قصة كاملة - وحيداً في بانكوك
بقلم أحمد فخري
[size=32] قصة كاملة - وحيداً في بانكوك[/size]
يبدأ العمل بشركة باركو للمواد الانشائية بابوظبي مع الساعة التاسعة صباحاً. دخل رائد مكتبه وبيده شطيرتي بيض اشتراهما من المقهى الهندي الذي بالقرب من مقر الشركة. جلس خلف مكتبه فلحق به الخادم الهندي بابو وسأله،
بابو : هل تريد شاياً سيدي؟
رائد : ليس بعد يا بابو. سانتظر حتى يأتي المهندس احمد وسنشرب الشاي سوياً.
بابو : إذاً اخبرني عندما تريد شرب الشاي.
خرج بابو من المكتب ورجع الى زاويته بآخر الممر. بهذه الاثناء دخل احمد المكتب فالقى التحية على صاحبه وجلس فقال له،
رائد : لقد اشتريت لك شطيرة بيض من المقهى الهندي. تفضل.
احمد : شكراً لك يا صديقي انا اشعر بالجوع. دعنا نوصي على الشاي قبل ان نباشر الاكل.
نادى احمد على بابو وطلب منه قدحين من الشاي السليماني ثم رجع الى المكتب.
رائد : حان الوقت لان نفكر باجازتنا السنوية يا احمد.
احمد : لقد فكرت بها ليلة امس ولكن دعني اسألك اولاً. كم لديك من رصيد الآن؟
رائد : لدي 32 يوماً. بامكاني ان اخذها كلها.
احمد : اما انا فلدي 28 يوماً فقط. هل عندك وجهة معينة تفكر بها؟ كزيارة بعض الاصدقاء مثلاً؟
رائد : عزيزي احمد، نحن كما تعلم عزاب. والاعزب هنا غير مرغوب فيه لدى الاصدقاء الذين لديهم عوائل. ربما يعتقدون اننا وحوش وسننقض على زوجاتهم فورما تسنح لنا الفرصة.
احمد : ان هذه الظاهرة مخجلة حقاً لانها تأتي من الامراض الاجتماعية التي يعيشها الرجل الشرقي. فانا مثلاً لا يمكن ان انظر الى زوجة او اخت صديقي سوى اخت لي. لكن الآخرون لا يفكرون مثلي.
رائد : وانا كذلك. لكن ادمغتهم مبرمجة بهذا الشكل مع شديد الاسف، ماذا نعمل؟ والآن قل لي اين تريد ان تذهب؟
احمد : افكر بالذهاب لاي بلد فانا اتشوق للاجازة كي اتعرف على ثقافات جديدة.
رائد : ثقافات؟ قلت لي ثقافات يا سيد احمد؟ اعترف يا صديقي؟
احمد : اجل ثقافات وربما اشياء اخرى. انت تعلم انني اعزب الآن بعد ان مررت باوقات عصيبة مع زوجتي اثر زواج فاشل دام سبع سنوات حتى انتهى بطلاق كارثي فرحلت زوجتي واخذت معها ابنتي الوحيدة والآن انا احسدكم انتم العزاب. وكما يقول المثل الاردني (اعزب دهر ولا ارمل شهر). لذلك علينا الاستمتاع بعزوبيتنا الآن قبل ان تكبلنا بنت الحلال وتحمّلنا اثقال العائلة والاطفال والمدارس والاطباء وما الى ذلك.
رائد : ولكن لماذا تطلقتما يا احمد؟ إن لم تعتبر ذلك تطفلاً مني.
احمد : تقول الهانم انني بخيل لانني لم اوافق على سفرها كي تزور والدتها ببغداد.
رائد : ولماذا لا تدعها تزور والدتها؟ ما المشكلة في ذلك؟
احمد : حبيبي رائد، لقد سافرت للعراق قبل اربعة اشهر وقد بقيت هناك شهراً كاملاً. اي انها كانت هناك قبل 3 اشهر فقط.
