العراق في سلة ابو ناجي(بريطانيا)
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
[size=32]العراق في سلة ابو ناجي(بريطانيا)[/size]
منذ استلام الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وفريقه، شؤون الحكم في الولايات المتحدة، ماتزال منطقة الشرق الأوسط، من أكثر مناطق النفوذ الأمريكي إثارة للجدل، بملفاتها الساخنة، وأزماتها التي ربما زادت تعقيدا، في ظل الاستقطاب إلاقليمي الحاد، والحروب المفتعلة التي تزداد فتكا في عدد من البلدان العربية.
وعند الحديث عن السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، يهمنا مسرحية التجاذب بعلاقة امريكا مع نظام الملالي في طهران، والسيناريوهات المحتملة في المباحثات الدولية حول الملفات الايرانية المعقدة، والشئ الملفت والغريب ان هذا المجتمع الدولي بقيادة رأس الافعى الولايات المتحدة أقام الدنيا ولم يقعدها بشكوك امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشمل رغم تقين الجميع بعدم امتلاكنا لهذه الاسلحة او غيرها ولم يكتفوا بتجنيد عملائهم في المنظمات الدولية والمخارباتية ،بل ذهبوا بعيدا بغيهم وحقدهم الذي انهوه ليس باحتلال العراق بشكل غير قانوني ولا اخلاقي بل قتلوا اهله ودمروه وسرقوا ثرواته ونشروا الفساد فيه وشردوا اعزة اهله وعلمائه....في حين يعترف نظام الملالي الموالي للغرب والمهادن للكيان الصهيوني جهارا وعلى رؤوس الاشهاد وبكل وسائل الدعاية انه يخصب اليوارنيوم بكميات عابرة لانتاج الاسلحة النووية ،ولم يرف جفن امريكا وبريطانيا ومن يتبعهما من المنظمات الدولية لهذا الاعتراف وخطورته على الامن والسلم في العالم، وكأن مشكلتهم الازلية في الكرة الارضية حلت وانتهت بعد احتلال العراق وقرب زواله.
النظام الايراني حليف أزلي للغرب الامبريالي
في عام 2004 نشرت وسائل الدعاية الغربية الصهيونية شائعات عن قرب حدوث صدامات مسلحة بين امريكا وحلفائها بعد احتلالهم للعراق، واتذكر حينها في بداية ذلك العام المظلم كتبت مقالا تفصيليا وضحت فيه ان امريكا وحلفائها لايمكن ان يضحوا بأخلص حلفائهم شرطة الخليج العربي (الانظمة المتوالية على حكم مايسمى ايران) ولن يستخدموا القوة الصلبة ضد نظام الملالي ،لانهم صنعوا هذا النظام ومكنوه مثلما صنعوا نظام وابوه وفي عام 1979 غيروا الشاه (لابس البدلة) بشاه معمم مع حفظ وتطوير بألاداء المطلوب من الانظمة التي تحكم مايسمى ايران..واذا تخيلنا ان الغرب المتصهين سيزيل مايسمى بأيران ونظامها المرتبط مصيريا بعجلة ومصلح الغرب الصهيوني!!ماذا سيحدث في المنطقة وكيف سيكون شكل العلاقة بين امريكا وبريطانيا ومنظومة دول الخليج العربي؟فهل تبقى هذه الدول تحتاج الى حماية امريكا وبريطانيا بعد زوال بعبع الملالي؟!وهل ستستمر عملية حلب كل موارد هذه الدول بذريعة أطماع الشيطان الفارسي ؟.
حقيقة هناك تشابه بين الوضع في مايسمى ايران والولايات المتحدة وهذا سيكون عملا قويا في نهايتهما،فأيران وامريكا عبارة عن اقوام جمعت بقوة السلاح ودهاء السياسة ، ولكل من هذه القوميات (وبشكل اكثر وضوحا في واقع مايسمى بأيران اليوم) ثقافة وتاريخ ودين ومذهب وتقاليد وموقع جغرافي ناهيك عن الامتداد العرقي مع نفس القوميات..فالعرب الثائرون الان في الاحواز يمتلكون اهم معالم الثروات الاقتصادية والموقع الجغرافي الخطير يرتبطون بعلاقات لايمكن ازالتها مع اشقائهم بالعراق علما انهم كانوا الى عام 1925 بلدا واحدا حتى تآمرت بريطانيا وانتزعتها من العراق وقدمتها هدية لعميلها شرطي الخليج شاه ايران.... وهناك ايضا الفرس والأذريين الذي يرتبطون مع دولة اذربيجان والأكراد مع جنوب تركيا والبلوش والبختيارية واللرية وعلاقة اغلبهم بأفغانستان ،وهي تركية سكانية متباينة وتوزيعها القومي والجغرافي، يؤكد حقيقة الصعوبات التي تعترضها من ناحية التمثيل السياسي والحقوقي، وصراع هذه القوميات من اجل تحررها ومواجهتها لاستراتيجية إكراه الهوية التي تمارسها سلطة الملالي الحاكمة في إيران، ليس في التاريخ المعاصر فحسب بل منذ فترات تاريخية طويلة..وربما كانت هذه التركيبة السكانية الهشه تجعل مهمة تجنيد أي نظام يحكم طهران مهمة لاتحتاج الى جهود جبارة علما ان بريطانيا وامريكا قادرتان بسهولة على تحريك هذه القوميات ودفعها للاستقلال وبدعم دولي بسيط، ولذلك لاحظنا ان هذه القوميات تتحرك بين حين وآخر عسى ان تجد من يدعمها،واستطيع ان اجزم هنا ان حدود مايسمى ايران ستكون حدود ملتهبة جدا مع جيرانها من جميع الجهات بعد التغيير في افغانستان واحتمالية سيطرة طالبان على اغلب اراضيها،في وقت يتحرك به الاكراد المدعومين من ابناء جلدتهم في جنوب تركيا، مع تصاعد الثورة المباركة لابناء الاحواز العربية مع معلومات عن حراك في اماكن اخرى،بما يعني ان كل القوميات التي تشكلت منها ماتسمى ايران قد ذاقت ذرعا من هيمنة الملالي ومغامراتهم وطيش سياساتهم ضد هذه الشعوب وضد شعوب الدول الاخرى،فلم يعد احد يطيق وجود هذا النظام بأستثناء دولتا العدوان امريكا وبريطانيا..وهاتان الدولتان ان شعرا ان نظام الملالي اصبح عبأ عليهما فمن السهوله جدا ان يضحوا به كما ضحوا بغيره من الانظمة العميلة بعد ان تنجز المطلوب منها فترمى حطبا في نيران شعوبها.
امريكا في طريق التغير!!
للاسف بلعت بعض انظمة الخليج العربي الطعم وذهبت راكضة بأتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني ونسوا ان بامكانهم لو اتحدوا بشكل حقيقي من قطع رأس الافعى الاخرى في طهران.... وكثير من الناس لاسيما من العرب يتوهمون بأن امريكا وايران دولتان قويتان؟!وربما في هذا التوهم شئ من الحقيقة وتحديدا بالنسبة لامريكا ،لكن امريكا عام2021 ومابعدها ليست امريكا القرن الماضي ،وهي مهدده اليوم وغدا بما يوحي انها قوه آيله للزوال ،فالرئيس بايدن في طريقه الان او بعد حين (وهذا ما توقعناه سابقا) للتنحي بسبب وضعه الصحي وهذا يعني ان امريكا ستشهد ثان متغير خطير في هذا القرن وهو ان تحكمها أمرأة (ليست بيضاء) بعد ان حكمها اوباما الرجل الاسود،اضافة الى متغير جديد قد يكون فيه جانب ايجابي وهو اتجاه انهاء دكتاتورية الحزبين الجمهوري والديمقراطي واحتكارها للسلطة وفي ذلك عودة لحالة الديمقراطية متعددة الاحزاب التي كانت سائدة قبل الحرب العالمية الثانية في امريكا،كذلك فأن المتغيرات الاخرى بدأت تأخذ طريقها الى الواجهه مثل الازمات الامنية والاقتصادية وتأثير وباء كورونا،وتململ اكثر من عشرين ولاية (لاسيما الغنية جدا) ورغبتها الصريحة بألانفصال عن الولايات المتحدة الامريكية لان النظام الامريكي الحالي وسياساته وتدخلاته الخارجية وفشله الداخلي من كل النواحي وازدياد عدد الولايات الفقيرة الامر الذي جعل الطبقات المتنوره في الولايات الغنية تنظر الى حكام البيت الابيض انهم فشلوا فشلا ذريعا في انجاح تجربة اتحاد الولايات؟؟!!، مع ملاحظة مهمة جدا وهي ان تداعيات الانتخابات الماضية مازالت تنهش بجسد امريكا حيث تنقسم الولايات الى قسمين احدهما مايزال مقتنع ان هناك عملية تزوير ،وان ألاحقيه لترامب بالرئاسة وقسم سلم بولاية جو بايدن..الا ان عملية الانقسام على مايبدو أصبحت تؤرق البيت الابيض وتابعيه.
