تأسيس منظمة هيئة الأمم المتحدة
د. ضرغام الدباغ
تأسيس منظمة هيئة الأمم المتحدة
المراسلات :
Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: drdurgham@yahoo.de
دراسات ـ إعلام ـ معلومات
العدد : 258
التاريخ : / 2021
تأسيس منظمة هيئة الأمم المتحدة
كتابة : تيلمان مولر / Tilman Müller
ترجمة : د. ضرغام الدباغ
من سلسلة دراسات سياسية نشرت في مجلة شتيرن الألمانية / هامبورغ / 2003
وكما أن الشعوب واجهت النتائج الصعبة للحرب العالمية الأولى، كان عليها أن تواجه الآثار الكارثية للحرب العالمية الثانية 1945، ومرة أخرى بادر الرئيس الأمريكي بالتقدم بوجهة نظر لتأمين السلام في العالم من خلال منظمة دولية، وهنا ظهرت منظمة الأمم المتحدة. (1)
كان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بتاريخ آب / 1941 يتمتع بإجازته على متن يخته أمام ساحل شبه جزيرة كابكود (Cape Cod)على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وكانت الحرب المشتعلة في أوربا بعيدة بالنسبة للأمريكيين. الرئيس في إجازة. ولكن في الواقع فإن هذه الرحلة البحرية الصغيرة، كانت بداية لمهمة كبيرة، كان يجب الحفاظ على سريتها، وإبقاؤها في الظلام، ومن اليخت، أنتقل الرئيس روزفلت إلى متن الطراد الأمريكي الثقيل " أوغستا " واقلع الطراد ووجهته خليج بلاكينتيا (Placentia) 800 ميل بحري إلى الشمال الشرقي، قبالة نيوفاونلاند، حيث ترسو السفينة الحربية البريطانية " أمير ويلز " وعلى متنها رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، حيث سيتم اللقاء بين الزعيمين.
في حزيران / 1941 قام هتلر بغزو الاتحاد السوفيتي، وتزايد أكثر فأكثر عدد الدولة المشاركة في الحرب، التي ستكلف حياة 50 مليون من البشر. والرئيس (روزفلت) الذي أشتهر بمقولة " لم يعد لدينا ما نخافه، سوى الخوف " الحرب التي حررت الولايات المتحدة من وضع بائس التي أنقذتها من دوامة الكساد الاقتصادي (Great Depression in the United States) التي ابتدأت منذ مطلع الثلاثينات.
والآن الولايات المتحدة ضد الديكتاتور النازي. وتعرض الآن الولايات المتحدة على الحلفاء المساعدات بسخاء، ويبدأ بتعبئة مواطنين بلاده ضد الحرب التي كانوا يرفضون الاشتراك بها، بشعارات مثيرة يقصد بها هتلر" إذا شاهدت أفعى تستعد للهجوم عليك، على المرء أن لا ينتظر أن تبادر بلسعه ".
في الاجتماع مع تشرشل
في اجتماع خليج بلاكينتيا (Placentia) لم يكن الرئيس الأمريكي يهتم بالعمل ذات الطابع الاستراتيجي والنصر العسكري، بل أكثر من ذلك، كان يريد أن ينهي عزلة الولايات المتحدة عن محيطها العالمي (كما فعل الرئيس تيودور ويلسون قبيل اختتام الحرب العالمية الأولى) وتأسيس منظمة أممية التي تضمن النظام والأمن لمرحلة ما بعد الحرب.
ولم يكن ليتصور أحياء منظمة عصبة الأمم الفاشلة، بل تأسيس منظمة جديدة ، تتمتع بسلطات أوسع. وكان روزفلت عام 1937 في سنته الخامسة، دعا روزفلت في خطاب له " الأمم المحبة للسلام " في العالم إلى الدفاع عن نفسها ضد انتشار الأمراض المعدية التي تنتهك الاتفاقات الدولية.
ويسعى الرئيس الأمريكي الآن المضي أكثر مما ذهب إليه الرئيس ويلسون في وثيقته التاريخية ذات ال 14 نقطة، وها هما الزعيمان (الرئيس الأمريكي روزفلت، ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل) يتباحثان في 14 / آب ــ أوغست ويصدران بيان مقتضب الذي يعتبر إلى حد الآن الخلية الأولى في تأسيس " ميثاق الأمم المتحدة".