رائد : الهذا تطلقتما؟
احمد : كلا، كانت هذه المشكلة هي التي اشعل الشرارة الاولى على نقاشات عقيمة صارت تدور بيننا كل يوم. كانت تصفني فيها بالبخل والكثير من الاوصاف القبيحة.
رائد : سامحها الله.
فتح الباب ودخل عليهما بابو يحمل صينية فوقها الكثير من كاسات الشاي فوضع قدحاً فوق طاولة كل من الزميلين ثم خرج بباقي الاقداح. اخرج رائد الشطيرة واعطاها لاحمد وفتح الثانية وقضمها. صرخ احمد وقال،
احمد : يا الهي اهذه شطيرة بيض؟ من كثر ما وضعوا الفلفل فيها تكاد تشب بها النيران.
رائد : لكنها لذيذة يا صاحبي، اليس كذلك؟
احمد : انت بصراوي ولا يهمك يا رائد. من كثرة ما تعرضنا للطعام الهندي بهذا البلد اصبحنا كالهنود لا نحب سوى الطعام اللاهب المشتعل.
رائد : دعنا نرجع لموضوعنا حمودي. ما رأيك برحلة الى تايلندا؟
احمد : اتقصد انا وانت؟ انا لم يسبق لي الذهاب الى هناك قط. هل تريد ان نذهب سوياً الى تايلندا؟
رائد : اجل تايلندا، تايلندا بانكوك، تايلندا الجميلات، تايلندا العزوبية، تايلندا قلبي الذي يخفق. انا زرتها 4 مرات لحد الآن ولم امل منها.
احمد : والله اعتقد انك قمت بزرع الفكرة برأسي الآن، يجب علي ان افكر بها؟
رائد : ولماذا كل هذا التفكير؟ تقول الدراسة ان نسبة النساء الى الرجال تبلغ 70% اي ان لكل 100 تايلندي هناك 70 امرأة منهم.
احمد : متى نسافر؟
رائد : هذا هو الكلام الصحيح. دعنا نبدأ الحجز.
احمد : قبل ان نبدأ الحجز، علينا تقديم طلب الاجازة. تعال معي كي نملأ الطلبات عند مسؤول الموارد البشرية ونقدم على الاجازة.
رائد : دعني انهي شطيرتي اولاً ثم نذهب سوياً.
خرج الصديقان من مكتبهما ودخلا مكتب مسؤول الموارد البشرية فحياه احمد وقال،
احمد : السلام عليكم سيد امين. كيف حالك؟
امين الجاسر : وعليكم السلام باش مهندس. انا بخير والحمد لله.
احمد : نريد التقديم على اجازاتنا السنوية المتبقية بارصدتنا.
امين الجاسر : يا باش مهندس احمد انت لديك 28 يوماً برصيدك فكم تريد ان تأخذ منه؟
احمد : اريدها كلها.
امين الجاسر : حسناً سيصبح رصيدك صفر بعدها. وانت يا باش مهندس رائد لديك 6 ايام، كم تريد ان تأخذ منها؟
رائد : لا، لا انت غلطان، لدي من الرصيد 32 يوماً وليس 6 ايام. انظر بحاسوبك جيداً يا اخي.
امين الجاسر : يبدو انك نسيت الاجازة العرضية التي اخذتها في شهر فبراير من هذا العام. كانت 26 يوماً.
رائد : اجل لكنني طلبت وقتها (اجازة عطف) لان والدتي كانت بالمستشفى بعمان.
امين الجاسر : مع شديد الاسف الاوراق التي ارفقتها من المستشفى بعمان لم يتم الموافقة عليها لانها كانت بدون ختم للمشفى. لذا طُرِحَت من رصيدك واحتسبت كاجازة عادية.
رائد : ولكن لماذا لم تخبروني بذلك؟
امين الجاسر : لقد تم ارسال مذكرة داخلية اليك بتاريخ الثاني من مارس وقد وقعت انت على استلامها.
