كيف أصبح العراق جزءا من طريق البلقان؟
منذ ساعتين
بشكل شبه يومي تعلن الجهات الأمنية بالعراق عن القاء القبض على مهربي ومتعاطي المخدرات، خاصة، في بغداد والبصرة جنوبا وديالى على الحدود العراقية الايرانية. ففي يوم 20 حزيران/ يونيو ألقت قيادة عمليات بغداد القبض على ستة متهمين بتعاطي المواد المخدرة وضبطت بحوزتهم مادة الكرستال. وهو الاسم الشائع للميثامفيتامين، المنشط القوي والمسبب للإدمان بسرعة. وفي يوم 19 حزيران تمكنت مفارز وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية من إلقاء القبض على مهربين للمخدرات بحوزتهما 10 كيلوغرامات من مادة الحشيشة في البصرة. كما أعلنت وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية، القبض على تاجر وناقل للمواد المخدرة من إحدى دول الجوار في البصرة. نستخلص من إعلانات القوات الأمنية أن هناك مشكلة متفاقمة يقومون برصدها ومحاولة القضاء عليها، وأن المهربين والمتعاطين تتم معاملتهم بشكل متساو وأن لدول الجوار دورا في انتشار هذه الآفة التي يتم التعامل معها كمشكلة « أمنية».
تثير كيفية التعامل العديد من التساؤلات التي لم يتم الالتفات اليها على الرغم من كثرة التقارير والتغطية الصحافية المحلية والدولية، تساؤلات عن الجهات المستفيدة من زرع وانتشار هذه الآفة بالاضافة الى أسباب سرعة انتشارها في بلد كان نظيفا تماما حتى غزوه عام 2003. وإذا كان العراق معبرا لتمرير المخدرات، في السنوات الأولى من الاحتلال، جراء غياب القانون وتفكيك الدولة، فكيف تطور ليصبح، بالاضافة الى ذلك، الى مستهلك ومصّنع للمخدرات الكيمياوية؟
تشير البيانات في التقرير العلمي « تعاطي المخدرات والكحول في العراق: نتائج مجموعة العمل لدراسة المجتمع العراقي» الصادر 2014، إلى أن المواد الأكثر استخدامًا هي الكحول والحشيش والعقاقير الموصوفة. وتشمل المخدرات الجديدة من نوع الأمفيتامين «كبتاغون» والكريستال ميثامفيتامين، ومسكن الآلام ترامادول مع زيادة استخدام الأفيون الأفغاني والترياك (شكل خام من الأفيون) والهيروين. مما يدل على زيادة حجم الكارثة بمرور الوقت على الرغم من اعلانات القوات ألامنية عن عملياتها الناجحة. فأين مكمن الخلل اذن؟
هناك أسباب عديدة لانتشار استهلاك وتجارة المخدرات من بينها أن مناطق النزاع والحروب مفتوحة أكثر من غيرها لتجارة توازي في مردودها الاقتصادي صناعة السلاح. واستشراء الفساد بين المسؤولين هو عمودها الفقري. الملاحظ اهمال هذا الجانب عند التطرق الى الفساد المنهجي المؤسساتي بالعراق، حيث يتم التركيز على الفساد الاقتصادي الشاسع في مجال النفط، واذا ما أشير الى المخدرات فمن باب كونها مشكلة « مستوردة» بدون ذكر المسؤولين عن استيرادها وكيفية محافظتهم على ديمومتها كأداة للسيطرة على الشعب والتحكم بمستقبل البلد. وقلما ينظر اليها من زاوية دور الاقتصاد غير المشروع في تأجيج الصراعات الطائفية والقومية وتعزيزها، داخل البلد، كما يُهمل النظر الى تجارب شعوب أخرى أثبتت الاقتصادات غير المشروعة فيها والجماعات التي تمكّنها أنها متماسكة للغاية، وقادرة على التكيف، وعرضة لتوسيع نشاطاتها.
- اقتباس :
استمرار الصراع بين الأحزاب المتنازعة على السلطة وسياسة قمع الأصوات المعارضة، كما نرى في العراق، يعني استمرار الربح من المخدرات وتوفير الحجج لعسكرة قوات الشرطة المحلية
صحيح أن ارتفاع معدلات البطالة وحالة اليأس وانخفاض الفرص، والنزوح وعدم الاستقرار، وما عاشه البلد من حروب واحتلال واستمرار النزاع المسلح والارهاب، يجعل السكان، الشباب والفئات المهمشة خاصة، أكثر تقبلا لتعاطي المخدرات وكذلك لتهريبها والاتجار بها وتصنيعها من أجل كسب المال، إلا أن الترويج الحقيقي وتجذير المشكلة، غالبا ما يتم إما بمساهمة المسؤولين الحكوميين الفعلية أو التغاضي عنها لأسباب يرون فيها تقوية لنفوذهم.