وتلتزم القوتان الرئيسيتان فيهما بالتخلي عن توسيع الأراضي، وتطالبان بالموافقة الحرة للسكان المتضررين على التغييرات الإقليمية في المستقبل، وحق الشعوب في اختيار شكل حكومتها بحرية. وينبغي أن يتبع "التدمير النهائي للطغيان النازي" نزع السلاح العام، أولاً من قبل المهاجمين، ثم من جميع الدول الأخرى - باستثناء "رجال الشرطة العالميين" في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.
جاءت فكرة "رجال الشرطة العالميين" من روزفلت، الذي لم يفكر بعد في جلب جوزيف ستالين إلى الطائرة في صيف عام 1941. وهذا يتغير على أبعد تقدير عندما تعلن أمريكا الحرب على اليابان بعد الهجوم على بيرل هاربور في ديسمبر 1941 وتريد تحالفا واسعا، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي، لهزيمة دول المحور. عيد الميلاد 1941 ، واختير للمنظمة العالمية بالفعل اسم "الأمم المتحدة". ويقول الرئيس روزفلت الذي أختار الأسم بفخر " لقد حدث ذلك لي في منتصف الليل ". وبعد بضعة أيام، في 1 / يناير / 1942، وقعت 26 دولة، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي والصين (الوطنية) على اتفاق في واشنطن على أساس ميثاق الأطلسي، يسمى إعلان الأمم المتحدة.
وسوف يستغرق إنشاء الأمم المتحدة ما يزيد قليلاً عن ثلاث سنوات. سنوات يكون فيها الأميركيون في طليعة كل الأمور تقريباً، ولو فقط لأن جميع البلدان الأخرى تفتقر إلى الموارد بسبب الحرب. ويقع في قلب نادي القوى العظمى الجديد "المجلس التنفيذي" المؤلف من أربعة أعضاء دائمين: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين؛ وبالإضافة إلى ذلك، يمثل سبعة أعضاء غير دائمين من الدرجة الثانية مختلف مناطق العالم.
في السنوات الأخيرة من الحرب
يصبح من الواضح أن القوة العسكرية هو المعيار الحاسم في منتدى الشعب، الذي يفترض أنه ملتزم بالسلام العالمي. وكلما كان نجاح الاتحاد السوفييتي يتعاظم في ميادين الحرب ، تتصاعد معها قيمته في المؤتمرات التحضيرية للأمم المتحدة. في البداية لم يكن لها أي دور، ولكن من 1942 فصاعداً تفوقت تأثيرها حتى على بريطانيا العظمى, وفي نهاية من الحرب كان دورها (الاتحاد السوفيتي)هو المنافس الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية. وبات روزفلت، المحاور العظيم، لا يكاد يهتم بتشرشل بعد الآن، بل يتودد إلى جوزيف ستالين، حتى أنه أطلق على الديكتاتور اسم "العم جو".
ولم يكن ستالين ليوافق إلا مع إبداء تحفظات شديدة. ويوضح التطبيق العملي لمبادئ الأمم المتحدة أنها تتفهم (تتأقلم) الظروف والخصوصيات التاريخية لبعض البلدان. وفي مؤتمر دومبارتون أواكس/واشنطن (Dumbarton Oaks)، طالب الاتحاد السوفيتي في صيف عام 1944 بمقعد لكل الجمهوريات ال 16 المنضوية تحت الاتحاد السوفيتي، ولكت الرئيس الأمريكي روزفلت رفض هذا المقترح، ومنح مقعدين لكل من أوكرانيا وبيلاروسيا.
وفي مؤتمر يالطا (مصيف يقع جنوب الاتحاد السوفيتي على البحر الأسود)، شباط / 1945 أشتد القتال في الجبهات، نجح تشرشل أن يحصل على مقعد دائم لفرنسا (بعد تحريرها) كدولة خامسة من الدول الرائدة في مجلس الأمن. ولكن ستالين يضعف الدول الغربية بإصراره على أن يكون حق النقض (الفيتو) غير المقيد على جميع القرارات، من أجل حماية مصالحها (الدول الخمسة)، ويؤيد الأمريكيون حق النقض الفيتو، ولكن السوفيت هم من سيوصلون هيئة الأمم المتحدة إلى حافة اليأس. فستالين يحول دون أي مطالبة بانتخابات حرة في مجالات نفوذه، وبذلك التخلي عن المكاسب الإقليمية فضلاً عن حق الشعوب بتقرير المصير.
