احتفظ بمنصبه الشكلي ٢٨ عاما.. طه محيي الدين معروف النائب الصامت للبكر وصدام
كان منصب معروف (الثاني يسارا) شرفيا يقتصر على تمثيل الرئيس في بعض المناسبات والزيارات البروتوكولية
الجزيرة- طه العاني/بغداد- شغل السياسي العراقي الكردي طه محيي الدين معروف منصب نائب رئيس الجمهورية في عهدي أحمد حسن البكر وصدام حسين منذ عام 1975 وحتى الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وكان عضوا في مجلس قيادة الثورة.
ويعد معروف من القيادات الكردية القليلة التي حصلت على مناصب رفيعة في النظام السابق، رغم أن منصبه لا يعدو من كونه شرفيا يقتصر على تمثيل رئيس الجمهورية في عدد من المناسبات وفي الزيارات البروتوكولية.
وبعد مسيرة سياسية دامت أكثر من نصف قرن، رحل معروف في 7 أغسطس/آب 2009 في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمّان، عن عمر ناهز 85 عاما بعد صراعه مع مرض سرطان الحنجرة.
بداياته
ولد معروف عام 1924 من عائلة عريقة وثرية في مدينة السليمانية، ثم أكمل فيها دراسته الثانوية وتخرج من كلية الحقوق في بغداد عام 1948، وبعد ذلك اشتغل بالمحاماة ثم دخل السياسة، بحسب الأستاذ الجامعي والباحث في التاريخ الكردي زیلوان عبد الله.
ويضيف عبد الله للجزيرة نت أن عائلة معروف تعود أصولها إلى مناطق شرق كردستان في إيران، ومن أبرز إخوته قادر آغا الذي تولى منصب رئيس بلدية السليمانية للفترة 1944-1950، ومرة ثانية 1951-1954، وذلك في العهد الملكي، حتى توفي عام 1956 بجلطة قلبية.
ويشير إلى أن معروف بدأ حياته السياسية مع حزب رزكاري "تحرر" الكردي عام 1945، حيث ساهم بتأسيسه آنذاك مع مجموعة من أصدقائه، وبعد تفكيك الحزب شارك في مؤتمر تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، في بغداد عام 1946، وأصبح عضو اللجنة المركزية.
وبعد ذلك استقال من الحزب الديمقراطي، ودخل السلك الدبلوماسي في ستينيات القرن الماضي وأصبح سفيرا للعراق متنقلا بين عدة دول، حتى تولى حزب البعث العربي الاشتراكي الحكم بعد الإطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف سنة 1968، بحسب عبد الله.
ويردف بالقول إنه بعد انشقاق الحزب الديمقراطي عام 1964 انضم إلى جناح إبراهيم أحمد وجلال الطالباني المعروف بجناح المكتب السياسي للبارتي، وبعد ذلك تبوأ عدة مناصب حكومية منها وزير الدولة ووزير الأشغال بالوكالة وغيرها.
ويبيّن أنه بعد فشل التمرد الكردي عام 1975 عقب إبرام اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، تولى معروف منصب نائب الرئيس آنذاك أحمد حسن البكر حتى عام 1979، وعندما تولى صدام حسين رئاسة الجمهورية استمر معروف في منصبه حتى الإطاحة بالنظام بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003.
نائب الرئيس
ويعرف العراقيون والمحيط الإقليمي معروف بقربه من صدام، وكان عضوا في مجلس قيادة الثورة، وأدى أدوارا مختلفة أخرى للنظام السياسي السابق حتى دخول القوات الأميركية، كما يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعزو شبيب أسباب مكوث معروف في منصب نائب الرئيس السابق، أنها تكمن في كونه شخصية براغماتية يجيد فن الإدارة والمعرفة بالتضاريس السكانية وبمكونات المجتمع العراقي.
وينوه إلى أن البعثيين أرادوا -من خلال وجود معروف في منصب مرموق بالدولة- كسب ود الكرد، وإنهاء التصادم العربي الكردي على المستويين الأمني والسياسي، ويأتي هذا بعد إعطاء الكرد حق الحكم الذاتي في إدارة إقليم كردستان.
هذا بالإضافة إلى أن الحزب الذي ينتمي إليه معروف هو الديمقراطي الكردستاني بزعامة عائلة البارزاني، وهنا تكمن العلاقة التي تطورت بين النظام السياسي والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا ما تمثل بالزيارات المتبادلة بين أقطاب الحزب وهرم السلطة في بغداد آنذاك.
