العراق يضحك… القيظ من ورائكم والكورونا من أمامكم
منذ 5 ساعات
هيفاء زنكنة
0
حجم الخط
أيام العراق حافلة بانجازات بلا حدود. آخرها فوزه بالمركز الأول، عربيا، بانتشار فيروس كورونا. فبينما أظهر إحصاء لوكالة «رويترز» أن أكثر من 183 مليون نسمة أصيبوا بفيروس كورونا المستجد على مستوى العالم، وأن عدد الوفيات تجاوز الأربعة ملايين، سجل العراق رقمه القياسي بين الدول العربية: 17256 وفاة وأكثر من مليون وربع المليون إصابة. وتشير الزيادة في عدد الإصابات، بين فئة الشباب، وارتفاع عدد الراقدين بردهات العناية المركزة في المستشفيات، إلى وصول متحورة «دلتا» إلى البلاد.
وإذا كانت حالات الإصابة والوفيات هي التي تحتل الصدارة، بلغة الاحصائيات المجردة، للدلالة على وضع آني فإن إنعكاسات الجائحة، الآنية منها وبعيدة المدى، وامتدادها بشكل سريع، يضيف إلى الوضع العام الكارثي، «بيئة مثالية» لتفشي أمراض من نوع آخر. أمراض بالإمكان معالجتها لو توفرت الإرادة السياسية الوطنية وتم تعقيم البلد من ميكروبات الفساد. فالعراق بلد يتمتع بثروة لا تتوفر للدول العربية الأخرى التي تليه في قائمة الإصابة بالفيروس مثل الأردن ولبنان والمغرب. شبح الفقر بعيد إذن والتحجج بقلة الموارد المادية أكذوبة مفضوحة. خاصة وإن تعافي أسعار النفط، عالميا، عزز الإيرادات من مبيعات النفط في شهر حزيران/ يونيو لتتجاوز ستة مليارات دولار للشهر.
إلا أن هذه الثروة سرعان ما تُصبح سرابا، عند الحديث عن مقايضتها بتوفيرالخدمات للمواطنين. وهنا تأتي انعكاسات إنتشار الكورونا المضاعفة، الممتدة أبعد من الحاضر، حين تتزاوج مع التدهور الكلي إلى الحضيض، منذ غزو البلد عام 2003، وتسليم السلطة إلى عراقيين يحكمون بالنيابة.
من ناحية توفير اللقاح وتوزيعه، يأتي العراق في مستوى متدن للغاية. إذ لم يتلق اللقاح بجرعتيه، حتى الآن، غير أربعة بالمئة من المواطنين (مقارنة بدول تقترب من 70 بالمئة من البالغين كتشيلي). مما يعني، إذا ما استمر الوضع على هذا الحال، ستصل نسبة 70 بالمئة من مجموع أربعين مليون من السكان عام 2075.
ويعيش المهجرون والنازحون قسريا (من العراقيين والسوريين ومن بلدان أخرى) البالغ عددهم ستة ملايين ونصف، حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في شهر حزيران، مأساة مضاعفة. إذ يعانون من عدم القدرة على العمل وكسب العيش بسبب القيود المفروضة على الحركة. مما يعرضهم لقبول أي عمل كان مهما كانت نتائجه، ومعاناة الأكثرية من الصدمات النفسية، والتوتر والقلق، ووقف الأنشطة التعليمية، وتصاعد العنف المنزلي، والاستغلال الجنسي. وقد دفع الاستغلال الجنسي المفوضية إلى إضافة تحذير، بالخط العريض، عند التسجيل للحصول على اللقاح، يبين إنه في حال طلب أي موظف يتبع لجهات فاعلة في العمل الإنساني الاغاثي أو التنموي ـ بما في ذلك وكالات وبعثات الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية الوطنية أو الدولية بأي خدمة أو نشاط جنسي مقابل الوعد بتوفير لقاح جائحة كوفيد 19، فإن ذلك يعد ارتكابا لجريمتي الاستغلال والانتهاك الجنسيين.
- اقتباس :
حققت الحكومات العراقية المتعاقبة نجاحا مذهلا في تلاشي الثقة، حتى بين مؤيديها، جراء إطلاق الوعود الكاذبة، والقرارات التخديرية، وسياسة التزييف المنهجية
من الجانب الحكومي، تُلقي معظم التصريحات مسؤولية انتشار الوباء على قلة وعي المواطنين، وخوفهم من اللقاح وتجاهلهم الإجراءات الحكومية. إلا أنها قلما تتطرق إلى الأسباب الحقيقية وأهمها انعدام الثقة، عموما، بالإجراءات الحكومية، أيا كانت. فمن المعروف إن التحدي الذي تواجهه الحكومات ( حتى الديمقراطية فعلا) لا يقتصر فقط على معرفة السياسات التي يختارونها، ولكن أيضًا في كيفية تنفيذ السياسات، وتعتمد القدرة على التنفيذ بشكل رئيسي على الثقة. بدونها لا أمل في تطبيق أي اجراء حكومي ولو كان لصالح الناس أنفسهم. وقد حققت الحكومات العراقية المتعاقبة نجاحا مذهلا في تلاشي الثقة، حتى بين مؤيديها، جراء إطلاق الوعود الكاذبة، والقرارات التخديرية، وسياسة التزييف المنهجية المبنية على الاستهانة بعقول الناس، فضلا عن اللجوء الى العنف بأشكاله.
وإذا كان التعامل مع الوباء مشكلة عالمية، فإن انقطاع التيار الكهربائي يشكل نموذجا متميزا يُحسب للحكومة العراقية دون غيرها. تجثم المشكلة، القابلة للحل، بثقلها على صدور الناس فتمنعهم من التنفس، وأحيانا الموت من شدة الحرارة، بعد مرور 18 عاما على إطلاق الوعود بالأطنان عن تحسين الوضع. وهناك من الدلائل العلمية ما يؤكد إن عدم توفير الكهرباء وتعريض حياة المواطن للخطر القاتل هو جريمة بحد ذاتها، في بلد ترتفع فيه درجة الحرارة، على مدى ثلاثة شهور كل عام، إلى ما يزيد على الخمسين درجة مئوية. حيث يؤكد العلماء أن درجة حرارة الجسم التي من المفترض ثباتها، ترتفع إذا كانت درجة الحرارة الخارجية مرتفعة للغاية. فيصاب المرء أولاً بالإرهاق الحراري، الذي يتسم بالصداع والغثيان أو الدوار إلى أن يصل نقطة تحول تختلف باختلاف الاشخاص، لكنها تدور حول 42 درجة مئوية إذ يتوقف جدوى التعرق ويمكن أن ترتفع درجة حرارة الجسم، لتصل أحيانا فوق 44 درجة مئوية. مما يسبب الوفاة. ويتضاعف الخطر في محافظة البصرة وحواليها باضافة درجة الرطوبة العالية التي توقف التعرق في منطقة الخليج العربي.
تتجاهل الحكومة هذه الحقائق الواضحة، بدون أن تتخذ أي إجراء فعال، لانقاذ حياة الناس، بل تكتفي باطلاق التصريحات وبعض الإجراءات الترقيعية. ولعل أكثرها إهانة للمواطنين هو الإعلان المبتذل عن تشكيل لجان التحقيق. على هذا المنوال شكل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لجنة «لفتح تحقيق في حالات التقصير والإهمال في بعض مفاصل وزارة الكهرباء». ونشر تغريدة عن «التحقيق لمعرفة اسباب الانقطاع بالمنظومة الكهربائية للوصول إلى اجابات عن حقيقة ما حصل. هل سببه خلل فني أم عمل إرهابي أم سياسي». وكأن المشكلة طارئة والصيف يحل بالعراق للمرة الأولى، مما يستدعي تشكيل لجنة حكومية للتحقيق في الاسباب، وكأن انتفاضة تشرين / أكتوبر 2019، التي راح ضحيتها مئات المحتجين وجرح مئات الآلاف، حدثت في بلد آخر غير العراق. ولأن كثرة الهم والأسى تدفع الناس إلى السخرية وتبادل النكات دفعا للجنون، كثرت النكات حول الكورونا وانقطاع الكهرباء إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي شهدت في الايام الأخيرة إضافة نوعية، برزت مع لجوء الكاظمي الى اطلاق التغريدات تشبها بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. الاضافة الجديدة هي الاكتفاء بتوزيع التغريدات الغرائبية بلا تعليق. فهل تحتاج تغريدة مثل «العراق مستعد لتعزيز التعاون مع إيطاليا، في مجال التدريب وتطوير العمل في مكافحة الفساد وغسيل الأموال والجريمة المنظمة والمافيات» لأي تعليق لاثارة الضحك؟
كاتبة من العراق