ديموغرافيا
بقلم : جابر رسول الجابري
ديموغرافيا - الجزأ الأول
ديموغرافية اللغة
الديموغرافيا (Demographic) مصطلح علمي يهتم بدراسة وإحصاء الشعوب والمجتمعات الإنسانية وهو متكون من دمج كلمتين
- الكلمة الاولى ديمو ( Demo ) أي التجمع البشري (الشعب /السكان /المجتع )
- الكلمة الثانية غرافيا (graphic ) أي التفصيل والتجزءة .
إن كل مفردة كلامية مستخدمة في أي لغة من لغات الإنسان لها مصدر وقد يكون ذلك المصدر مقتبس من لغات أخرى أو مشتق من تسمية محلية وأن اغلب المصادر المتداولة في كل اللغات هي موروثات لغوية تم إكتسابها من لغات الانسان القديم التي إندثرت بسبب تغيرها وتحورها أو إنشطارها الى لغات اخرى عبر الزمن ، كما أن أي لغة لمجتمع أو قومية معاصرة تختلف عن لغة اجدادهم وستختلف أيضا عن لغة أحفادهم وتعتمد نسبة المسخ اللغوي أو التغيير الذي يطرأ في اللغة على فارق الفترة الزمنية بين عصر الأجداد وعصر الأحفاد وكذلك الاحداث والتطورات التي حصلت في العصرين وما بينهما ،
وهكذا أن أي لغة من اللغات المعاصرة مصيرها التغيير لاحقا حتى بوجود التدوين والتوثيق ، وبالرغم من أن الكتابة والتعليم قد يحدّا من سرعة التغيير إلا أن ذلك سيؤدي حتماً الى إنشطار اللغة الى لغتين احداهما اللغة المحلية التي أطلقوا عليها تسمية ( العامية ) والآخرى لغة تعليم مكتوبة سميت ( الفصحى أو الرسمية ) ثم بعدها ستظهر فجوة بينهما ورويدا رويدا تتسع تلك الفجوة لتكون بون شاسع فلا يبقى من اللغة الأصلية إلا مصادرها .
لهذا تجد أن غالبية الكلمات أوالمصطلح اللغوي سواء المحرف أو المشتق أو المتوارث قد اقتبس إما من مصدر مهاجر تحرف بسبب اللفظ أو طريقة النطق فبات مختلف عن الأصل الذي إندثر أو النوع الآخر قد تم إقتباسه من أقوام اخرى نتيجة التبادل التجاري أو بواسطة إختلاط الشعوب من خلال السياحة والسفر الى أرجاء الكرة الارضية ،
* الديم باللغة العربية تعني المطر الذي هو مصدر حياة الإنسان وكلمة الدام تعني اللحم وأن آدم مخلوق من اللحم ( وكسونا العظام لحما ) وأدم الأرض تعني جلدها الحي اي قشرتها والإدامة أو الدوام أي إستمرار الوجود وكلمة دمية صناعة شبه لمخلوقات الحياة وكل تلك الإشتقاقات لابد أن ترجع لكلمة قديمة حيث كان الانسان القديم يشير بها لمعنى الحياة وقد تحور بعضها أو تغير لفظها بسبب تغير النطق .
* الغرف هو التجزءة أو التقسيم (غَرفة ماء أي جزء من الماء / وغُرفة سكن هي جزء من بيت أو دار والغراف نهر بالعراق جزء من نهر كبير اسمه دجلة .
لهذا يكون معنى مصطلح الديم غراف باللغة العربية القديمة احصاء وتفصيل المجتمع.
