كتبي في كابل رواية الكاتبة النرويجية اوسنا سيرستاد
ترجم مقدمة الرواية عن السويدية / مؤيد عبد الستار
كتبي في كابل رواية الكاتبة النرويجية اوسنا سيرستاد
بين زمن نشر الرواية وعودة طالبان الى الحكم في افغانستان 20 عاما.في هذه الحقبة الزمنية من المدهش ان نقرأ الاحداث بفضول يكشف الحال الذي كانت عليه البلاد والمجتمع وما آلت اليه في خضم الاحداث الدراماتيكية التي تمر بها افغانستان اليوم.
عام 2001 في اولى زيارتها لافغانستان تلتقي اوسنا بسلطان خان . كانت قد رافقت قوات التحالف وأمضت ستة اسابيع في شمال افغانستان قرب الحدود الطاجيكية في جبال هندكوش في وادي بانج شير، شمال كابل.
كما رافقت قوات التحالف في هجومها على فصائل طالبان في منطقة تلال صخرية وانتقلت معهم بواسطة سيارات عسكرية وأحيانا على ظهور الخيل وأخرى سيرا على الاقدام.
في هذه الرواية تكتب اوسنا عن أسرة أفغانية ، هناك الملايين من الاسر الاخرى ، ولكن هذه الاسرة التي تكتب عنها ليست اسرة تقليدية ، انها أسرة من الطبقة الوسطى ، فيما اذا كان بالامكان الحديث عن افغانستان بهذا الشكل.
عند سقوط طالبان ذهبتُ مع قوات التحالف الى كابل وفي احدى المكتبات لبيع الكتب التقيت رجلا لطيفا خط الشيب مفرقه ،بعـد أسابيع من لعلعة الرصاص والتكتيك العسكري ، يطيب تقليب كتاب والحديث عن الادب والتاريخ .
سلطان خان صاحب المكتبة لديه رفوف من الكتب بعدة لغات ، مجموعات شعرية ، بطولات افغانية ، كتب تاريخية ، روايات ..انه بائع ماهر.
حين غادرت المكتبة بعد زيارتي الاولى لها حملت معي سبعة كتب، أعود اليه حين تسنح لي فرصة من الوقت لتصفح الكتب والتحدث الى هذا البائع اللطيف،الافغاني الوطني الذي هوجمت بلاده عدة مرات .
قال لي : في البداية أحرق الشيوعيون مكتبتي ثم حطمها المجاهدون ومن بعدهم أحرقها الطالبان أيضا.
يوما دعاني الى العشاء في دارهم .
حول خوان وفير الطعام جلست على الارض زوجته الوحيدة وابناؤها وبناتها والاخوة والأم وبعض الاقارب.
سلطان يروي الحكايات والابناء يضحكون ويمزحون.لاحظت أن النساء قليلات الحديث. زوجة سلطان الشابة الجميلة ، تجلس صامتة قرب الباب مع طفلها الرضيع دون أن تنبس ببنت شفة .
زوجته الاخرى لم تكن موجودة في هذه الامسية. النساء الاخريات اعتنين بالطعام دون المبادرة بأي حديث.
حين خرجت من البيت ، حدثت نفسي قائلة :
هذه هي افغانستان. هذه الاسرة تمثل موضوعا جيدا للكتابة عنها .
في اليوم التالي التقيت سلطان في مكتبته وشرحت له فكرتي .
- ألف شكر . قال سلطان فقط.
- ولكن ذلك يعني أن أسكن معكم .
- أهلا ومرحبا بكِ.
- يجب علي أن اتابعكم في كل شيء، أعيش مثلما تعيشون مع زوجاتك واخواتك وابناءك .
- أهلا ومرحبا بكِ. قال سلطان بثقة .
في يوم غائم من أيام شباط / فبراير ، انتقلتُ الى بيت أسرة سلطان. الشيء الوحيد الذي حملته معي الكومبيوتر ودفتر ملاحظات ، اقلام ، هاتف دولي .
رحبت بي الاسرة ، وحصلت منهم على بساط فرش على الارض قرب الفتاة ليلى ، التي كلفت بالسهر على راحتي وتلبية احتياجاتي في جميع الاوقات.
- أنتِ طفلي الصغير...سأرعاك ِ. قالت الفتاة ذات التسعة عشر عاما.
علمت فيما بعد أن سلطان أصدر تعليماته للاسرة تلبية طلباتي والذين يخالفونها سوف يعاقبهم.
طوال اليوم يقدمون لي الطعام والشاي.
بتأني دخلت حياة الاسرة. كانوا يخبرونني بالاشياء حين تكون لهم الرغبة في الحديث وليس حين أسألهم أنا.
