بطلة الجمباز سيمون بايلز
د. منار الشوربجي
بطلة الجمباز سيمون بايلز
لاعبة الجمباز الشهيرة سيمون بايلز اتخذت قرارًا ألقى الأضواء ساطعة على قضية صحية عالمية يصفها بعض العلماء بـ«الوباء العالمى». فقد قررت الشابة التى يلقبها الأمريكيون والعالم «بأسطورة كل العصور» الانسحاب من السباق فى أوليمبياد طوكيو، وأعلنت على الملأ أن السبب هو اعتلال صحتها النفسية.
فقد اختارت بايلز وهى فى قمة مجدها وبكل شجاعة أن تعلن عن مرضها وألا تسمح لنظرات الآخرين بأن تشعرها بالخجل لمجرد أنها مريضة. أكثر من ذلك، لم تتوارَ اللاعبة الموهوبة عن الأنظار، بل بقيت فى ساحة المسابقات بطوكيو، تحت سمع وبصر العالم، تشجع زميلاتها فى الفريق وتدعمهن.
وكانت بايلز هى ثانية اثنتين من اللاعبات الشهيرات تتخذ ذلك القرار وأعلنت السبب نفسه. فقد سبقتها فى ذلك بطلة التنس اليابانية ناعومى أوساكا حين انسحبت من بطولة فرنسا للتنس منذ شهرين.
وما فعلته البطلتان له أهميته التى تتخطى الملاعب. فرغم أن عدد المرضى النفسيين فى العالم يبلغ 264 مليونًا، و20% من الأطفال، وفق منظمة الصحة العالمية، لاتزال أغلب المجتمعات وبدرجات متفاوتة تُقصى المريض النفسى فيتعرض لشتى أنواع التحرش والإيذاء، بما فى ذلك اتهامه بالجنون. لذلك كانت تصريحات الشابتين بمثابة «تعليم» للجهلة أو الذين يتجاهلون بصلف ما يعيشه فى صمت المريض النفسى، إذ يئن متألمًا من مرضه ومن موقف مجتمعه فى آن معًا. والبطلتان لم تسلما، بالمناسبة، من ألسنة الجهلة بعد إفصاحهما عن مرضهما. لكن ذلك لم يثنِ أيتهما عن الإصرار على مواجهة الجهل والمرض.
فأوساكا، التى أعلنت صراعها مع مرض الاكتئاب، قالت إنها ظلت تحت ضغط هائل خشية «افتضاح أعراض مرضى» إلى أن أدركت أنه «بالمعنى الحرفى للكلمة، يعانى الجميع من أزمات نفسية أو على الأقل يعرفون شخصًا يعانى منها»، ثم وجهت دعمًا لكل المرضى «لا بأس من ألا تكون على ما يرام، وأن تفصح عن مرضك».
أما بايلز فقد شرحت فى عبارات بسيطة لكل من يريد أن يفهم طبيعة ما يعانى منه المريض، فقالت إنها انسحبت «حيث إننى لم أعد أستمتع بممارسة رياضتى المفضلة»، وحكت عن أعراض أخرى عانتها عند التعامل مع المحن القاسية المتتالية التى مرت بها منذ طفولتها قائلة: «كنت أظل نائمة طوال الوقت، فالنوم كان أفضل من أن أقتل نفسى»، وأضافت: «كانت تلك وسيلتى للهروب من الواقع، لأن النوم أقرب شىء للموت».
ثم لخصت فى عبارات مؤثرة طبيعة الصراع مع مرض النفس قائلة إنك كرياضى «حين تتعرض للإصابة أثناء الرياضة فإنك تعرف أنك ستتعافى بعد أربعة أسابيع.. ستة أسابيع.. لكن حين تمر بتلك الأزمات (النفسية) فلا هى أربعة أسابيع ولا ستة.. فلا يوجد سقف زمنى حتى تتعافى، وعليك أن تصارع يومًا بعد يوم».
وقد هبَّ عدد من أبطال الرياضة العالميين لدعم بايلز، فأعلن لاعب كرة السلة كيفين لاف هو الآخر أنه عانى كثيرًا من نوبات القلق الشديد، بينما لخص نواه وايلز، بطل الجرى السريع، الموضوع ببساطة قائلًا: «الصحة النفسية جزء من حياة البشر. فأنت تذهب للطبيب حرصًا على صحتك البدنية، وتذهب للطبيب النفسى حرصًا على صحتك النفسية».
وهذا الجدل الذى أثير عشية أوليمبياد طوكيو يشكل، فى تقديرى، صدمة لأولئك الأكثر جهلًا، لعلها تفتح أبواب الأمل لتغيير نظرة العالم للمرض النفسى. فها هم أبطاله الرياضيون، الأصحاء بدنيًا، ذوو اللياقة الرائعة، يعلنون عن صراعهم مع المرض النفسى، بينما يعرف القاصى والدانى أنهم ليسوا «مجانين»!.