ساحات محور المقاومة والخديعة الإيرانية الكبرى منذ 4 ساعات ساحات محور المقاومة والخديعة الإيرانية الكبرى : مثنى عبد الله

ساحات محور المقاومة والخديعة الإيرانية الكبرى

منذ 4 ساعات

مثنى عبد الله

0
حجم الخط

من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى لبنان، يُخيّم كابوس محور (المقاومة) على هذه البلدان، فيحيل أهلها قرابين فداء، قتلا وتغييبا وتعذيبا واعتقالات، من أجل أن يستمر المشروع القومي الإيراني على قيد الحياة وتفرض طهران سيطرتها على المنطقة.
وفي الوقت الذي تتقدم فيه جحافل فيلق القدس الإيراني، تفتك بالنسيج الاجتماعي وتُقسّم الناس إلى معكسر يزيد ومعسكر الحسين، تبقى القدس وفلسطين مجرد فرصة استثمار كبرى في أجندة زعماء هذا الفيلق، وفي ذهن صانع القرار الإيراني. فالأفضلية لديهم هي لإنجاز معارك يعتبرونها تاريخية تتقدم على قضية القدس ألف مرة. ففي العاصمة العراقية ومنذ أسبوع تقريبا توجد معركة كبرى، يكر ويفر فيها غوغاء الفيلق الإيراني على تمثال الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور مؤسس بغداد، بغية تفجيره وإسقاطه من المنصة، لأنه متهم بظلم الإمام الصادق أحد الأئمة الاثني عشر قبل 1400 عام، ثم تطور الأمر إلى الدعوة لهدم مرقد الامام أبا حنيفة النعمان أحد أئمة المذاهب الإسلامية بالتهمة نفسها، ما اضطر الأجهزة الأمنية للإحاطة بالمكانين بهدف الحيلولة دون انفجار الوضع الأمني والذهاب إلى حرب طائفية بين المعارضة والموالاة لهذه الشخصيات التاريخية.
هذه المعارك هي استمرار لمعارك حدثت وستحدث لاحقا، فقبلها ببضع سنين كانت هنالك معركة قضائية كبرى أيضا للقصاص من الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك، الذي قيل إنه ظلم الإمام زيد بن علي قبل أكثر من 1300 عام. وقد أصدرت المحكمة العراقية المُشكّلة لهذا الغرض حكما بإعدام الخليفة المتوفى في العام 743 ميلادية.
أما في العاصمة السورية دمشق فينشط الفيلق الإيراني نفسه في معارك من نوع آخر يبث فيها سموما أخرى بين الناس، فيؤسس المدارس الخاصة والجامعات ومراكز الدراسات والبحوث والحوزات على أراض يشتريها، وكلها تعمل كورش فكرية، تبحث في بطون التاريخ المزور عمن قتل هذا وظلم ذاك، ومن هي الفئة الباغية، ومن هي الفئة الناجية. ويتركز عملها على بلورة آليات ووسائل آليات للتأثير النفسي، لتحريض السكان على التشكيك في تاريخ بلادهم، والسخرية من مثلهم العليا، والشخصيات التاريخية التي يقتدون بها. كما يجري التركيز على الاهتمام بالجغرافية الطائفية والإثنية. كل ذلك في سبيل كسب شرائح معينة من المجتمع، وتوظيفهم في خدمة الأجندة الإيرانية الطائفية، في حين لا يرد الفيلق على القصف الإسرائيلي المستمر على مواقعه في سوريا، الذي أدى إلى مقتل العديد من عناصره، بينهم جنرالات ودمّر العديد من معداته ومواقعه العسكرية.
ويكاد ينطبق المشهد المرسوم في العراق وسوريا على المشهد في لبنان واليمن. فالهدف واحد وهو الهيمنة الإيرانية، والتأثير والسعي لأخذ الشرعية لهذا الدور من المتضررين من فعلها، وكذلك من القادرين على توزيع الأدوار للقوى الإقليمية الكبرى. ويبقى همها الأكبر أن تكون كل دول المنطقة مجرد شبه دول، وأن تكون ميليشياتها هي المسيطرة. كما هو حال لبنان وميليشيا حزب الله، والعراق وميليشيا الحشد الشعبي، واليمن وميليشيا الحوثيين، وسوريا والميليشيات السائبة فيها. وكل هذه الأذرع عملها الأول والأخير هو تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان، وكذلك التأثير في السياسة الإقليمية، والحرص على إبقاء الدول شبه دول والحكومات لا تحكم، لأن استراتيجيتها في الصعود للعب دور إقليمي كبير يجب أن يكون في المناطق الضعيفة. ولأن إيران غير قادرة على قيادة ودخول حروب كبيرة من نوع الحرب التي خاضتها مع العراق، والتي تجرع فيها صانع القرار الإيراني السُم، وأُجبر على الاستسلام، لذلك باتت الخديعة الإيرانية هي السعي للتأثير في المحيط عبر الذيول، الذين يعملون من ضمن شبه دول غير كاملة الأهلية، ويجب أن تكون هذه الكيانات البعيدة عن تسمية دول حقيقية، غير قوية وغير قادرة على استيعاب الذيول الإيرانية، لكن شرط أن لا تكون ضعيفة إلى درجة لا تعطي شرعية سيادية لهذه الأذرع.