وليس مهما أن يكون معي دفتر الملاحظات أم لا. ربما أثـناء زيارة للسوق أو عند ركوب الحافلة - الباص- أو خلال جلسة مسائية .
الاجوبة تأتي لوحدها لتلك الاسئلة التي لا اتخيل طرحها.
كتبت باسلوب أدبي تلك الاحداث التي كنت عشتها أو تلك التي رواها لي أبناء الاسرة الافغانية.معظم الاحداث التي وصفتها هي تلك التي مررت بها، مثل حياتي في البيت والسفر الى بيشاور ، لاهور، التسوق من البازار ، العرس والتحضير للعرس، الحمام ، المدرسة ، ملاحقة عناصر القاعدة ، مركز الشرطة والسجن .
الاحداث الاخرى لم أكن موجودة ولا حاضرة فيها ، مثل مصير جميلة، مغامرات رحيم الله ، أو حين التقى منصور بناته في الدكان.انها حكايات أخبروني بها على كل حال .
جميع أفراد الاسرة يعرفون اني معهم من أجل كتابة كتاب،واذا رغبوا بعدم كتابة أو تسجيل شئ ،عليهم اخباري بذلك مقدما.رغم ذلك قررت أن أبقي أسرة خان والاشخاص الاخرين في الظل، ولا أعرّف بهم .
لم يطلب مني هذا أحد ولكني رأيت ذلك هاما .
مضت أيامي مثل أيام أسرة خان ، أنهض مع صراخ الاطفال وطلبات الرجال. ثم أقف في الطابور بانتظار الحمّام أو أنتظر حتى ينتهي الجميع ، وأكون محظوظة اذا توفر الماء الحار، وتعلمت بسرعة ان استخدام قدح ماء لغسل الوجه خير منشط.
أبقى بعد ذلك مع النساء في البيت، نزور الاقارب أو نذهب الى السوق، أو نبقى مع الاطفال في مكتبة سلطان خان.
في المساء أتناول طعام العشاء مع العائلة وأشرب الشاي الاخضر حتى يحين وقت النوم.
أنا ضيفة ،ولكني أصبحت من أهل الدار بسرعة،وهم يسهرون على رعايتي.الاسرة كريمة وصريحة معي.ومن النادر أن اكون غضبت على أحد من أسرة خان، أو جادلت بالحاح أحدهم ، ولم أفكر أبدا صفع أحدهم .
الشيء الوحيد الذي كان يزعجني على الدوام هو معاملة الرجال للنساء.التسلط الذكوري كان منغرسا فيهم بحيث لاجدال فيه ولا سؤال عنه .
في المناقشات معهم كانوا يؤمنون بأن النساء أغبى من الرجال وانهنّ يملكن عقولا صغيرة ولا يستطعن التفكير مثل
الرجال.
كنت أعيش حالتين متناقضتين كأمرأة غربية اوربية ، مع الرجال والنساء،ولو كنت رجلا لما كنت أستطيع المكوث في البيت مع النساء كما أنا الان، واقترب من نساء سلطان خان،ولكان الناس يتحدثون بسوء عن ذلك ، وفي نفس الوقت لا شئء يمنع من أن أدخل في عالم الرجال ، وعندما تكون هناك حفلات،تنفصل النساء عن الرجال،أنا الوحيدة التي تنتقل بين المجموعتين بحرية.
لم أكن بحاجة لارتداء الزي الافغاني للنساء - النقاب - وكان لي أن أذهب الى أين أشاء،وغالبا ما أضع البرقع على رأسي كي أكون في أمان .
كأمرأة اوربية في شوارع كابل تجلب الانتباه كثيرا.بينما تحت غطاء البرقع أستطيع النظر بحرية دون أن يلاحظ أحد ذلك .
حين نخرج جميعا أستطيع مراقبة بقية أفراد الاسرة دون أن يلحظوا ذلك. السرّية كانت مفقودة لانه من الصعب أن تجد مكانا في كابل تكون فيه لوحدك.
استفدت من البرقع في معرفة كيف يكون حال المرأة الافغانية وهي تنحشر في الباص المزدحم في المقاعد الخاصة للنساء وكيف تحشر في الصندوق الخلفي لسيارة التكسي بسبب وجود رجل في المقاعد الخلفية للتكسي .
وكيف ينظر الرجال الى هذه المراة في البرقع الطويل في الشارع. وكيف كرهت البرقع بسرعة ، انه يضغط على الرأس ويسبب الصداع ، يعيق الرؤية ، وانت تنظر من خلال المشبك أمام العيون ، يعيق نسمات الهواء فتتعرق بسرعة ، وكيف يجب عليك أن تحرص أين تخطو وأين تضع قدمك،وكم من الاوساخ يسحب في أذياله ويصبح قذرا .