روزفلت قبل بحلول توفيقية، إذ لم يكن بوسع فعل شيئ آخر، فقد فرض الجيش الأحمر السوفيتي مطالب ستالين،، وكان على القوتين الأعظم المؤسستان أن يدركا أن أن فكرة إنشاء منظمة دولية تعبر عن النظام الدولي الجديد لا يمكن أن تتحقق طالما الحرب متواصلة، وتردد دخول العديد من الدول في العالم في المنظمة لأسباب أمنية. وقد أجتمع ممثلوا 50 دولة بتاريخ 25 / نيسان في مدينة سان فرانسيسكو / الولايات المتحدة لتأسيس المنظمة الدولية. ولم يكن مهندس هذا الجهد حاضراً، إذ توفي الرئيس روزفلت 13 عشر يوماً قبل إعلان التأسيس بسكتة دماغية.
الرئيس هاري ترومان الذي خلف الرئيس روزفلت، قام بأفتتاح المؤتمر الذي حضرة 200 مندوب من كافة أرجاء العالم تلفونياً، واستمعوا لخطابه (لاحقا فقط تمكن من التحديث معهم مباشرة)، وقد جرى تصميم شعار المنظمة الدولية : الكرة الأرضية بلون أبيض على أرضية زرقاء، قام بتصميمه فريق من الاستخبارات الأمريكية (OSS) الذي أستخدم في جوازات سفر العاملين في المنظمة وكعلم للمنظمة.
كان " الثلاثة الكبار " نجوم المشهد، مندوبي القوى المنتصرة، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى، والاتحاد السوفيتي. السوفيت بشكل خاص كانوا يتسببون ضجة بسبب أحذيتهم سيئة الصنع، كما يقول صحفي من مجلة لايف الأمريكية، ويسخرون من التشدد والسرية في تحرك السوفيت، " والسفينة المليئة بالفودكا والكافيار " . (2)
كان عدم الثقة، واختلاف النظم في المنظمة العالمية الجديدة واضحاً منذ ساعة ولادتها. ومع ذلك كانت أمم العالم المنهكة من الحرب، واليت حضروا إلى مشارف جسر البوابة الذهبية (تشتهر بها سان فرنسيسكو) ويعملون بمثالية.
بدا أن حلم السلام، ونهاية الطغيان، والديمقراطية للعالم، كل هذه بدت في متناول اليد. طيلة شهور يعمل المبعوثون، حتى توصلوا لوضع ميثاق الأمم المتحدة بمواده ال 111 مادة، بتاريخ 25 / حزيران / 1945. برؤية تتجه صوب : " حماية الأجيال القادمة من ويلات الحروب التي تسببت مرتين في عصرنا بمعاناة لا يمكن وصفها ". يتعهد المؤسسون " حماية السلم والأمن الدوليين ". (3)
تأسيس منظمة الأمم المتحدة على أراضيها
تستعرض الولايات المتحدة القوة العالمية الجديدة أمام الرأي العام العالمي، لقد ولى زمن الضمير السيئ، عندما لم تنظم الولايات المتحدة لعصبة الأمم (رفض انظمامها). ويقع تشكيل المنظمة الدولية الجديدة تحت (كنف) أنظار وزارة الخارجية الأمريكية. وتولى أحد موظفيها، الغار هيس (Alger Hiss) مسؤولية الإدارة، والذي كان قد رافق الرئيس روزفلت كمساعد في مؤتمر يالطا. وهو رجل لا يتسم بالوضوح (شأن معظم رجال المخابرات)، وله صلات جيدة مع الاستخبارات الأمريكية. وقد قام شخصيا بنقل الميثاق الجديد (بعد إقراره) إلى العاصمة واشنطن في رحلة طيران خصوصية لهذا الغرض، وقد رمت الوثيقة بمظلة تحسبا ما إذا تعرضت الطائرة للسقوط.