اقتباس :

بقاء النظام الرسمي العربي من دون مشروع حقيقي سيقود طهران إلى الاستثمار في كل القضايا العربية

تقول الكاتبة تريتا بارسي في كتابها «التحالف المخادع» إن إيران حاولت ضرب المفاعل النووي العراقي في عام 1980 بطائرات أف 4، وعندما علمت أن إسرائيل لديها اهتمام بفعل ذلك، مررت المعلومات التي لديها إلى تل أبيب في اجتماع استخباراتي سري، كما سمحت في حالة الطوارئ أن تحط الطائرات الإسرائيلية على أراضيها. ما يعني أن أهداف واهتمامات وخطط صانعي القرار في طهران وتل أبيب واحدة. فعندما تقول إسرائيل إن حدودها من الفرات إلى النيل، تقابلها طهران بالسعي الجاد كي تكون لها الهيمنة الكاملة على المنطقة الممتدة من الهلال الخصيب، حيث العراق ولبنان وفلسطين إضافة إلى سوريا، ومن شواطئها على الخليج العربي حتى قلب الجزيرة العربية. ولأن الهيمنة الإيرانية غير ممكنة في ظل تواجد قوى إقليمية كبرى في المنطقة، فإن سياسة طهران تتجه إلى إسقاط دول الهلال الخصيب في وحل أذرعها، واستخدامها كمنصة للهيمنة والانطلاق في مشروع دور إقليمي. فحلم صانع القرار الإيراني اليوم هو العودة إلى ما قبل «معركة شلدران» في عام 1514. تلك المعركة التي غيرت الخريطة السياسية للهلال الخصيب، وانتزعت منها السيطرة عليها. وما نراه اليوم من تحركات للميليشيات الإيرانية عبر الحدود اللبنانية السورية، والسورية العراقية، والسعي الحثيث لتشكيل طريق الحرير الإيراني من طهران فبغداد مرورا بدمشق ثم بيروت، إلا محاولات للعودة إلى ما قبل شلدران. فهل يستقيم تحرير القدس بتدمير بغداد ودمشق وبيروت؟
إن أهداف العدو الإيراني هي نفسها منذ زمن الشاه المغطى بغطاء القومية الفارسية، واليوم هي الأهداف نفسها لدى العهد الحالي المغطى بعباءة الدين. وهذا يعطي تصورا واضحا بأن أيديولوجية النظامين كانت وما زالت واحدة، تُغلف بها إيران مصالحها القومية، ما يعني ثبات الأهداف القومية والأطماع الخارجية. واليوم تحرص طهران على تثبيت تواجدها في المحيط كي تكون مفيدة لها، كخطوة لتأسيس ما تسمى «دولة الإمام المنتظر الكونية» وفق عقيدة النظام القائم، والذي يعتبر إيران ليست مجرد دولة قومية مثل سائر الدول الاخرى.
إن بقاء النظام الرسمي العربي من دون مشروع حقيقي سيقود طهران إلى الاستثمار في كل القضايا العربية واستخدامها كأوراق ضغط لتحقيق مصالحها مع الدول الكبرى، وسيشكل هذا المسار خرقا كارثيا ليس في منظومة الأمن القومي العربي فحسب، بل في منظومات الأمن الوطني لكل دولة عربية. وسنجد الفئات المضطهدة والمظلومة من شعبنا العربي، تتساقط في وحل الخديعة الإيرانية بدافع اليأس، من دون إدراك واع منها بأن ما تحصل عليه من الارتماء في الحضن الإيراني سيصادر إرادتها، لأن طهران ستتولى بنفسها إدارة تلك الملفات وتجييرها لصالحها ضد مصالح الأمة. كما ستصبح ساحات الوطن العربي مسارح اختبار للسلاح، وساحات نزال بين طهران والقوى التي تصارعها.
*كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية