ذكرى معاهدة عام ١٩٣٧ . أول ترسيم للحدود الإيرانية مع العراق بعد تأسيس دولته الحديثة
العراق وإيران يتناصفان السيطرة حاليا على شط العرب (رويترز)
الجزيرة/طه العاني:تعدّ المشاكل الحدودية بين العراق وإيران، ولا سيما منطقة شط العرب، إحدى أبرز أسباب النزاع المزمن بين البلدين، الذي أدى إلى صدامات دموية وحرب طويلة دامت نحو 8 سنوات، وخلّفت مئات الآلاف من القتلى، وسببت دمارا وخسائر اقتصادية هائلة لدى الجانبين.
ووقّعت طهران وبغداد في السابع من يوليو/تموز عام 1937 أول معاهدة لترسيم الحدود بين البلدين بعد تأسيس الدولة العراقية، اعترفت إيران فيها بعراقية شط العرب مستندة إلى معاهدات قديمة بين الدولتين العثمانية والفارسية.
مشاكل متجذرة
والخلافات الحدودية بين العراق وإيران ليست وليدة اليوم، وعلى الرغم من أن هذه الحدود قد أقرّت منذ القرن الـ17 الميلادي، فإن الخلاف والنزاع تفاقم بين الدولتين على مرّ العقود الماضية، وأبرزها النزاعات الملاحية المحيطة بالممر المائي المتمثل بشط العرب، حسب الباحث والأكاديمي الدكتور علاء الموسوي.
ويضيف الموسوي للجزيرة نت أن الخلاف الحدودي الأكثر تعقيدا خلال القرن الـ20 كان يتمثل بسيادة شط العرب، وهو مركز التقاء نهري دجلة والفرات، ويقع شمال محافظة البصرة، ويبلغ طوله نحو 130 ميلا.
ووصف الموسوي اتفاقية عام 1937 التي وقّعت في قصر سعد آباد بالعاصمة الإيرانية طهران بأنها كانت أولى محاولات الانفراج في ملف الخلافات الحدودية بين البلدين خلال الربع الأول من القرن الـ20.
وفي عام 1934 أعربت طهران عن شكوكها في قانونية اتفاقات أرضروم وإسطنبول، وفي عام 1937 تم حلّ الخلاف بعد توقيع معاهدة الحدود الإيرانية العراقية وذلك من خلال خطوط الحدّ القديم بين البلدين، ما عدا محيط بلدة عبادان الإيرانية، إذ انتقلت الحدود من الضفة إلى خط القعر مثلما حدث حول المحمرة قبل ذلك بعقدين، كما يقول أستاذ الجغرافيا السياسية الدكتور مجيد حميد البدري.
ويبين البدري للجزيرة نت أن معاهدة 1937 نصّت على أن الحدود التي تفصل البلدين (إيران والعراق) تمتد بشكل أساسي على ضفة شط العرب من الجانب الإيراني، واعترفت إيران حينئذ بسيادة العراق الكاملة على مجرى النهر الملاحي، باستثناء أجزاء بسيطة منه.
ويلفت البدري إلى أن العراق اشترط وقتئذ تسوية الخلافات الحدودية مع إيران قبل الدخول في ما أسمته المملكة المتحدة (وفاق الشرق الأوسط)، حيث بدأ التخطيط الدقيق للحدود العراقية في عام 1911.
إلغاء الاتفاقية
وبعد نحو 3 عقود على توقيع الاتفاقية أعلنت إيران في 19 أبريل/نيسان 1969 رفضها هذا الترسيم الحدودي، وعدّته صنيعة إمبريالية لأن العراق كان يرزح تحت الانتداب البريطاني، كما يفيد البدري.
ويذكر أستاذ الجغرافيا السياسية أن إيران عدّت نقطة خط القعر في شط العرب -التي اتفق عليها عام 1913 بين إيران والعثمانيين- بمنزلة حدودها الرسمية مع العراق، في حين رأت بغداد أن فسخ طهران للمعاهدة خرق صارخ للقانون الدولي.