الوضع في المنطقة
المتوقع أن بايدن سيغادر البيت الابيض دون ان يعني ذلك تغيير في السياسات الخارجية الامريكية منذ ان قللت ادارة أوباما من أهمية الشرق الأوسط كأولوية لها ، لاسيما التي سبق لبايدن ان وضع اسسها أو له دور في صناعتها، وان على انظمة المنطقة بما فيهم حلفاء امريكا وبريطانيا التقليدين (العرب) ان يتحملوا مسؤولية حل مشاكلهم الداخلية وهذا يعني ان هذه الانظمة ستكون (كما ذكرنا قبل اشهر)،في مواجهة شعوبهم كما حصل في تونس وسيتكرر في اماكن اخرى حتما وهذا يعني الا ينتظر احدا من الادارات الامريكية حلولا سحرية فأولوية أميركا منذ أوباما هي ايقاف زحف ومنافسة النفوذ المتنامي بسرعة لروسيا والعملاق الصيني من النواحي الاقتصادية والتكنولوجية عالميا ، في حين ستتوسع تدخلات بريطانيا بشكل اوسع واعمق وأوضح في دول المنطقة (ستكون المسؤولة الاولى عن العراق) التي تمثل عمقا للمصالح البريطانية بمعنى ان تتحول بريطانيا من لاعب ثان الى اللاعب الاول علنا، وقد لاتكون هناك مغامرات اوتدخلات عسكرية مباشرة في المنطقة، أي ان الصراعات والحروب، ستكون كالعادة حروب بالوكالة، وتوازنات القوى الدولية والإقليمية في المنطقة، وأساليب القوة الناعمة والجراحية المحددة، وليس بعيدا عن هذا التوجه الضغط بأتجاه التصالح بين دول الخليج العربي رغم اننا شهدنا حالتين مختلفتين تمثلتا بالتقارب بين السعودية وعمان ، في حين لاحت في الافق بوادر اشكاليات ملفته بين الرياض وابو ظبي؟؟!! ومحاولات اوربية (بتكليف امريكي) محفوفة بالفشل لإيجاد حلول للحروب في اليمن وليبيا وسوريا والصراعات الأخرى دون الانخراط فيها.
مع كل هذه المصائب والكوارث تستمر أبواق الدعاية الغربية الصهيونية بالعزف كذبا على الحريات وحقوق الإنسان والعدالة والسلام وانتقال دول المنطقة إلى الديمقراطيات الموعودة، يشهد العراق فصلاً آخر من فصول استمرار وتطور أزماته الاقتصادية والامنية السياسية المعدة في المطابخ الامريكية البريطانية الصهيونية والمنفذة من خادمهم المطيع نظام الملالي في طهران..هذه الاوضاع المزرية القاسية اصبح واضحا انها أخذت صفة الديمومة والاستمرارية وبأوجه متعددة شملت كل نواحي حياة الشعب العراقي وضربت بأطنابها جذوره وحاضره ومستقبله ، ومنها التهديد الذي تمثّله الميليشيات الوقحة التابعة لايران، والعمليات التركية في الشمال، وألازمات المالية المفتعلة (رغم ازدياد عائدات العراق من بيع النفط في الاسواق العالمية نتيجة ارتفاع اثمانه التي تجاوزت عتبة اكثر 75 دولار).
الحكم البريطاني القديم الجديد للعراق
ان الامر الذي بات اكثر وضوحا من أي وقت مضى ان من احتلوا العراق ودمروه لايريدون حلولا لمشاكله ، بل العكس انهم يزيدون تعقيد اوضاعة بدهمهم لسياسات ذيولهم الذين جلبوهم معهم ونصبوهم حكاما خونة، على بلدنا وشعبنا، لاسيما بعد سلم الامريكيون مسؤولية ادارة العراق المحتل الى حليفهم وشريكهم بالجرائم بريطانيا والاخيرة بدأت بتصعّيب الأمور على عملائها من سياسيي الصدفه فهي من جهة تدعي انها تدعم حراك العراقيين الثائرين ضد العملية السياسية ومن جهة مقابلة تدعم بشكل او آخر استمرار المهازل والجرائم التي ترتكبها الثلة الفاسدة العميلة ضد الشعب العراقي ،ناهيك عن الإدلاء بالتصريحات العلنية عن مآسي الاوضاع الداخلية في العراق، لا سيما بعد يقظة الشعب العراقي وموقفه الواع الرافض إلى كل ما يمت بالصلة بالشؤون الإثنية والمذهبية، والتي لا يزال ظام ذيول الاحتلال يتشبث بتبعاتها وسعيه لاستمرار آثاره السلبية في أذهان العراقيين، لتحويل العراق الى كانتونات على اسس عرقية وطائفية، وهذا ما كان بعض العملاء في العملية السياسية الفاشلة يمنون أنفسهم بأستمرار التدخّل الامريكي المباشر في الشؤون الداخلية العراقية.
معروف ان قدرات بريطانيا وجهاز مخابراتها الخارجي (Mi 6 (في نسج وحياكة خيوط المؤامرات وصناعة الأزمات المختلفة ومنها الأمنية في العالم وهذا يعني اننا سنشهد اساليب قد تبدو مختلفة عن سابقاتها في العراق، ثمة خيارات اخرى للتعامل مع ملف الميليشيات الايرانية ووجودها في بغداد واطرافها ،او في المحافظات الغربية ولكن اغلب الظن أن هذه الجهود الموعودة سوف تصطدم بعراقيل فساد وضعف المؤسسات العراقية المتهرئة اساسا.