"صيف الغرق" في أنهر العراق
العربي الجديد:يزداد قلق العراقيين من قصد أبنائهم الأنهر مع أصدقائهم هرباً من حرّ الصيف وانقطاع الكهرباء. فمعدلات الوفيات غرقاً مرتفعة، ولا يكاد يمر يوم من دون إعلان غرق شخص أو اثنين، ما دفع بعض الآباء إلى استخدام كل الوسائل الممكنة لمنع أولادهم من السباحة في الأنهر، لكن من دون جدوى.
يعرف موسم الصيف في العراق بـ "موسم الغرق" الذي يسبب حوادث تصيب عائلات كثيرة في أنهر أو بحيرات أو سواقٍ لريّ المزارع. وتتجاوز درجات حرارة الصيف الـ 50 درجة مئوية أحياناً، ولا تلبي المسابح الخاصة الاحتياجات، خاصة أنها غير مجانية بخلاف الأنهر والبحيرات والسواقي.
ورغم أن فصل الصيف العراقي يبدأ بين مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، لكن ارتفاع درجات الحرارة في العالم بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، جعل إبريل/ نيسان من بين أشهر الصيف، إذ يبدأ عشاق السباحة بممارسة هواياتهم في أي مكان متاح. ومع انطلاق "موسم السباحة"، يعيش الأهالي هواجس أن تبتلع المياه أبناءهم. يقول الستيني هادي الزوبعي، الذي لا يتردد في ممارسة هواية السباحة في نهر الفرات القريب من سكنه بمحافظة الأنبار حتى في فصل الشتاء، لـ "العربي الجديد": "النهر صديقي الحميم، وقد تعلمت السباحة فيه مع إخوتي وأقاربي، لكنني لا أستطيع حصر عدد أبناء قرى منطقتنا وزوارها الذين غرقوا في هذا النهر، وربما تجاوز الرقم الأربعين، علماً أن كثيرين أُنقذوا أيضاً حين كانوا على وشك الموت". ويعزو الزوبعي الذي يرافق أحفاده الثلاثة الى النهر للإشراف على إتقانهم مهارات السباحة، أسباب الغرق بمجازفة الصغار والشبان في السباحة بأماكن خطرة في النهر، أو لمحاولتهم قطع النهر بالعرض، متجاهلين عدم امتلاكهم اللياقة والخبرة في مجاراة تيار المياه، وأيضاً عدم قدرتهم على السباحة في شكل يسمح بنزولهم الى النهر، "وأنا أعتبر بالتالي خوف الأهالي من ذهاب أولادهم للسباحة أمراً طبيعياً نتيجة حالات الغرق الكثيرة التي نشهدها موسمياً".
ومن أجل حمايتهم من الغرق بالتزامن مع تلبية رغباتهم في ممارسة السباحة، يدفع أهالٍ كثيرون اشتراكات شهرية للمسابح الخاصة كي يقصدها أبناؤهم. وهو ما تفعله رنا جاسم التي تؤكد لـ "العربي الجديد" أنها تحاول الحفاظ على حياة أولادها عبر منعهم من السباحة في النهر. تقطن رنا على مسافة قريبة من نهر دجلة في العاصمة بغداد، حيث يأتي عشرات من الشبان والمراهقين والصغار من أحياء أخرى لممارسة السباحة، لكنها ترفض نزول أولادها إلى النهر، "لأنني لا أريد أن أفجع بغرق أحد أولادي، على غرار ما حصل لعائلات كثيرة. وقد شاهدت أفراداً من هذه العائلات يأتون الى النهر للبحث عن أولادهم وهم في حالة خوف شديد من غرقهم، علماً أن أولاداً كثيرين يترددون على النهر للسباحة من دون علم عائلاتهم".
بالتأكيد، تشكل المسابح الخاصة أو تلك التابعة للأندية والفنادق الحلّ الأنسب والأكثر أماناً للأهالي الذين يستطيعون رؤية أبنائهم أمام عيونهم، لكن عددها قليل مقارنة بالكثافة السكانية داخل المدن، كذلك إن مرتاديها يدفعون مبالغ مالية لدخولها، ما يوجد معضلة أخرى بالنسبة إلى الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، ويصبح النهر الملاذ الحتمي الوحيد لأبنائهم.
يقول الشاب غزوان الذي يبعد بيته مسافة نصف ساعة سيراً فقط عن نهر دجلة لـ "العربي الجديد": أهرب خلسة إلى النهر برفقة أصدقائي، وجميعنا مراهقون لا تتجاوز أعمارنا الـ 16". يضيف: "كدت أن أغرق مرتين، وأنقذني شبان كانوا يسبحون قربي، لكن الحادثين لم يُضعفا تصميمي على السباحة في النهر في كل صيف. عائلتي فقيرة، ولا تستطيع تأمين بدل ممارستي السباحة في مسبح قرب دارنا، لذا أتسلل إلى النهر خلسة، رغم أن والدي يخشى عليّ من الغرق".
واللافت أن شرطة الأنهر تنقذ كثيرين موسمياً. ويوضح علي التميمي، أحد عناصر الجهاز الشرطة النهرية، لـ "العربي الجديد" أن "الأنهر ليست آمنة في كل الأماكن، إذ تختلف الأعماق بين مسافات متقاربة فيها، ما يؤدي أحياناً إلى فقدان أشخاص توازنهم، خاصة أولئك الذين لا خبرة كبيرة لديهم".
ويُشير التميمي إلى أن "هناك يافعين يوجدون دائماً على أطراف الأنهر لمراقبة الصغار والمراهقين وهم يسبحون، والتدخل لإنقاذهم إذا تعرضوا لخطر الغرق، لكنهم يؤدون في كل الأحوال مهمة تطوعية لحماية الأولاد، وقضاء وقت في الطبيعة".
ويعتبر مشروع "إروائي" لري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية شمال بغداد موقعاً مهماً لممارسة سكان القرى القريبة السباحة، وبينهم أسعد عبود الذي اعتاد السباحة في سواقي مشاريع الري منذ أن كان طفلاً، لكنه في الفترة الأخيرة تجنب الذهاب إلى المشروع بسبب قلقه على ولديه. وهو أوضح لـ "العربي الجديد" أن "حالات غرق عدة حصلت في سواقي مشاريع الريّ، ما يجعلني أخشى على مصير ولديّ اللذين يسبحان جيداً، لكن جميع الصغار يمزحون مع بعضهم داخل الماء، ما قد يسبب الغرق، علماً أنني لا أستطيع منعهما من السباحة التي توفر ملاذاً لهما من الحرارة وتمنحهما فرصة إفراغ طاقاتهما وتكسبهما منافع صحية. وعموماً، لا مكان أفضل من مشروع الري للسباحة، لأن قريتنا تبعد نحو 20 كيلومتراً عن أقرب مسبح مجهز".