في دراسته المعنونة «في صنع الحرب: مناطق الصراع وانعكاساتها على سياسة المخدرات،» يتناول الباحث تيوزداي ريتانو ما يسميه « نموذج الحكم العنيف» خلال فترة النزاع والصراع المسلح « اذ يتم تحقيق النفوذ السياسي من خلال الوصول إلى الموارد ذات القيمة أو يمكن تحقيق الدخل منها؛ حيث تشتري الموارد دعم المجتمعات المحلية من خلال توفير سبل العيش والوصول إلى النفوذ السياسي الحالي (من خلال الفساد) ؛ وحيث تشتري الموارد أيضا امكانية الحصول على الأسلحة والجنود المشاة (الميليشيات أو الجيوش أو الأمن المدفوع أو «الجيوش»)، والتي يمكن استخدامها بدورها للضغط على المعارضة أو مهاجمتها، وتقويض احتكار العنف، وتأمين السيطرة على الأراضي والأصول، أو ابتزاز الدعم من السكان المحليين».
ولا تقتصر الاستفادة من تجارة المخدرات على الجهات الحكومية بل تتعداها الى الميليشيات بأنواعها المتكاثرة والمنظمات الإرهابية، ويُقدر المركز النرويجي للتحليل العالمي أن عائدات الاتجار بالمخدرات تمثل 28 في المائة من دخلها في مناطق الصراع. معظم هذه الإيرادات لا تأتي من إنتاج أو توزيع المخدرات، أو من وسائل مباشرة أخرى للمشاركة في تجارة المخدرات، ولكن من فرض الضرائب على المخدرات التي تمر عبر الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات. هنا تبرز أهمية العراق كمعبر أضيف الى ما يسمى بطريق البلقان المشهورمع وجود حدود طويلة ومفتوحة مع إيران بالاضافة الى تركيا وسوريا من جهة ودول الخليج من جهة ثانية. وحسب مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة يتم تهريب الهيروين ومصدره أفغانستان الى إيران إما مباشرة أو عبر باكستان ومن ثم الى العراق، عبر البصرة وأربيل، ومنه الى تركيا والأردن.
يساعد انضمام العراق الى طريق البلقان إيران، بشكل خاص، لكسر طوق الحصار الاقتصادي المفروض عليها أمريكيا، كما يوفر مردودا ماليا كبيرا للميليشيات والقوات الأمنية التي تدير المعابر الحدودية، آخذين بنظر الاعتبار ان مردود تجارة المخدرات تزيد على المليار دولار سنويا، وان أفراد الميليشيات، أنفسهم، وخمسين بالمائة من القوات الأمنية ( صحيفة نيويورك تايمز – 25 أكتوبر 2010) يدمنون شرب الكحول والمخدرات كالترياك والكريستال وحبوب الكبتاغون، لأنها تمنحهم الشجاعة والاندفاع وتجاوز الكوابح الأخلاقية. ولعل هذا يفسر نوعية الجرائم الوحشية المرتكبة بلا مبرر احيانا. وكانت الحكومة النازية قد وفرت لجنودها حبوبا تماثل الكريستال، وفقًا لنورمان أوهلر، مؤلف « المخدرات في المانيا النازية» التي ساعدت « الجندي أن يصبح روبوتًا مقاتلًا «. ومعروف ان استخدام المخدرات منتشر بين القوات الأمريكية في كل حروبها، خصوصا منذ حرب الفيتنام، كما يستخدمها المرتزقة او المتعاقدون الأمنيون كما حدث في العراق وأفغانستان.
إن الصراع الممول من المخدرات ليس جديدا فالمخدرات سلع ذات قيمة عالية ومربحة للغاية وقابلة للنقل بطرق سهلة نسبيا في بلد حدوده مفتوحة أو مدارة من قبل جهات مستفيدة من التجارة. واستمرار الصراع بين الأحزاب المتنازعة على السلطة وسياسة قمع الأصوات المعارضة، كما نرى في العراق، يعني استمرار الربح من المخدرات وتوفير الحجج لعسكرة قوات الشرطة المحلية. ولن تتمكن الحكومة الحالية، مهما نشرت من بيانات حول إلقاء القبض على المدمنين والتجار، من وضع حد للمشكلة لأنها سبب المشكلة.
كاتبة من العراق