وكم تشعر بالحرية حين تأتي الى البيت وتتخلص من هذا البرقع.
استخدمت البرقع للسلامة أيضا حين سافرت مع سلطان الى جلال آباد في الطريق الخطر حين اضطررنا للمبيت في محطة قذرة ، محطة حدودية.كذلك أستخدمه حين نكون خارج البيت ليلا .
النساء الافغانيات لايسافرن مع حزمة من الدولارات وكومبيوتر، لذلك فالبرقع يؤمن السلامة في الطرق العامة .
من الضروري أن نذكر ان هذه الرواية هي عن أسرة أفغانية،هنا الملايين من الاسر الاخرى ، وهذه الاسرة التي اكتب عنها ليست اسرة تقليدية،انها أسرة من الطبقة الوسطى فيما اذا كان بالامكان الحديث عن افغانستان بهذا الشكل.البعض من أفراد الاسرة لهم تحصيل علمي،العديد منهم يستطيع القراءة والكتابة، لديهم ثروة جيدة ولم يعانوا من الفقر والجوع.
كنت في كابل في أول ربيع بعد هزيمة طالبان، هذا الربيع كان يحمل الامل وكان الناس سعداء برحيل طالبان ، و ليسوا بحاجة بعد اليوم للخوف من أن يتعرضوا للاذلال في الشوارع من قبل شرطة الدين،والنساء الان يستطعن السير لوحدهن في المدينة ويستطعن الدراسة والفتيات يذهبن الى المدرسة. ولكن الربيع فجّـر سؤالا آخر : لماذا ستكون أفضل الان ؟
قبل الربيع بسنوات حين كانت البلاد تعيش بسلام ، كان الناس يحملون آمالا كبيرة.كانوا يخططون لمستقبلهم،النساء تركن البرقع معلقا في البيت،منهن من بدأت العمل،المهاجرون عادوا الى وطنهم.
نظام الحكم كان يتأرجح بين التقليدي والحديث، بين صقور الحرب ورجال القبائل المحليين.
وسط الفوضى حاول الرئيس حامد كرزاي اقامة التوازن وادارة الحالة السياسية ،كان محبوبا .
ولكنه بدون جيش وبدون حزب في بلد مليء بالاسلحة ومقسم الى كانتونات.
الوضع في كابل كان نسبيا سلميا رغم اغتيال وزيرين.
الكثيرون كانوا يحيـون الجنود الاجانب الذين يسيرون في دوريات في شوارع كابل. بدونهم كانت تحدث حروب الحدود ، و يقتل الناس .
أكتب حين أرى وأسمع.
جمعت هذه الملاحظات في هذه الرواية خلال ربيع كابل .
............................................
ملاحظة : بعد صدور الرواية اشتكت زوجة صاحب المكتبة ثريا رئيس في اوسلو / النرويج على الكاتبة متهمة اياها بنشر اسرار الاسرة بشكل فضائحي ما ادى الى اضطرار اسرة صاحب المكتبة ( اسمه الحقيقي رسول رئيس ) الهروب الى الباكستان ومن هناك الى كندا. حكمت المحكمة بتعويض نقدي للاسرة وبرأت محكمة التمييز الكاتبة اوسنا سيرستاد من التهمة الموجهة لها.
** بطاقة شخصية
Åsne Seierstad اوسنه سيرستاد
ولدت عام 1970 ، درست في جامعة اوسلو اللغة الروسية والاسبانية والتاريخ
عملت مراسلة لصحف دول الشمال في روسيا الاعوام 1993 - 1996
ثم عملت في الصين عام 1997
عملت مراسلة لتلفزيون النرويج في حرب الكوسوفو والبلقان عام 1998 - 2000
بعد تفجير برجي التجارة في نيويورك باسبوعين غادرت الى افغانستان عام 2001 كمراسلة لعدة صحف اسكندنافية وحصلت على عدة جوائز تقديرا لنشاطها الاعلامي .
* صدرت روايتها كتبي في كابل ، عام 2002 في النرويج .
* عام 2003 انتقلت الى بغداد قبيل الهجوم الامريكي وعملت مراسلة صحفية وتلفزيون للعديد من الصحف ومحطات التلفزيون في السويد والنرويج والمانيا والفت كتابا بعنوان مائة يوم ويوم ، يوميات بغداد من شهر كانون 2 / يناير حتى شهر نيسان / ابريل 2003 وصدر في النرويج باللغة النرويجية عام 2003 وصدر بالانجليزية ايضا بعنوان :
A Hundred and One Days