وفي تشرين الأول / أكتوبر / 1945، سيجري التصديق على الميثاق من الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن، وكذلك من أغلبية البلدان الموقعين، وفي 10 / كانون الثاني ــ يناير / 1946 سينعقد الاجتماع العام الأول بحضور ممثلين من 51 أمة في لندن.ولا يزال حتى ذلك الوقت لا يوجد رجل للمنظمة رئيس حقيقي. وكان الرئيس الأمريكي روزفلت قد اقترح لرئاسة المنظمة الشخصية السياسية البريطانية البارزة " السير أنطوني إيدن، أو الجنرال الأمريكي دوايت أيزنهاور (العام العام لجيوش الحلفاء)، ولكن وفق النظام الأساسي للمنظمة، الذي يحظر تعين رئيسا لها من مواطني الدول الخمس الدائمة العضوية : الولايات المتحدة ، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا العظمى، فرنسا، الصين الوطنية. تجنباً للمشاكل، وبدا أن المرشح الذي ستكون له الفرصة، هو من يمتلك أقل قدرا من العداء من الأعضاء.
ويقول لي تريغفي(Trygve Lie) النرويجي الذي أنتخب بمنصب أول أمين عام للمنظمة الدولية (الأمم المتحدة)، بتاريخ 1 / شباط / 1946 يقول أن " وظيفته هي الأكثر استحالة في العالم ". والسوفيت الذين يتحسسون كل شخصية لها ميول غربية، وافقوا عليه، لأنه كان وزيرا أسبقا للنرويج ويعيش في المنفى، وقد أثبت السيد لي مقدرة على التعامل والتفاوض.
وعندما اندلعت الاضطرابات في الشرق الأوسط، أرسل الأمين العام مئات من جنود الأمم المتحدة، كبداية لبعثات السلام. والبداية الأولى انتهت دموية ففي 17 / أيلول / 1948 قتل الوسيط الدولي السويدي (مندوب الأمم المتحدة)، الكونت فولك برنادوت في النزاع الفلسطيني، برصاص المتشددين اليهود. (4)
تميزت المداولات حو المنظمة بالخلافات. وبعض الدول الأعضاء كانوا يريدون أن يكون المقر العام في أوربا، والبعض الآخر يطالب ببداية جديدة في قارة أخرى، وكان لفشل المنظمة السابقة "عصبة الأمم " يستدعي وضعها في قارة أخرى، ، وبعد فترة طويلة من المداولات ، تبرع جون روكفلر (الثري الأمريكي) بمبلغ 8,5 مليون دولار لشراء مسلخ سابق على الضفة الشرقية في مدينة نيويورك.
شهد عام 1949، وضع حجر الأساس بإشراف ورعاية السكرتير العام تريفغي للبناية التي ستكون المقر العام، وستشهد الأمم المتحدة قريباً واحدة من أشد الساعات ظلاماً حالكاً في تاريخها. الأمين العام تريفغي لم يفعل شيئاً ليحد من ذعر الذي أصاب السيناتور الأمريكي جو مكارثي (Joe McCarthy) الذي كان يطارد الشيوعيين في كل مكان، حتى على أرض المقر العام للأمم المتحدة، حيث قام 1952 موظفون من وكالة التحقيقات الفيدرالية بأخذ بصمات أصابع موظفي البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة. وألقي القبض على بعضهم، ورفضوا تدخل تريفغي للحفاظ على حصانة المنظمة الدولية ، وحتى هيس (الموظف الرفيع في الخارجية الأمريكية والرئيس المؤقت للمنظمة) وضع خلف القضبان بتهمة التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي. (5)
وهيستيريا على الجانب الآخر أيضاً
وكان الاتحاد السوفيتي أيضا يقوم من جانبه بالتدقيق التام من ولاء كافة الموظفين العاملين في الأمم المتحدة، إن إنعدام الثقة الذي كان قائماً منذ مؤتمر يالطا (1945)، يتواصل الآن في زمن الحرب الباردة، والإعجاب بالأهداف النبيلة للمنظمة قد تلاشت، والوعود بنزع السلاح، حل محلها مساعي محمومة من القوى المنتصرة بزيادة ترسانتها من الأسلحة، وتحت شعار الخوف من الشيوعية، وهيمنتها على العالم، وسرى الأمر إلى الأمم المتحدة التي استخدمت كمنبر إعلامي ودعائي.