* ديموغرافية التركيبة السكانية للشعوب
التغيير الديموغرافي أيضا يرسم مسار التركيبة السكانية للشعوب من أجل استحداث قوميات وإندثار أخرى حيث أن العرق القومي لأي شعب يتعرض دائما للتجديد بسبب تعرضه لعوامل الإندماج البشري بدماء جديدة فنجد دائما هناك أقليات عرقية تندمج مع أكثرية سبق وأن تكونت أيضا من عرقيات فيظهر بعدها مزيج قومي جديد يختلف عن أصوله ومكوناته ، هناك نوعين من الإندماج احدهما طوعي ( الهجرة أو الزواج ) والآخر قسري ( التهجير والتشريد والأسر والعبودية ) وفي كلا الحالتين يحصل إندماج وتذويب عرقيات ومثال على ذلك دمج العرق الآرامي مع العرب القحطانيين فنتج عنه العرب العاربة العدنانيين ،هاجر الاراميون فتحولوا الى قومية عبرية وحاليا اسرائيلية أو ما حدث لإنجلترا التي تعرضت الى أربع غزوات وفي كل غزوة يتم دمج عرق الغازي مع السكان الأصليين فتكونت الإنجليزية ثم تم توطين العرق الهندي والعربي وأخرى لذلك ستولد قومية جديدة مختلطة العراق، أو ما يحدث من دمج الآن في دول المهجر للمهاجرين مع السكان الأصليين ) .
لم تكن الأرض حيث إنبلج التأريخ مأهولة بالسكان كما هو الحال حاليا أو حتى عندما سطع فجر المدنية فغمر شعاعه حياة الإنسان على سطح الكرة الأرضية وبدد فترة الظلام ،
بدأ الإنسان القديم بالإعتماد على الصيد لتوفير قوته اليومي وقد كان وجوده على شكل فردي أو تجمع عائلي كما هو الحال في حياة الحيوانات البرية ثم تطور ذلك المجتمع العائلي الى مجتمع القبيلة عندما تغير اسلوب معيشته واتجه الى الرعي وتدجين الحيوانات ثم إتجه الى توطين وجوده عند ممارسته الزراعة فأدى هذا التطور الى ظهور حاجة لإختيار قيادة تتحكم وتقضي بسلوك وحركة تلك التجمعات القبلية فنشأت المشيخة ثم تطورت وتكاثرت القبائل وكثر الشيوخ فباتت هناك حاجة لقيادة الشيوخ أنفسهم فولدت الإمارة ، ثم بعد ذلك تطورت حياة المجتمع أكثر فأخذ الإنسان بممارسة التجارة والصناعة فتكونت المدن فهاجر الإنسان من القرى للسكن في المدن، ثم بدأ الصراع بين الإمارات على بسط النفوذ والسلطة فباتت الحاجة الى وجود حاكم يقضي ويحكم بين الإمارات فنشأت المملكة ثم تعددت المملكات فظهرت الامبراطوريات ثم نشأت الدول وفي القرن الماضي ظهرت الحاجة الى قيادة تلك الدول وتنظيم العلاقة بينها فتم إستحداث الأمم المتحدة ثم وفي هذا القرن الحالي توجهت الأمم لفرض نظام العولمة لكل المجتمعات الإنسانية ولا ندري ما سيؤول اليه الحال مستقبلاً في زمن الأحفاد .
تلك التطورات والاسباب سواء الاقتصادية ام السلطة والنفوذ أو الحروب التي أدت الى التهجير والأسر والعبودية والاحتلال دفعت بحياة الإنسان الى التغيير على مر الزمن وكانت هي السبب في كل التغييرات الديموغرافية،
وسنذكر أهم تلك العوامل التي ساهمت في نشأة التغيير الديموغرافي :
١- بسبب الحروب تم تهجير قسم كبير من المجتمعات ذوو أصول عرقية معينة وإندماجهم في مجتمعات بشرية ذات عرقية مختلفة
٢- الأسر أو السبي أو الاستعباد ( العبودية ) أدت كل تلك الى ذوبان تركيبات عرقية مختلفة لتكوين مزيج عرقي إنبثقت منه قوميات جديدة واندثار اخرى على مر الزمن .
٣- التزاوج يؤدي الى دمج قوميتين قد تكن مختلفة
٤- النزاعات القبلية في المجتمع الواحد أدت الى هجرة عوائل من تركيبة سكانية الى الاندماج في اخرى قد تكن بعيدة عن عرقها وانتمائها ،
لكل ما ذكرناه قد أدى الى نشوء وظهور قوميات جديدة تنتمي لمزيج متعدد من القوميات واختفاء أخرى .
.......................................
العاشر من آب عام الفين وواحد وعشرين
المملكة المتحدة