احمد : يبدو انك لم تتفحصها جيداً يا رائد.
رائد : يا الهي لقد راحت كل خططي للاجازة.
امين الجاسر : انا آسف يا باش مهندس. خيرها بغيرها.
احمد : وهذا يعني انني ساسافر وحدي يا بطل.
رائد : وهل يرضيك ذلك يا صديقي؟ تذهب انت وتستمتع بالتايلنديات بينما اتسكع انا هنا وحدي بين المطاعم الهندية بابوظبي؟
امين الجاسر : وقع هنا يا استاذ احمد لو سمحت.
احمد : ها انذا وقعت يا رائد. انظر الى الامر بشكل مختلف. فانا سارجع من بانكوك وساحدثك عن رحلتي ومغامراتي فتستمتع انت بمكانك دون ان تصرف درهماً واحداً.
رائد : كم انت لئيم وخبيث يا احمد.
بالايام التي تلت كان احمد يعمل بشكل مكثف كي لا يبقي اي امر معلق في العمل حتى لا تتراكم عليه الاوراق حينما يعود من اجازته. اشترى تذكرة مرجعة الى تايلندا وحول النقود ليأخذ معه 3000 دولار. بالرغم من انه كان يحمل بطاقة ائتمان اميريكان اكسبريس لكنه كان يفضل حمل بعض السيولة النقدية معه. بيوم السفر ذهب الى المطار ساحباً ورائه حقيبة كبيرة ودخل بها مطار ابوظبي. بعد ان تمت جميع الاجرائات دخل الطائرة فاعجبته كثيراً لان تلك كانت رحلته الاولى على خطوط الامارات. كان غالبية الركاب من مواطني دولة الامارات لانهم كانوا يرتدون الزي الوطني الخليجي. الرحلة دامت 6 ساعات واربعون دقيقة قدمت خلالها عدة وجبات دسمة من اشهى والذ الاطعمة. كانت الرحلة طويلة نوعاً ما لانه كان متشوقاً كي يصل الى وجهته باسرع وقت. حطت الطائرة بمطار بانكوك (سوفيرنابومي) ونزل احمد مع المسافرين ليدخلوا بقاعة الوصول فقابله ذلك التمثال الكبير العجيب بوسط القاعة.
علم وقتها ان ذلك التمثال هو رمز للبلاد ويمثل الحضارة التايلندية العريقة. بقي يسير في قاعات المطار الضخمة ليرى المحلات والمعروضات المبهرة. كانت له فكرة مسبقة خاطئة عن ذلك البلد العظيم واليوم اصبحت له فكرة مغايرة. بقي يتتبع يافطات المعلقة بالاعلى كي يخرج الى الشارع.
لكنه تفاجأ بنصب كبير يبلغ طوله 15 متراً بوسط باحة كبيرة يمثل 20 رجلاً يصارعون ثعباناً اسطورياً كبيراً.
يا الهي هذا ليس مطاراً بل هو متحف عملاق لم اتخيل ان اشاهده بحياتي. بعد عناء كبير رأى يافطة كتب عليها (الجمارك) فخرج وتتبعها حتى وصل الى مبتغاه. كانت الاجرائات سريعة وسلسة للغاية إذ لم يُسأل اي سؤال من قبل موظف الجمارك. فقط طمغ على جوازه وارجعه اليه. خرج احمد الى قاعة المطار الخارجية ليشاهد مكاتب كثيرة منتشرة بجميع الارجاء. راح يبحث على مكاتب حجز الفنادق كما نصحه صاحبه رائد بابوظبي. وعندما عثر على المكتب استقبلته فتاة جميلة رحبت به وبحثت له عن فندق بالمواصفات التي يريدها. وقع اختياره على فندق ذو 4 نجوم فقامت بطبع بيانات ذلك الفندق على ورقة واعطته اياها فسألها،احمد : كم تامرين يا سيدتي؟