من مآسي الرغبات
د. اسعد الامارة
من مآسي الرغبات
[size=32]يقول "سقراط" أشجع إنسان هو من ينتصر على رغباته.. وليس على أعدائه. والرغبة هي إحساس الفرد بأن شيئًا ما سوف يشبع حاجته أو يسبب له الرضا والأرتياح، مثل رغبة الجائع في تناول الطعام كما ذكرها "فرج طه" في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي ، وقول "حسين عبد القادر" أيضا في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي ان الرغبة تشير إلى ذلك الدافع الشعوري أو اللاشعوري لبلوغ هدف ما وليس من الضروري أن تكون الرغبة مصحوبة بنزوع لتحقيق هذا الهدف. وقوله أيضا أن الرغبة غالبًا تشير في التحليل النفسي إلى أحد قطبي الصراع الدينامي بين الرغبة اللاشعورية التي تنزع للتحقق ونقيضها "نواهي الأنا الاعلى"، واعاد "جاك لاكان" في طروحاته التحليلية النفسية من خلال فكرة الرغبة، حيث أنه أعاد أكتشاف فرويد لذا فهو يفرق بين ثلاثة مصطلحات الحاجة Need ، والطلب Demand ، والرغبة.[/size]
لقد طغى على الناس موضوع الرغبة وفي الاحرى الرغبات بكل انواعها وما أكثرها وبعضنا يحاول المرور عليها مرور سطحي دون التعمق بما تفعله هذه الفكرة النفسية بأحوال الإنسان في مسارب الحياة وطرقها، ولكن عند البعض تأخذ مأخذ هلوسي وبالاخص الرغبات الجنسية غير المكبوتة مثل الرغبة في الخلاص من واقعه الحالي بمعنى أدق الرغبة في التحول نحو الجنس الآخر وما يعيشه هذا الإنسان من صراع طاحن لا يمكن وصفه للإنسان العادي ممن لا يعيشه، انه صراع غير محسوم ، أو الباحث عن إشباع رغبته الجنسية حتى تصل لحد القتل من أجل الحصول على هذا الاشباع ولو مع طفلة قاصر، وعند حديثنا عن هذه المسلمة النفسية علينا أن نستنير بما طرحه "سيجموند فرويد" مؤسس التحليل النفسي عندما عرف الإنسان بلغة رغبته.. من هنا يمكننا أن نصول ونجول في ما تفعله بنا جميعًا دون استثناء رغباتنا.
أن الرغبات كثيرة ومتعددة في حياتنا اليومية وعلى مدى حياتنا باسرها، فالرغبات تتنوع في : الرغبة في الحياة، الرغبة في الموت " الانتحار"، الرغبة في الإمتلاك، الرغبة في السلطة والجاه والمكانة الإجتماعية ، الرغبة في المعرفة والعلم، الرغبة الجنسية بشقيها المعتدلة والعارمة" الشبق" ، الرغبة في الامومة، الرغبة في أن يكون" البحث في التعويض عن عقدة النقص"، وما نريد قوله هو أن جميع الرغبات يكمن خلفها دافع، هذا الدافع يحرك سلوك الإنسان نحو إشباع هذا الدافع، ولكي يتحقق الإشباع يحدث الصراع.
يرى "جاك لاكان" فيلسوف التحليل النفسي الفرنسي حيثما توجد الرغبة يوجد اللاشعور، واللاشعور لغة تفلت من سلطة الذات، بنيتها الخاصة والمستقلة وآثارها في الذات، إن اللاشعور لغة توجد وراء الشعور، وهنا بالضبط تتموضع وظيفة الرغبة. ويضيف "لاكان" الرغبة استمتاع الجسد الموشوم بالتوترات والضغوط الجنسية الدفينة والمنسية.
