لي ذراع بين الكاظمي والميليشيات: منع استعراض للحشد الشعبي في بغداد
العرب/بغداد - تحاول قوات الحشد الشعبي منذ أسبوعين تنظيم استعراض عسكري رسمي في العاصمة بغداد في الذكرى السنوية لتأسيسها، من دون جدوى، وسط استحكام الخلافات بين قائدها الذي يحمل كنية “أبوفدك” ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن الكاظمي القائد الأعلى للقوات المسلحة وفقا للدستور العراقي وجه بمنع قوات الحشد الشعبي من تنظيم استعراض عسكري في بغداد أعد له عشرون ألفا من عناصر الحشد مع أسلحة متوسطة ودبابات، في الذكرى السنوية لتأسيس هذه القوة صيف العام 2014.
ورفض الكاظمي السماح بتنظيم الاستعراض في ذكرى تأسيس الحشد الشعبي يوم الثالث عشر من يونيو الجاري، فيما أعلنت مصادر في الحشد أن الاستعراض أجّل إلى نهاية الشهر الجاري من أجل مشاركة أوسع.
ويعتقد الكاظمي أن ظهور سلاح الحشد مجددا في بغداد، تحت أي ذريعة، سيمثل إمعانا إيرانيا في تحدي الدولة، لكن الضغوط السياسية هائلة على رئيس الوزراء العراقي، وفقا لمصادر مطلعة.
وأكدت المصادر أن إيران تضغط عبر ساسة وعسكريين على الكاظمي لسحب اعتراضاته على تنظيم الحشد الشعبي استعراضا عسكريا جديدا في بغداد، مؤكدة توتر العلاقات بشكل غير مسبوق بين الكاظمي وقائد قوات الحشد الشعبي “أبوفدك”.
وأضافت المصادر أن قادة الميليشيات الشيعية التابعة لإيران حددوا موعدا أوليا لتنظيم استعراض الحشد العسكري في بغداد، وهو يوم السبت السادس والعشرين من الشهر الجاري، لكنهم لم يحصلوا على موافقة الحكومة حتى الآن.
وأعلن حشد المرجعية المقرب من المرجع الشيعي علي السيستاني عدم مشاركته في الاستعراض العسكري لقوات الحشد الشعبي نهاية الشهر الحالي.
وعزا عدم المشاركة لنفس الأسباب التي دفعته إلى الانشقاق عن الحشد، وتتعلق باستقلالية الحشد والتزامه بالقوانين العراقية وقرارات القائد العام للقوات المسلحة.
وتُبرز هذه المواجهة بين الحشد الشعبي وحكومة الكاظمي حجم التحديات التي تواجه العراق وهو يحاول تنظيم انتخابات عامة مبكرة في أكتوبر القادم، يفترض أن تعيد توزيع الأدوار لمدة أربعة أعوام قادمة.
ويقول مراقبون إن الحشد الشعبي يصرّ على تنظيم استعراض عسكري بدلالات سياسية بهدف حشد الدعم لقائمة الفتح التي ستنافس خلال الانتخابات القادمة.
وجددت إيران الثقة في هادي العامري زعيم منظمة بدر لقيادة قائمة الفتح التي تجمع الميليشيات الشيعية للمنافسة ضمن الانتخابات العامة المقررة في العاشر من أكتوبر القادم.
Thumbnail
وقال المحلل السياسي العراقي صالح الحمداني في تصريح لـ”العرب” إن الحشد الشعبي وقادته يشكلون مركز قوى لا يمكن الاستهانة به، وهم يتبعون إداريا للقائد العام للقوات المسلحة لكنهم على ما يبدو ليسوا “مقتنعين” به كقائد لهم. وهذا ما تؤكده عملية اعتقال القيادي في الحشد قاسم مصلح ثم إطلاق سراحه.
وطالب الحمداني الكاظمي بأن يتحاور مع قادة الحشد ليصل إلى تفاهمات تفضي إلى استجابتهم لأوامره عبر وساطة إيرانية، وإلا فسيبقى الحشد الشعبي كيانا مستقلا وستكون علاقته بالقيادة العامة للقوات المسلحة أشبه بعلاقة فيدرالية.
واستبعد السياسي العراقي المستقل جبار المشهداني أن يربح الكاظمي جولة جديدة في صراعه مع الفصائل المسلحة، خاصة بعد الدافع المعنوي الذي حصلت عليه إثر انتخاب الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي.
وقال المشهداني في تصريح لـ”العرب” إن الكاظمي خسر رهانين سابقين؛ الأول الذي عرف بخلية الدورة حين أُلقي القبض على مجموعة من عناصر الحشد، وبعد تدخل سريع وعنيف من عناصر الحشد الذين اقتحموا بوابات المنطقة الخضراء اضطر إلى إطلاق سراحهم، والثاني قضية قاسم مصلح التي انتهت أيضا بإطلاق سراحه.
وعندما اجتاح تنظيم داعش أجزاء واسعة من البلاد في العام 2014 طلب رجل الدين الشيعي واسع التأثير علي السيستاني من الشبان العراقيين حمل السلاح للدفاع عن مدن البلاد، ما قاد إلى تشكيل قوة تضم الآلاف من المتطوعين.
لكن نوري المالكي رئيس الوزراء في تلك الحقبة وبمساعدة ميليشيات شيعية تابعة لإيران استغل انفلات الأوضاع لتأسيس قوات جديدة تنافس الجيش العراقي على غرار الحرس الثوري الذي ينافس الجيش بل ويقوده ويتحكم به في إيران.
وبقي ملف الحشد الشعبي نقطة جدلية بين رجل الدين السيستاني والمالكي، إذ يشعر الأول أنه جرى استغلال شعبيته الواسعة سياسيا.
وبعد الانتهاكات التي قامت بها ميليشيات طائفية من الحشد بحق مدنيين عزّل والاستحواذ على صفقات فساد في وزارات الدولة وتحدي سلطة الدولة ارتفعت أصوات قوى سياسية ومدنية مطالبة السيستاني بإصدار فتوى حل الحشد بعد انتفاء الحاجة إليه مع استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش، وردت المرجعية بقولها إنها “لم تفت بتأسيس الحشد كي تصدر فتوى حلّه”.
كما أن ملف الحشد هو إشكالي بالنسبة إلى الدولة العراقية أيضا لأن هذه القوة العسكرية هي شكلا خاضعة للقائد العام للقوات المسلحة، وتتلقى التمويل والتدريب اللازمين من الحكومة العراقية، لكنها في الحقيقة تتلقى أوامرها من إيران بشكل علني.
وعندما اعتقلت قوة أمنية عراقية القيادي البارز في الحشد الشعبي قاسم مصلح بتهم قتل نشطاء وقصف معسكرات الجيش العراقي بالصواريخ، في السادس والعشرين من مايو الماضي، حاصر الآلاف من عناصر الحشد الشعبي مقرات الحكومة العراقية في المنطقة الخضراء وسط بغداد مطالبين بإطلاق سراحه.
وشكّل هذا الحصار استعراضا عسكريا علنيا لسلاح قوة -يفترض أنها تخضع للدولة- ضد الحكومة ومؤسساتها الرسمية، ما دفع الكثيرين إلى وصفه بالانقلاب الإيراني على العملية السياسية في البلاد.
ومثّل هذا الاستعراض، الذي ظهرت فيه أسلحة ثقيلة ومتوسطة وناقلات للجند، تحديا كبيرا للحكومة العراقية التي وجدت نفسها في موقف حرج، إذ عليها أن تختار بين مواجهة دموية وحل هادئ واضطرت إلى الجنوح للخيار الثاني.