ويضيف "بعد أيام قليلة من إلغاء الاتفاقية أدخلت إيران إحدى سفنها إلى المياه العراقية من دون أن تدفع الرسوم المقررة عليها، ثم قرر البلدان نشر قواتهما العسكرية على امتداد شط العرب".
اتفاقية جديدة
من جانبه يقول رئيس قسم الدراسات السياسية والإستراتيجية بمركز الدراسات الإقليمية في جامعة الموصل الدكتور ميثاق خيرالله جلود إن تنصل إيران من هذه الاتفاقية عام 1969 أدى إلى تأجيج التصعيد العسكري والمناوشات والمشكلات بين البلدين.
ويبيّن جلود في حديث للجزيرة نت أن العراق في سبعينيات القرن الماضي كان يعاني من حرب داخلية بين الجيش العراقي والحركة الكردية في شمال البلاد، وكانت الحركة الكردية تتلقى دعما إيرانيا بالمال والسلاح، لذلك ظنت القيادة السياسية في العراق أن إيقاف الدعم الايراني من الممكن أن يشكل نهاية لهذه المشكلة المستعصية، ومن هنا اضطرّت إلى توقيع اتفاقية الجزائر في السادس من مارس/آذار 1975، ووقعها عن الجانب العراقي صدام حسين نائب رئيس الجمهورية آنذاك وشاه إيران محمد رضا بهلوي بإشراف الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين.
ويشير إلى أن أهم بنود الاتفاقية الجديدة هو إعادة ترسيم الحدود بين الطرفين ومنح إيران نصف شط العرب، بعد أن اصطلح على أن خط الثالوك (خط القعر) -أعمق نقطة على امتداد شط العرب- يمثل الحدود النهرية بين الطرفين، وفي مقابل ذلك تتوقف إيران عن دعم الحركة الكردية المسلحة في شمال العراق، فضلا عن إعادة بعض الأراضي العراقية الحدودية المسيطر عليها من إيران وضبط الأمن على الحدود، لافتا إلى أنه تم تشكيل لجان للإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقية، ومن ثم تم توقيع 3 برتوكولات في ما بعد بالاستناد إلى اتفاقية الجزائر.
ويؤكد جلود أن إيران حققت مكسبا مهما باتفاقية الجزائر، بعد أن حصلت على نصف شط العرب، إذ وفق الحسابات الإستراتيجية تسرعت القيادة العراقية في القبول بهذا البند بعد أن منحت إيران مكسبا كانت ترنو إليه منذ عقود في مقابل أمور سياسية وأمنية متغيرة، ليس لها قيمة كبيرة من الناحية الإستراتيجية.
توتر مستمر
ومثّل اتفاق 1937 أحد أبرز محطات تطبيع الأوضاع بين البلدين، خصوصا أن إيران لم تعترف بالعراق دولة مستقلة ذات سيادة حتى بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، كما يقول الباحث العراقي المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية فراس إلياس.
ويضيف إلياس للجزيرة نت أن التطورات السياسية التي مرّ بها العراق في تلك الحقبة حتمت على إيران إنهاء إشكالية الحدود بين البلدين، إلا أن هذا لا يعني أن إلغاء الاتفاقية كان سببا مباشرا لإشعال فتيل الحرب بين البلدين في ثمانينيات القرن الماضي لأن هناك ظروفا سياسية استجدّت في البلدين، وكان لها دور حاسم في بدء الحرب.
ويعرب إلياس عن اعتقاده أن هناك كثيرا من الأسباب دفعت العراق عام 1980 إلى إلغاء اتفاق الجزائر، منها عدم التزام إيران بتعهداتها في اتفاق عام 1937، وخصوصا البند المتعلق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، إلى جانب طبيعة الصورة المقلقة التي ظهرت عليها إيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979، وهي كلها أسباب دفعت العراق لإلغاء اتفاق الجزائر، وأدى ذلك إلى اندلاع حرب الـ8 سنوات.