فشل وساطات التهدئة في العراق: الفصائل تتمسك بالرد على القصف الأميركي
العربي الجديد:كشف قيادي بارز في "الحشد الشعبي" ببغداد، لـ"العربي الجديد"، عن فشل جهود، قادتها أطراف حكومية وسياسية للتهدئة، وإقناع الجماعات المسلحة بعدم تنفيذ تهديداتها المتعلقة بالرد على الهجوم الجوي الأميركي على مواقع تتبع مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، المدعومة من طهران، على الحدود العراقية ـ السورية الإثنين الماضي.
يأتي ذلك مع مواصلة وحدات من الجيش العراقي تنفيذ عمليات انتشار واسعة في محيط عدد من القواعد التي تضم قوات أميركية، أبرزها "عين الأسد"، ومعسكر "فيكتوريا" المجاور لمطار بغداد، بينما فرضت سلطات إقليم كردستان العراق إجراءات مشددة على حدودها مع نينوى وكركوك، تحسباً من هجمات صاروخية أو طائرات مسيرة مفخخة.
وتواصل عدة فصائل مسلحة في العراق، حليفة لطهران، تهديداتها باستهداف جنود وطائرات تابعة للقوات الأميركية، كان آخرها تصريحات لزعيم "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي، أمس الأول، قال فيها: "نعتذر للجميع، فلن نقبل أي وساطة بعد الآن. نحن من نحدد زمان ومكان الرد الذي سيشفي صدور قوم مؤمنين"، فيما هدد زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي بقتل جنود أميركيين. وروجت منصات إعلامية، تابعة لتلك الفصائل، صوراً لصواريخ "ستريلا" و"ستينغر" المضادة للطائرات، مع عبارات تهديد باستهداف جديد من نوعه.
وبحسب قيادي بارز في "هيئة الحشد الشعبي"، تحدث مع "العربي الجديد"، شرط عدم ذكر اسمه، فإن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وقيادات سياسية شيعية، تواصل التحرك بشأن التهدئة، وعدم الرد على الغارة الأميركية، والاكتفاء بالهجوم الصاروخي على قاعدة حقل العمر النفطي في سورية، التي تتمركز داخلها قوات التحالف الدولي، الاثنين الماضي، والذي نفذته فصائل عراقية مسلحة تنشط هناك، انطلاقاً من مناطق انتشارها في أطراف دير الزور. وأوضح أن اجتماعاً جمع رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض ونائب رئيس أركان "الحشد" عبد العزيز المحمداوي، الملقب بأبو فدك، وزعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، مع الكاظمي، الثلاثاء الماضي، لم يتوصل لأي ضمانات أو تفاهمات بشأن التهدئة التي يطلبها رئيس الحكومة.
وأشار القيادي إلى أن "العامري طالب، خلال الاجتماع، بتقديم شيء ملموس حيال ملف القوات الأميركية لقاء التهدئة وإقناع الفصائل بعدم الرد، وأبرزها أن يطالب بشكل رسمي خروج القوات الأجنبية من العراق، وهو ما يرفضه الكاظمي، معللاً ذلك بمخاطر أمنية وخسائر سياسية واقتصادية كبيرة سيتركها القرار على العراق". وأضاف أن "الكاظمي أبلغ المجتمعين معه، أن أي رد يوقع خسائر أميركية بالأرواح، سيدفع لرد آخر، قد يفتح باب مواجهة جديدة، وقد يقود أيضاً لتحرك في مجلس الأمن الدولي". ورجح القيادي عودة زعيم "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني للعراق مرة أخرى لبحث الأزمة، وقد يكون ذلك بناء على طلب من رئيس الوزراء نفسه بحثاً عن تهدئة.
