مائدة نزهت ١٩٣٧-٢٠١٩ مطربة العراق الاولى
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس جامعة الموصل
مائدة نزهت ١٩٣٧-٢٠١٩ مطربة العراق الاولى
حين نريد ان نؤرخ للحركة الغنائية ، والموسيقية في العراق المعاصر لا يمكننا ان نتغافل عن ذكر المطربة الكبيرة مائدة نزهت ؛ فقد تركت الكثير من الالحان ، والاغنيات العاطفية ، والدينية ، والوطنية وكان لها اثرها في تنمية الحس الفني بأهمية الموسيقى الشرقية والعربية والمقامات العراقية .
ومائدة جاسم محمد العزاوي ، وهذا هو اسمها الكامل من مواليد ما نسميه صوب الكرخ في مدينة بغداد التاريخية سنة 1937 وقد حملت اسمها الفني (مائدة نزهت ) واشتهرت به وتزوجت الملحن الكبير الاستاذ وديع خوندة وهو نفسه الذي حمل اسم (سمير بغدادي) .
ويقينا كعادة الفتيات البغداديات فان مائدة جاسم ما كان لها ان تصبح مغنية شهيرة ومطربة متميزة لولا دخولها الكتاب وحفظها للقرآن الكريم وبعد بلوغها سن المدرسة درست في مدرسة الرصافة الابتدائية للبنات وشاركت في اداء الاناشيد وبرعت في منتصف الاربعينات وفي سنة 1950 اقنع الاستاذان منير بشير وخزعل والدها وكان ضباطا في الجيش العراقي ان تتقدم ابنته للاختبار في الاذاعة ولتساهم في فرقة الانشاد وقد برزت في تقديم واداء ما كانت تسمعه من اغنيات المطربة الكبيرة السيدة أم كلثوم وغيرها من مطربات ذلك الزمن الجميل في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي ولحاجة دار الاذاعة العراقية الى مطربات قدمت اوراقها للدخول في الاذاعة ونجحت في الاختبار سنة 1950 وسجلت الكثير من الاغاني وكان يلحن لها ملحنون كبارا منهم احمد الخليل وناظم نعيم وعلاء كامل وعباس جميل ورضا علي وسمير بغدادي وياسين الراوي ومحمد الكويتي ومن الاغاني التي اشتهرت بها اغنية (توبة ) واغنية (كالو حلو) .
كما كانت من اوائل المطربات العراقيات اللواتي قدمن الاغنيات في تلفزيون بغداد بعد فتحه سنة 1956 .
ومن الامور التي يقدرها المؤرخ وهو يكتب عن الفنانة مائدة نزهت انها غنت اول اغنية وطنية بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 والتي ادت الى سقوط النظام الملكي وقيام جمهورية العراق وكان عنوان الاغنية ( صباح الخير صباح الثورة ) .والأغنية متوفرة على اليوتيوب .كما غنت اغنية وطنية بعنوان ( أنا العراق) والاغنية ايضا متوفرة على اليوتيوب
ليس من السهولة حصر كل ما غنته المطربة مائدة نزهت ولكن من الممكن ذكر عناوين عدد من اغنياتها التي كثيرا ما رددها الجمهور خاصة وانها كانت تتمتع بثقافة موسيقية وصوت عذب واخلاق رفيعة وكانت مطربة مقام من الطراز الاول ومن اغنياتها المشهورة وقسم منها متوفر الان في اليوتيوب :"للناصرية " و " الروح محتاره والدمع يجاره" و"توبن اكولن " و"كل الناس تهواه" و"حمد ياحمود" و"كلهم يكولون " و"دور بينه ياعشك دويره " و"ام الفستان الاحمر" و"كلما أمر على الدرب" و"الليلة حنتهم " و"سنبل الديرة " و"حاصودة " ،و"يلا نقوم بحيي الليل" و"دولبني الوكت " و" تاليها وياك" و"حلوين " و"جاني من حسن مكتوب " ،و" كل ما أمر على الدرب " و"احبك لا " و"سامبا بغداد" و"وينك " و"تجونه لو نجيكم " و" هم ثلاثة للمدارس يروحون " و"حلم اخضر " و"منك يا الاسمر " .