إذا الرغبة تتموضع في المواقف المتنوعة في الحياة، كما في الرغبات الجنسية بشتى أنواعها أي الجنسية الطبيعية واختلاف الرغبات بالأفعال التي يمارسها صاحبها أو صاحبتها، وتنوعها وكل ما تحمل من محرمات في الواقع المعاش وفي العلن، ولكن متحققة في ممارستها كفعل متحقق، وهنا تفلت الرغبة من زمام العقل المتزن إلى أبعد نقطة في اللامعقول، يتحول من يمارسها من كلا الجنسين إلى اللاعقل وأشد أنواع الشبقية، هنا يكون تأكيد "لاكان" قوله حيث توجد الرغبة يوجد اللاشعور، لا سيما أنه مخزن الافكار والافعال واللامنطق حيث يكون الاستدعاء لكل الرغبات في لحظة تحقيق الرغبة الجنسية، وينطبق الأمر كما هو الحال لدى المثلي السلبي، والمثلي الإيجابي بشقيه المختلفين عند النساء وعند الرجال، لا شيء أسمه العقل، أو المنطق، أنه الاشباع ثم الاشباع ثم الاشباع، فاللذة التي يحصل عليها الباحث عنها من الخلف "المثلي السلبي" لا توصف حينما يحققها، حتى وإن فقد كل وجوده وتقديره لنفسه، أو احترامه لذاته ، وكذلك من يبحث عن اللذة مع الاطفال Paedophilia فهو يحقق أعلى درجة من اللذة كما يعتقد ، ولا يجد بديلا في الحصول على اللذة مع الآخر الطبيعي، أو نجد من يحقق لذته مع فتاة صغيرة قاصر، وتكون عادة التفسيرات النفسية هو الكبت الجنسي العميق. وكذلك حالات اللواط بين الرجال، أو السحاق بين الاناث، أو السادية في ممارسة الجنس، هي الاخرى رغبة لم يستطع صاحبها أن يوقفها لأنها ترسخت في أعمق منطقة في النفس الإنسانية، وكذلك الحال لدى من يتقبل الفعل المازوخي أثناء الممارسة الجنسية والحصول على اللذة قدر المستطاع، ولو تأملنا في اللذة التي يحصل عليها الفرد من السادومازوخية وهي كما يقول "علي كمال" هي اللذة الجنسية الحاصلة من اذلال الغير، او الاذلال منهم، ولم ولن يستطيع الحصول عليها أبدًا أبدًا، وقول "جاك لاكان" فيلسوف التحليل النفسي الفرنسي الرغبة Desire تلك التي لا تشبع أبدًا. وهو عنوان هذه الصفحات وعنوان مآسيها، ولو توغلنا أكثر في مآسي الرغبات الاخرى ومنها الرغبة في السلطة والاحتفاظ بكرسي الحكم مدى الحياة، ومن مأسيه الدكتاتورية وحكم الحزب الواحد ، والحديث طويل عن رغبات الساسة في السلطة أو الحكم أو الادارة أو المنصب، أنه الاضطراب العصابي في النفس الذي يدركه صاحبه وإنما يعرف تماما أنه يعاني منه مصحوبًا بنرجسية عالية لذلك يحق لنا القول أن السياسي في مسعاه لتحقيق رغباته والوصول إليها لا تختلف عن هلوسة المجنون. الرغبة في الامتلاك عند النساء: تسبب الرغبة المقموعة لدى النساء والرجال على حد السواء العدوانية ويقول"بيير داكو" العدوانية استعداد للهجوم لدى الراشد، وإذا ما تمحورت عند المرأة في صور مختلفة فإنها تجد ضالتها في الرغبات ومنها الرغبة في السيطرة لغرض الامتلاك، والرغبة في فرض الوجود المادي على الزوج أو الحبيب أو الأهل، أو المقربين في العمل، واذا ما تسلمت منصب فتظهر الجانب السيكوباثي من شخصيتها، المرأة السيكوباثية وما أدراك منها حينما تعلن عن رغباتها فتفتك بالآخر كائن من يكون وأوله زوجها، ومن يحيطون بها من اقاربها، انها فك مفترس كشر عن انيابه، ولنا في ذلك تجربة مقربة لنا، تطلق زوجها، تطلق ابنها من زوجته، تطلق بنتها من زوجها، تطلق اشقائها، تطلق أخواتها، لا يسلم منها فقط من يقاطعها مقاطعة تامة وإلا سترمي الجميع بكل النيران وبمختلف المتاح من الاساليب، كل ذلك لإرضاء الرغبات العدوانية، كفى الله الجميع الشخصية السيكوباثية المرأة والرجل وحفظكم. ويمكننا القول أن الدونية عند الانثى تدفعها لاتخاذ السلوك العدواني طريقا للتعامل واذا ما صاحبه البحث في تحقيق الرغبات والمجنونة منها فإنها ستكون اعظم واقوى يصاحبها الأنانية بكل اشكالها القوية والظريفة للوصول إلى تحقيق الرغبات لا سيما ان الرجل هو المنافس الشرس لها في مخيلتها منذ بدء الخليقة فيكون الاحتجاج والتعويض والتنافس فضلا عن الاحساس بالعجز والانقياد. ونستطيع أن نختم هذه الصفحات بقول مهم وأساس في حياتنا نحن البشر وفي حياتنا اليومية وأسلوب تعاملنا مع بعضنا نستعيره من "موراي وكلاكهون" هو إن سلوك الشخصيات البشرية، يقع على مستوى مختلف عن مستوى الظاهرة الفسيولوجية، وهو لذلك ينبغي أن يدرس، ولنا في الرغبات أنموذجا في كل مجالات الحياة.