أى نظام سيحمى العدالة الاجتماعية
علي محمد فخرو
أى نظام سيحمى العدالة الاجتماعية
لقد طرحت الحراكات الجماهيرية العربية خلال العشر سنوات الماضية شعار العدالة الاجتماعية. وأية مراجعة للفكر السياسى عبر العالم كله ستظهر أنه مبثوث فى أغلبها. وهو أحد أهداف المشروع النهضوى العربى.
وإذن سيبدو لنا نحن العرب أن الأمر واضح ومحدد ومتفق عليه. لكن الأمر ليس كذلك، فمراجعة أدبياته ستظهر الكثير من الاختلافات حول مضمونه ومكوناته، حول أى نظام اقتصادى وسياسى ينجح وأى نظام يفشل فى تطبيقه، حول الكثير من تفاصيل تطبيقاته، بل وحتى حول مسيرته التاريخية. وفى الآونة الأخيرة كثر الجدل حول الجهة التى ستكون مسئولة عن تنفيذه فى الواقع المجتمعى: سلطات الحكم، أم سلطات الاقتصاد والمال الخاصة، أم سلطات البر والإحسان الأهلية.
بصورة عامة متفق على أنه نظرية سياسية فلسفية تركز على أهمية القسط والعدالة فى علاقات أفراد المجتمع، وعلى المساواة فى توزيع ثروات المجتمع، وعلى تكافؤ الفرص الحياتية أمام الجميع، وعلى عدم التمييز فى توفر المميزات الاجتماعية للجميع من مثل التعليم والصحة والسكن والحق فى العمل والأجور المعقولة. وتطرح الآن فى بعض بلاد الغرب الغنى ضرورة عدم وجود أية بطالة وعلى حق كل فرد فى حصوله على راتب شهرى طيلة حياته وتحت كل ظروفها المعيشية.
وعلى المستوى السياسى الحقوقى يعتبر تمتع الأفراد بكل حقوقهم الإنسانية، المنصوص عليها فى قانون حقوق الإنسان العالمى، ودون أى تفرقة أو أى انحياز بسبب الجنس والعرق والانتماءات الدينية والاجتماعية.. يعتبر جزءا مفصليا من شعار العدالة الاجتماعية. ويضاف إلى ذلك حق المشاركة فى نظام التصويت العام واتخاذ القرارات المجتمعية دون أية عوائق أو حجج.
نحن أمام مساحة تكبر وتتغير بصورة سريعة كإدخال قضايا البيئة والعنف الأمنى البوليسى ومعاملة وحقوق اللاجئين/ات فى صلب هذا الموضوع.
إذا كان الأمر كذلك فإن السؤال المنطقى الذى يطرح نفسه هو: أى نظام سياسى واقتصادى هو الأقرب لتوفير كل تلك الخدمات الاجتماعية بصورة أقرب إلى العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، وأى نظام هو الأبعد وممارس التلاعب بتلك الخدمات والمناداة بها مظهريا وبأشكال لا تعد من المراوغة والكذب؟ ذلك أن كل تلك المكونات للعدالة الاجتماعية تحتاج إلى سلطات حكم وإدارة، وإلى مصادر مالية لا تتوفر إلا فى نظام اقتصادى معقول وغير استغلالى.
أما النظام السياسى المطلوب فهناك شبه إجماع بضرورة أن يكون ديمقراطيا تمثيليا شرعيا غير فاسد ويتمتع بشفافية وانحياز للمهمشين والفقراء وممارسة لقيم الحق والعدالة إلى أبعد الحدود. إنه نظام لم يصل إليه أى مجتمع، وسيحتاج إلى نضال مرير بشرى لبلوغه. ولكنه هدف يجب عدم التنازل عنه قط حتى ولو تم تدريجيا. بدونه ستظل العدالة الاجتماعية ناقصة ومتعثرة وقصرا على أقلية من هذا النوع أو ذاك.
الاختلاف الكبير هو حول النظام الاقتصادى المطلوب والذى لن يقف فى وجه تلك العدالة الاجتماعية بسبب الأسس الأيديولوجية التى ينطلق منها، كما فعل النظام الرأسمالى النيوليبرالى الذى فرض على العالم عبر الأربعين سنة الماضية، والذى ينادى بحرية السوق الكاملة غير المنضبطة، وبعدم تدخل سلطات الحكم فى الشأن الاقتصادى إلا بالنزر اليسير الذى يرضاه أصحاب الثروات الهائلة، وبالتركيز على أهمية الفرد وفردانيته الحرة الأنانية على حساب حاجات ومصالح المجتمع. هل مثل هكذا نظام اقتصادى يمكن الثقة فى قدرته على صيانة منجزات العدالة الاجتماعية وتعايش جنونه وهلوساته مع قيم وأخلاق تلك العدالة؟
فى اعتقادى أن شعار الاشتراكية الذى طرحته الأيديولوجية القومية العروبية فى الماضى، ويراد تبديله بشعار عائم ملىء بالاختلافات من مثل شعار العدالة الاجتماعية، يجب معاودة بحثه، وهذا ما سنطرحه فى كتابات قادمة، إذ إن الموضوع مطروح على مستوى العالم كله، وفى قلب قلاع الرأسمالية نفسها.