وفيما يتعلق بمن كتب لها فإننا نشير الى ان هناك كثيرون من الشعراء كتبوا لها منهم الشاعر حافظ جميل ، والشاعر زهير الدجيلي، والشاعر هلال عاصم ، والشاعر حسين علي ، والشاعر اسماعيل الخطيب ، والشاعر حسن نعمة العبيدي ، والشاعر عبد المجيد الملا والشاعر رشيد حميد .
كانت في اداءها للمقام تقترب من محمد القبانجي ويوسف عمر وقد غنت كل الوان الغناء العراقي المعروفة من الموال الى الابوذية الى العتابة . غنت المطربة مائدة نزهت ، مقام الحويزاوي بأسلوب فني مغاير تماماً لأسلوب الفنان الكبير محمد القبنجي و مغاير ايضاً لأسلوب الفنان الكبير ناظم الغزالي, ولم يكن ذلك لمرة واحدة بل كررت ذلك مرتين و بقصيدتين جديدتين مختلفتين ؛ ففي المرة الاولى غنت مقام الحويزاوي بقصيدة الشاعر عبد المجيد الملا:
يا من هواه أعزه و أذلنــــي * كيف السبيل الى وصالك دلنــي
واصلتني حتى ملكت حشاشــتي *ورجعت من بعد الوصال هجرتني
وفي المرة الثانية اثبتت الفنانة مائدة نزهت امكانياتها الابداعية وغنته بقصيدة الشاعر الكبير حافظ جميل بأجمل ما يمكن ان يكون.
وأعظم بلواك من هم تعانيــه * ومن جوى ألم في النفس تخفيــه
لله آهتك الحرى اذا انبـــعثت عن * لاعج في سواد اللــيل تذكيه
مائدة نزهت اعتزلت الفن في اواسط الثمانيات من القرن الماضي . وفي سنة 2003 عند وقوع الاحتلال الامريكي كان عمرها (66) سنة وقد قررت الاعتزال وتفرغت للعبادة والقراءة وقالت عن سبب اعتزالها انها كبرت في السن وانعم الله عليها بأداء فريضة الحج ، وهو شيء طبيعي بالنسبة لأمراة بهذه السن قدمت الكثير واصبحت بحكم السن بحاجة الى الراحة . وتولى ابنها البكر الاستاذ أياد الذي كان يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ادارة اعمالها . وثمة اشاعة تقول انها قررت سحب اشرطتها وهذا لم يكن ممكنا ابدا فضلا عن ان ولدها هو من كان يشرف على اعمالها الفنية .وقد يكون من المناسب القول انها شاركت في تمثيل فيلم واحد هو (درب الحب) سنة 1966.
وكما هو معروف فان لمائدة نزهت اغان وطنية ، حسب بعضهم انها تقع في خانة تمجيد النظام السابق لهذا شعرت انه ليس ممكنا ان تبقى تغني وتعيش في العراق لهذا غادرت العراق حالها حال كثيرين في مقدمتهم الفنان كاظم الساهر ولو بقيت في العراق فكان من المحتمل ان تتعرض الى الخطر من بعض الجهلة ممن لا يقدرون قيمة الفن .
في سنة 2013 سرت شائعات عن وفاتها لكنها ومن القاهرة حيث كانت تعيش كذبت الخبر
توفيت الفنانة الكبيرة السيدة مائدة نزهت يوم 19 من ايلول –سبتمبر سنة 2019 عن عمر ناهز ال (82) عاما . رحمها الله وطيب ثراها وجزاها خير على ما قدمت لبلدها وفنها الاصيل. كانت دائما تقول وهي في القاهرة حيث كانت تعيش بعد الاحتلال الامريكي 2003 انها تحمل أجمل الذكريات عن بلدها الحبيب العراق وكانت تحظى بحب وتقدير واعتزاز واعجاب العراقيين وكل من يستمع اليها فهي صاحبة الصوت الشجي العذب وتميزت بلهجتها البغدادية الكرخية الاصيلة وهي اللهجة المحببة الى نفوس كل العراقيين .