وعن أدوار معروف يقول الأكاديمي العراقي "كان معروف يمثل الرئاسة في عهد البعث بعدد من المجالات الداخلية، حيث أنيطت به صلاحيات حقيقية لكنها محددة وفق ما يريده رئيس النظام آنذاك، وخارجيا كان ممثلا للنظام في عدد من المحافل لما له من قبول عند الأطراف العربية والإقليمية، إضافة لعلاقته مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة،، وكان النظام بحاجة لمثل هذه الشخصيات بعد العقوبات التي تعرض لها بعد غزو الكويت.
وأما على مستوى نظرة المكون الكردي إلى معروف، فيعتقد شبيب أن الحزب الديمقراطي بزعامة البارزاني كان ينظر لوجوده بصورة إيجابية عالية وفق تفاهمات قادها بين بغداد وأربيل آنذاك، في حين كانت نظرة الأحزاب الكردية الأخرى -كالاتحاد الكردستاني بزعامة الطالباني- سلبية، وكانت ترى في وجوده بالسلطة في بغداد تحطيما لطموحات الكرد وموقفها من السلطة السياسية.
سياسي براغماتي
من جانبه اعتبر الكاتب السياسي ريبوار علي جلبي منصب معروف بـ "الشكلي والصوري المجرد من كل الصلاحيات، حتى صار نكتة في الشارع الكردي".
ويروي جلبي للجزيرة نت قصة تعكس مدى ضعف صلاحيات معروف "حيث ذهب شخص كردي ليتوسط عنده في أمر بسيط، فاعتذر له لأنه بحاجة لتوسيط شخص أعلى منه رغم أنه نائب الرئيس".
ويصف الكاتبُ نائبَ الرئيس الراحل بأنه سياسي ودبلوماسي بامتياز، لكنه صامت وملتزم بسياسات حزبه أيا كان حزبه سواء الديمقراطي أو البعثي، وليس معروفا في مواقفه وتصريحاته، ودائما يكون مرشحا أولا لتولي المناصب الحكومية العليا داخل الحزبين، لكونه تنفيذيا يمشي مع مصالحه الشخصية والحزبية، باختصار هو "السياسي الصامت البراغماتي (النفعي) الذي يمسك العصا من الوسط".
ويشاطره الرأي اللواء الحقوقي محيي الدين محمد يونس الذي اعتبر قيام الحكومة العراقية آنذاك بإشراك معروف في المناصب الرمزية وتقريبه كان لمجرد إثبات وجود دور للأكراد في الحكومة وأنهم مشاركين في الحكم.
ويؤكد للجزيرة نت عدم وجود أي دور لمعروف في الحكومة سوى أنه كان كما يسمى ديكورا يظهر بين الحين والآخر بجانب الرئيس في أمور شكلية، مما جعله عرضة للتندّر بين المواطنين الأكراد.
ويذكر يونس أنه تطرق في أحد كتبه إلى استغرابه من إدراج اسم معروف ضمن قائمة المطلوبين الـ 55، مرجحا بأن القوات الأميركية قد ذكرت اسمه حتى يكون في هذه القائمة كردي.
اعتقال ثم عفو
وبعد سقوط نظام صدام ألقت القوات الأميركية القبض على معروف مطلع مايو/أيار 2003، قبل أن يتم إطلاق سراحه بوساطة الرئيس الراحل الطالباني لعدم ثبوت أي إدانة بحقه، كما يفيد الباحث عبد الله.
بدوره يوضّح جلبي كيف سلم معروف نفسه إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني حيث نقل إلى مسقط رأسه في محافظة السليمانية، وتم إسكانه بعيدا عن أنظار الناس، في منزل بقصبة دوكان السياحية، ولم يسمح لأي شخص أو أي صحافي بزيارته طوال إقامته هناك منذ ربيع عام 2003 وحتى ربيع 2009، حيث نقل بطائرة خاصة إلى العاصمة الأردنية للعلاج.
ويختم عبد الله حديثه عن معروف بأنه دفن في مدينة السليمانية بمقبرة (گردی سه یوان) بشكل سري حيث أقيمت له جنازة بسيطة من دون أي مراسم.