لم يكن شيئ ليشل عمل هيئة الأمم المتحدة خلال فترة الحرب الباردة، كاستخدام الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن المتزايد لحق النقض الفيتو (Veto). فقد أستخدمها الأعضاء الدائمون حتى عام 1989 235 مرة، فقد أستخدمها الاتحاد السوفيتي 115 مرة، تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمته 69 مرة، معظمها كانت لصالح إسرائيل. وفعل البريطانيون ذلك 30 مرة، والفرنسيون فعلوها 18 مرة، والصين الوطنية (تايوان حتى عام 1974) 3 مرات. والاستخدام الكثير للاتحاد السوفيتي لحق الفيتو مكنها من التوسع، فقد أعقب التدخل السوفيتي في هنغاريا مناقشات حادة في مجلس الأمن، ولكن الفيتو كان بحسمها لصالحهم (السوفيت). (6)
ما تفعله القوى الخمس دائماً
لم يكن لمجلس الأمن سلطة ليعارض، وقد وضع الفرنسي المتخصص في القانون الدولي باول رويتر (Paul Reuter) عمل الأمم المتحدة في صيغة : في حال حدوث نزاع بين دولتين صغيرتين يختفي الصراع. أما في حال الصراع بين دولة كبيرة ودولة صغيرة، تختفي الدولة الصغيرة، وفي الصراع بين دولتين كبيرتين، تختفي الأمم المتحدة .
يجري في الأمم المتحدة رصد سباق التسلح النووي بين القوى العظمى الخمس، ففي عام 1945 كان الأميركيون قد فجروا أو قنبلة ذرية فوق مدينة هيروشيما، وبعد ذلك بأيام فجروا قنبلتهم الثانية فوق مدينة ناغازاكي اليابانيتين. وفي عام 1949 أمتلك السوفيت السلاح النووي، وبعد ذلك بوقت قصير أمتلك أعضاء مجلس الأمن الثلاثة الرؤوس النووية، وحتى أعوالم الستينات كان هناك من الرؤوس النووية ما يكفي لتدمير الكوكب الأرضي بأكمله. ومنذ الحرب الباردة كان الموقف النووي قد أخرج الأمر من أيدي الأمم المتحدة كمنظمة ساعية للسلم.، فالمنطق النووي هو الذي يحكم العلاقات بين القوى العظمى ويحكمها بالتعايش السلمي.
والأمم المتحدة كانت متواجدة تقريباً في جميع الأزمات الساخنة، ومتواجدة في مناطق ما بعد الحروب، وأيضاً وبالمقام الأول تواجد بعثاتها المختصة بشؤون اللاجئين والسلام. في سوريا ولبنان، وإيران، وإندونيسيا. ولعبت في الحرب الكورية دورا مهما. عندما قامت كوريا الشمالية بدعم من ستالين بالهجوم غلى جنوب كوريا، قرر مجلس الأمن بأغلبية 7 أصوات مقابل صوت واحد، بدعم كوريا الجنوبية، وصد الهجوم المسلح واستعادة السلام.
القرار الذي فرض لأول مرة التدابير القسرية
يقرر مثير المشاكل للسلم، أنه بسبب الظروف، الصوت المعارض جاء من يوغسلافيا، حق النقض الذي يتمتع به الأتحاد السوفيتي أفتقد بسبب الاحتجاج على القرار السابق مجلس الأمن بعدم إحلال الصين الشعبية (الشيوعية)، بدلاً من مقعد الصين الوطنية (الموالية للغرب).
وأعقب القرار الذي صدر بتاريخ 27 / حزيران، إرسال أول قوة سلام، وكان جنود القوة يتألف من : بريطانيا، كندا، تركيا، أستراليا إضافة لأثني عشر دولة أخرى، ليسوا خاضعين للقيادة المشتركة كما أمر الأمين العام تريفغي، بل تحت القيادة المباشرة للجنرال الأمريكي دوغلاس ماك آرثر، الذي يتلقى توجيهه من الرئيس الأمريكي ترومان مباشرة، ويرسل تقاريره إلى واشنطن، حيث يتم تحضيرها ثن تقدم لمجلس الأمن، وهو سياق رد عليه الاتحاد السوفيتي باحتجاج، وهذا ما كان يضعف عمل الأمم المتحدة ويهمش دورها : " الأمم المتحدة تحتضر " هكذا كان عناوين الصحافة الأمريكية.
في نفس الوقت، كانت لهجة مجلس الأمن أكثر شدة.