وحول هذه المعلومات، قال القيادي في تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد"، أبو ميثاق المساري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن الهجوم الأميركي الأخير "نسف كل مساعي التهدئة، وباتت جهود التهدئة صعبة للغاية والأجواء متوترة"، مضيفاً أن "فصائل المقاومة باتت لها شرعية جديدة للرد، والعمل على إخراج القوات الأجنبية بكل الطرق المتاحة لها". وتابع "حالياً لا توجد تهدئة وكل الوساطات مرفوضة، بين الفصائل والجانب الأميركي. ولهذا كل الخيارات مفتوحة، وكل السيناريوهات واردة ومتوقعة لرد الفصائل على القصف الأميركي الأخير ضد الحشد الشعبي". وبين المساري أن "حكومة الكاظمي، دائماً ما تسعى إلى وجود هدنة بين الفصائل والأميركيين، ونعتقد أن الكاظمي يسعى لإبقاء الأميركيين بالعراق أطول فترة ممكنة".
إلى ذلك، قال نائب زعيم مليشيا "الأبدال"، إحدى الفصائل الموالية لطهران، كمال الحسناوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "جميع فصائل المقاومة الإسلامية رفضت المساعي التي تحركت لإيجاد هدنة جديدة مع الأميركيين، وحالياً نحن بصدد الرد على الهجوم" الأميركي. واعتبر أن الفصائل المسلحة "أعطت فرصا كبيرة للحكومة العراقية من أجل إخراج القوات الأجنبية وفق الطرق الدبلوماسية والسياسية، لكنها بصراحة أخفقت بهذا الملف. وهذا الإخفاق ربما يكون متعمداً بهدف بقاء القوات الأميركية المحتلة في العراق، بل وتعزيز هذا التواجد بعنوانين وحجج جديدة". وأضاف "سيكون لنا رد نوعي على العدوان الأميركي، وهذه الفصائل هي من ستحدد زمان ومكان هذا الرد، وكل الخيارات مفتوحة ومتاحة أمام المقاومة العراقية. كما أن الفصائل العراقية جاهزة ومستعدة لكل السيناريوهات".
"كتائب حزب الله"، التي تعتبر من أبرز الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، هددت بدورها، أمس الخميس، من أن ما وصفتها بـ"المرحلة القادمة ستكون شرسة على القوات الأميركية في العراق". واعتبر المتحدث باسم "الكتائب" محمد محي، في بيان، أن "على القوات الأميركية أن تخرج فوراً من العراق، وإلا سيكون الرد قاسياً جداً هذه المرة، والشعب العراقي يرفض وجودهم داخل العراق".
ووفقاً لبيان أصدرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الإثنين الماضي، فإن طائرات من طراز "أف 15" و"أف 16"، نفّذت "ضربات جوية ضرورية ومدروسة، ضد فصائل مسلحة مدعومة من إيران في العراق وسورية". وتحدّث البيان عن أن الهجمات كانت بإذن من الرئيس الأميركي جو بايدن، في أعقاب الهجمات على المصالح الأميركية في العراق، مضيفاً أن الضربات استهدفت "منشآت تشغيلية ومستودعات للأسلحة في موقعين في سورية وموقع في العراق".
وأصدرت ما تُعرف بـ"تنسيقية المقاومة العراقية"، التي تضم عدة فصائل مسلحة مدعومة من إيران، أبرزها "كتائب حزب الله"، و"كتائب سيد الشهداء" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء" و"البدلاء" وفصائل أخرى، بياناً مشتركاً بعد ساعات من الهجوم الأميركي، توعدت فيه بالرد بشكل سريع، فيما دانت الحكومة العراقية، بعد اجتماع طارئ برئاسة الكاظمي، الغارات الأميركية، معلنة، في بيان، أن "العراق يجدد رفضه أن يكون ساحة لتصفية الحسابات".
يُذكر أن قوات التحالف الدولي، والمصالح الأجنبية، وخصوصاً الأميركية في العراق، تعرضت خلال الفترة الماضية لهجمات متكررة بصواريخ الكاتيوشا والطائرات المسيَّرة. وعلى الرغم من عدم إعلان السلطات العراقية هوية الجهات التي تنفذ الهجمات، إلا أن واشنطن تتهم مليشيات مقربة من إيران بالوقوف وراء استهداف قواتها في العراق.