السلالة الهندية المتحورة وطبقية «كورونا»
جوسلين إيليا
السلالة الهندية المتحورة وطبقية «كورونا»
وصل اللقاح وآمن به الملايين «في بريطانيا على الأقل»، اقتنعوا به ولم يكونوا مقتنعين، أجبروا أنفسهم على تلقيه ولو أنهم مجبرون. «لا عمل من دون اللقاح» و«لا سفر من دون اللقاح»، ببساطة هذا هو الوضع اليوم بغضّ النظر عن الحرية الشخصية وحرية الاختيار وكل ما يُعرف بأنواع الحرية الذاتية.
في لندن أصبح يوم الحادي والعشرين من يونيو (حزيران) أشبه بيوم إطلاق سراحنا بعد عام ونيف من العيش في زنزانة في أحد سجون البلاد المفتوحة، ننتظر هذا التاريخ بفارغ الصبر آملين بالعودة إلى حياتنا «الطبيعية»، مع العلم أن طبيعة الناس تغيرت وستظهر أضرارها بعد فترة من الزمن، فالآتي أعظم. واليوم وبعد جرعة الأمل الزائدة في التفكير بأن قوانين الإغلاق والحد من السفر والتباعد الاجتماعي ستُرفع في يونيو، تأتينا السلاسة الهندية المتحورة الحاكمة، لتضع أملنا على المحكّ، ويبدو أن رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، سيؤجل التاريخ لغاية شهر إضافي.
«كورونا» قض على كثير من النفوس وخنق المرضى والخالين من الفيروس على حد سواء. ضيّق الخناق وقطع أكسجين العيش عن الأعمال وعن الموظفين وأرباب العمل، شلّ حركة السياحة والسفر وجعل الأمراض النفسية أكثر الأمراض فتكاً بالبشر.
الشهر الماضي، بعدما سُمح للمطاعم بفتح أبوابها شرط الجلوس في باحاتها الخارجية، وبعدها سُمح باستقبال الزبائن في الداخل مع تطبيق قوانين صحة وسلامة لا تنتهي، ولكن سرعان ما بدأت المطاعم بالاستعداد لفتح أبوابها بالكامل، رشح نوع من الطبقية، وسأشرح كيف...
لطالما وصفت فيروس «كورونا» بأنه أشبه بحرب عالمية فتاكة، فعندما تنتهي الحرب ترى الناس يتفقدون الأضرار، وهذا ما حصل مع رفع الحصار قليلاً عن الناس في لندن على سبيل المثال، وكانت الأضرار جسيمة في صفوف العاملين في مضمار الضيافة والفنادق، الآلاف فقدوا وظائفهم، وأعداد هائلة من المطاعم المتوسطة أقفلت أبوابها إلى أجل غير مسمى، إلا أن المطاعم الراقية وباهظة الثمن ظلت محجوزة بالكامل لغاية أغسطس (آب) المقبل، في حين أن المطاعم العادية شبه فارغة، وهذا يدل على أن الطبقة الغنية في أي مجتمع هي الأقل تضرراً. الأمر نفسه ينطبق على مطاعم بيروت الراقية التي أصبح ثمن الأكل فيها موازياً لراتب كامل لعامل محترم في إحدى الشركات بسبب أنهيار العملة وارتفاع الأسعار والزلزال الاقتصادي الذي يضرب لبنان منذ فترة ويعد الأسوأ على الإطلاق، فتلك المطاعم هي أيضاً محجوزة بالكامل، لدرجة أنه يصعب تصديق أن الزبائن الذين يتبادلون أطراف الحديث فيها وعلى شرفاتها غير آبهين بالفاتورة التي ستهزّ مضاجعهم قبل أن تبدأ معدتهم بهضم الطعام.
بالعودة إلى لندن التي ترتكز على السياحة والزوار القادمين إليها والذين يصل عددهم سنوياً إلى أكثر من 30 مليون سائح، وحسب المكتب الوطني للإحصائيات في بريطانيا وصلت قيمة إنفاق السياح عام 2016 إلى 11.6 مليار جنيه إسترليني مقابل 111 ليلة أمضاها السياح في ربوع العاصمة.
اليوم يمكن وصف لندن بعاصمة الضباب، لأن غيوم فيروس «كورونا» لا تزال تكتنفها والفيروس الهندي المتحور يخنقها من جديد، فهي خالية من الزوار العرب الذين يعدّون من بين الجنسيات الأكثر إنفاقاً، فحالياً انخفض إنفاق السياح في لندن بواقع 10.9 مليار جنيه إسترليني بسبب الجائحة.
لندن تختنق لعدة أسباب، أولها الإجراءات الصارمة، وقوانين السفر المربكة والمتغيرة يومياً، والحجر الذي يرافقه، وتصنيف البلدان على ثلاث لوائح زادت من الطين بلة وجعلت السفر أكثر تعقيداً في زمن تحور فيه الفيروس والبشر، فالبشر أيضاً تحوروا، يطالبون بالعودة إلى الحياة الطبيعية وهم أنفسهم لم يعودوا طبيعيين، والسبب هو الخوف الذي زُرع فيهم والقلق والتباعد والتحول إلى كائنات انطوائية، وقد يكون هذا هو السبب في فقدان لندن رونقها حالياً على الرغم من رفع الحجر وافتتاح مرافقها التي لا تزال شبه فارغة بانتظار السياح.