بعد الهدنة في كوريا عام 1953، قام المندوب السوفيتي في هيئة الأمم اندريه فيشنسكي هدد بقبضة يده المندوب الأمريكي هنري كابوت لوج، وزميله البريطاني السير غلادوين جيب بوصفهما ينحدران من عرق سيادي(بورجوازي). وأنتقد الأمين العام للمنظمة هذا التصرف، ولفترة طويلة لم يعد يدعوه لحفلات الاستقبال التي يقيمها. وقبل نهاية ولايته الثانية استقال الأمين العام، ليتولى من بعده اسكندنافي آخر هو السويدي البارون داغ همرشولد (Baron Dag Hammarskjöld). وكان عليه أن يعمل لأن تستعيد المنظمة الدولية وتكتسب المزيد من القوة والاستقرار.
كان على الأمين العام السويدي أن يقوم أولاً بمنه رجال الاستخبارات الأمريكية من دخول مقر الأمم المتحدة، فقد كان يعتبر وجودهم " لا يطاق بشكل مطلق " ومحاولته استعادة الأمم المتحدة لدورها الجاد، ترافق مع حادث وقع في بكين، إذ حكم على أحد عشر طياراً أمريكياً أسقطت طائراتهم هناك، وأتهموا بالتجسس وحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة. وطالب الأمريكيون وعلى رأسهم الحزب الجمهوري، إلى فرض حصار على الصين، وهذا ما يهدد بقيام حرب جديدة في القارة الآسيوية.
طار همرشولد إلى الصين الشعبية وتفاوض مع رئيس الوزراء الصيني شوان لاي طيلة أربع ليال لمدة 13,5 ساعة في قاعة الزهور. الدبلوماسية الصينية الدقيقة منحت الشعور بأنه مخلوق بربري، إذ جرى الماراثون الدبلوماسي بين الأرستقراطي السويدي والصينيين، أتت ثمارها فعلاً، إذ أطلق سراح الطيارين بعد بضعة شهور في 29 / تموز / 1955 كهدية شخصية للأمين العام بمناسبة عيد ميلاده الخمسين.
وبرعاية الأمين العام همرشولد، مرت الأمم المتحدة بتغيرات عميقة. وحتى عام 1960 أرتفع عدد أعضاء الأمم المتحدة إلى 98 دولة.، ومعظم الدول الجديدة كانت من بلدان العالم الثالث، وخاصة من أفريقيا. وتحاول البلدان الفقيرة أن تحافظ قدر الإمكان على ابتعادها من صراعات الغرب والشرق. وكان اهتمامها ينصب على مساعدات التنمية، والرعاية الصحية، وعلى قضايا النضال من الاستعمار. وكان هذا يمثل تحولاً هيكلياً في بنية الأمم المتحدة، يجتذب نحو 33% من ميزانية المنظمة، ولم يكن ذلك مستحباً في الولايات المتحدة.
في 29/ تشرين الأول ــ اكتوبر / أندلعت أزمة السويس
تهاجم إسرائيل وفرنسا وبريطانيا مصر، التي تريد أن تؤمم قناة السويس. وفي حالة أتفاق نادرة، طالبت : الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن بإنهاء فوري " للعنف ". ولكن فرنسا وبريطانيا رفضتا قرار الفيتو، وهدد الاتحاد الأتحاد السوفيتي بأستخدام الأسلحة النووية. وعقدت جلسة طارئة لمجلس الأمن في صباح يوم 2 / تشرين الثاني ــ نوفمبر / 1956 وتقرر " وقف إطلاق نار ". وستقوم الأمم المتحدة " بطلب أمريكي " في غضون 48 وستقوم بمراقبة وضمان تنفيذ القرار. (7)
في مكتبه في الطابق 38 من مبنى الأمم المتحدة في نيويورك،، وباشر أعمال الاستعدادات من أجل نشر قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، (UNEF United Nations Emergency Force) وهذه ستشكل حاجزاً بين الأطراف المتنازعة. وهذه المرة سوف لن تكون قوات حفظ السلام، بقيادة جنرال أمريكي، بل تحت قيادة مشتركة من مختلف الدول المنضوية في الأمم المتحدة، وسيرتدون للمرة الأولى الخوذات الزرق. بعد تسوية " نزاع " السويس، ستستخدم قوات الخوذ الزرق، في جميع أرجاء العالم حتى يومنا هذا بدرجات نجاح متفاوتة، وكان الأمين العام همرشولد، يأمل من ذلك، أن تكون الأمم المتحدة القوة الثالثة بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) خلال الحرب الباردة، على سبيل المثال، كما حصل في الكونغو عندما اندلعت " الفوضى " في ذلك البلد هام 1960، وتدخلت الأمم المتحدة بقوات (ONUC (Organisation des Nations Unies au Congo) بقوة يبلغ تعدادها 20,000 ألف رجل. وبذل همرشولد جهوده، وسافر عدة مرات بنفسه إلى الكونغو، وأبدى السوفيت معارضة لأعماله هناك. وبصورة علنية دعا الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف في نيويورك/ آب / 1960 في اجتماعات الجمعية العامة، البلدان المنظمة حديثا للأمم المتحدة، لخلع الأمين العام همرشولد. وأن عهد الاستعمار الغربي قد ولى، وأن البلدان المتحررة ستجعل المستعمرين الغربيين يرقصون كالسمكة حين توضع في المقلاة . ( وكان الأمين العام للمنظمة، يطرح نفسه محاميا للضمير العالمي، وكان البريطانيون والأمريكان يحاولون إفساد مهمته. وفي 17 / أيلول ــ سبتمبر / 1971، طار لمقابلة زعيم المتمردين موريس تشومبي، للتفاوض على وقف لإطلاق النار، وقبل أن تهبط طائرته في مطار ندولا بوقت قصير، (اليوم ضمن دولة زامبيا، سقطت طائرته وكانت من طراز (DC-6)، ولقى مصرعه، وكان معه 15 راكباً.
