالبت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) الحكومة بتقديم معلومات عن التحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم المرتكبة ضد المتظاهرين والمنسوبة، غالبا، الى «مجهولين» أصدر مركز جنيف الدولي للعدالة تقريرا حول تلقيه فيديوهات توثق إنتهاكاتٍ بشعة لفصائل الحشد الشعبي، وتحديداً منها ميليشيا عصائب أهل الحقّ، يقوم أفرادها بعملياتٍ قتلٍ جماعية لعددٍ من المدنيين. ويؤكدّ المركز إنّ الإنتهاكات المصوّرة ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانيّة، مما يتوجب على مجلس حقوق الانسان، بالامم المتحدة، إرسال بعثة تحقيق دوليّة للتحقيق في هذه الجرائم والضغط على السلطات لحلّ الميليشيات وتقديم قادتها الى القضاء الجنائي الدولي. بالاضافة الى تعيين مقرّر خاص لحالة حقوق الإنسان في العراق، يكلّف بالكشف عن كل الانتهاكات المُرتكبة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 ولحد الآن.
هل ستغير هذه التقارير المعززة باسماء الضحايا وفيديوهات القتل البشع للمدنيين، من الوضع اللاإنساني الذي يغلفه النظام العراقي بالصمت؟ لهذه التقارير أهمية بالغة من ناحيتين. الاولى توثيقية ستساعد على تحقيق العدالة للضحايا وذويهم مستقبلا. والثانية توعوية لأيصال الصورة الى شعوب العالم، خاصة شعوب الدول التي نفذت غزو واحتلال البلد، ومهدت الارضية لنمو الفساد والارهاب، لحثها على التضامن مع الشعب الذي تم غزوه باسمها. أما التغيير، فان منبعه سيبقى هو الشعب العراقي نفسه بوحدته وايمانه بالعدالة والاستقلال والعيش الكريم للجميع.
كاتبة من العراق