وليس من غير الواضح حتى يومنا هذا، ما إذا كان خلف مصرع الدبلوماسي اللامع أجهزة استخبارية، ويتساءل الدبلوماسيون من خلفاء همرشولد، ممن يواجهون أوضاعا صعبة " ماذا أستطاع داغ همرشولد أن يفعل ,,,؟ " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
1. تقدم الرئيس الأمريكي ويلسون بعد الحرب العالمية الأولى بمبادرة سلام في مؤتمر باريس، ثم نشأت على أثرها منظمة عصبة الأمم.
2. هنا تحامل واضح غير مبرر ضد السوفيت.
3. أثبتت تجارب السنوات اللاحقة أن الكلمات لم تكن سوى تطمينات دعائية، وبعد أقل من أربعة سنوات اندلعت الحرب الكورية، وأنزل الأمريكان قواتهم في كوريا، وبدأوا بتأسيس الأحلاف العسكرية حول العالم كحلف الناتو، واندلعت الحرب الباردة التي تواصلت لنحو 30 عاماً، ودارت في شتى بقاع العالم.
4. يطلق علي المأساة "النزاع الفلسطيني"، ثم يتجنب إدانة إسرائيل بقوله "متشددين يهود ".
5. في مطلع الخمسينات مارست الأجهزة الأمنية الأمريكية بقيادة السناتور البارز جوزف مكارثي الذي كان يعتقد أن في الولايات المتحدة جيش من الشيوعيين والجواسيس في وزارة الخارجية، وسياسيون وصحافيون وأكاديميون، ودارت حملة اعتقالات واسعة شملت شخصيات باارزة مثل: مارت لوثر كينغ، والفنان شارلي شابلن، والبرت آينشتاين، والموسيقار آرمستروتغ، والممثل ستراينغ هايدن، والاعتقالات كانت تتم على الشبهة ودون أدلة. وطرد ألاف من وظائفهم، وسجن الكثيرون، وسميت تلك المرحلة البوليسية بالمكارثية .
6. مجموع استخدام القوى الغربية لحق الفيتو هو 120 مرة، أي أكثر من الاتحاد السوفيتي بخمس مرات.
7. لاحظ التعديلات اللغوية الماهرة : بدل عدون ــ هجوم / أزمة، بلد كلمة حرب ــ أعمال عنف ...! وإظهار دور إيجابي للولايات المتحدة مضاد للعدوان والحرب ... رغم أنها كانت تحاط علما بكافة التحضيرات ..!
8. الغرب كان يسعى لوضع الدول المتحررة في أفريقيا (بعد أن عجزت الدول الاستعمارية بالسيطرة عليها) يريد أن يضعها بلداً ضعيفة ناقصة السيادة، بقيادة مرتزقة وعملاء لها، تحت هيمنتها، ومقاومة الحركات الوطنية الساعية للاستقلال وبناء الدولة الوطنية، كالزعيم باتريس لومومبا، والأمم المتحدة " لم تقف ضد تلك المساعي " ومواقف همرشولد المتأرجحة لم يكن الغرب ليقبلها، فدفع حياته ثمناً لها.