لقاءات فنية سورية تركية عراقية لإعادة توزيع حصص المياه
روسيا تدخلت للضغط على تركيا في إطار المفاوضات (فرانس برس)
العربي الجديد:يتم التحضير لاجتماع يضم ممثلين عن دول نهر الفرات، تركيا وسورية والعراق، بعد سلسلة اجتماعات فنية عن بُعد جمعت الأطراف للبحث في تقسيم حصص مياه النهر بعد تراجع المنسوب في سورية والعراق إلى أدنى مستوى منذ وقعت الدول الثلاث على اتفاقية تقاسم الحصص عام 1987.
وفي حين قالت مصادر سورية خاصة لـ"العربي الجديد"، إن روسيا الاتحادية "دخلت على الخط للضغط على تركيا"، كشفت وزارة الموارد المائية العراقية عن التوصل إلى اتفاق حول عقد اجتماع عراقي سوري تركي لمناقشة الإطلاقات المائية.
ويؤكد المتحدث باسم الوزارة العراقية علي راضي، خلال تصريحات لوكالة الأنباء العراقية (واع) أمس الإثنين، أن "المباحثات والاجتماعات الفنية مع الجانبين التركي والسوري مستمرة في إطار تأمين الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات".
وبيّن أن هنالك مجموعة من اللقاءات الفنية والافتراضية للوصول إلى النقاط الرئيسة لمناقشة الشح المائي، واللقاء الأخير مع الجانب السوري تضمن الاتفاق على عقد اجتماع ثلاثي عراقي سوري تركي.
ولم تنف حكومة النظام السوري الأمر، وقالت، عبر المؤسسة العامة لسد الفرات، أول من أمس: "توجد حاليا مفاوضات يقوم بها الجانبان العراقي والروسي للضغط على الجانب التركي لإعادة المنسوب كما هو متفق عليه"، مؤكدة مدى الأضرار التي لحقت بسورية، بعد "خسارة نحو 200 متر مكعب في الثانية من مخزون مياه بحيرة الفرات لتزويد أهالي دير الزور بالمياه وإعطاء العراق حصته".
وفي حين تتهم حكومة النظام السوري تركيا بـ"الاستيلاء على أكثر من نصف حصة سورية التي يجب ألا تقل عن 500 متر مكعب في الثانية حسب البروتوكول المتفق عليه مع الجانب التركي في عام 1987، في حين يتم حاليا ضخ نحو 200 متر مكعب فقط"، ترد أنقرة بأن تراجع منسوب المياه بنهر الفرات إنما جاء بسبب الجفاف وتراجع الهطول المطري جنوبي تركيا، كاشفة من خلال خريطة نشرتها المديرية العامة للأرصاد الجوية التركية عن مستوى الجفاف الذي يضرب مناطق جنوبي تركيا المحاذية لمناطق شمال شرقي سورية.
وأظهرت الخريطة نسب الجفاف العادية والخطيرة، والتي تشكلت منذ بداية عام 2021، وأن كلا من مناطق "وان" و"بيتليس" و"شانلي أورفا" و"ماردين" و"ديار بكر" و"شرناق"، وغيرها من مناطق جنوبي تركيا، ارتفعت فيها نسبة الجفاف فوق المستوى الآمن "جفاف شديد".
ونفت مصادر تركية رسمية قطع تركيا للمياه بشكل متعمد أو بناء على أبعاد سياسية، مؤكدة أن ما جرى هو نقص حاد في هطول الأمطار نتج عنه جفاف شديد ضرب الأراضي التركية قبل السورية.
وتضيف المصادر: "تركيا لم تقطع مياه نهر الفرات كما يدعي البعض دون أي دليل"، مشيرة إلى أن الفترة القادمة ستشهد انخفاضًا في مستوى الجفاف، ما سينعكس على ارتفاع منسوب المياه.
ويقول المحلل التركي أوكتاي يلماظ، لـ"العربي الجديد"، إن بلاده لا تسعى "لتعطيش سورية والعراق" كما يروّج البعض، أو تبيع المياه كما يبيعون النفط، فتركيا، حسب قوله، ملتزمة بالاتفاق الموقع بين الدول الثلاث على اقتسام مياه النهر، وإطلاق تركيا 500 متر مكعب في الثانية ليتقاسمها العراق وسورية "العراق 58% من مياه الفرات مقابل 42% لسورية"، لكن تراجع منسوب المياه بنهر الفرات، بسبب الجفاف وليس لملء السدود، هو الذي قلل حصة الدول المجاورة، بعدما انعكس أضرارا وجفافا على ولايات جنوبي تركيا.
ويرجّح المحلل التركي أن تصل الدول الثلاث إلى "اتفاق وتفاهمات"، لأن ملف المياه هو الأكثر طرحاً من الجانب العراقي، وستقدم تركيا كل ما يمكن "حتى لو تم إرجاء ملء السدود"، لأنها حريصة على عدم الإضرار بالعراق وسورية بعد زيادة الجفاف وتأذي المزروعات وانتشار العطش.
وحول الدور الروسي، بينت مصادر تركية خاصة لـ"العربي الجديد"، أن موسكو وتركيا "سبق أن توصلتا إلى اتفاق حل بشأن الكهرباء والمياه بمنطقة نبع السلام"، مبينة أن "الاتفاق السابق نص على توفير الكهرباء لنحو 200 ألف مدني يعيشون بمحافظة الحسكة، شمال شرق سورية، وتوفير مياه الشرب للمحافظة وبلدة تل تمر"، فـ"تركيا سحبت ذرائع وشكايات تنظيم (ي ب ك) حتى في ما يتعلق بمحطة مياه علوك قرب مدينة رأس العين السورية".
وتعاني سورية من أزمة مياه "غير مسبوقة" تصل لحد الكارثة، بحسب المهندسة بتول أحمد، سواء مياه الشرب بالمحافظات التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد، بعد قطع المياه عن المنازل لأيام، أو مدن شمال شرق سورية، التي تعتبر خزان سورية الغذائي، "نتيجة الجفاف وتراجع منسوب نهري دجلة والفرات، وتراجع منسوب مياه نهر الفرات 5 أمتار، وتراجع منسوب بحيرة سد تشرين أربعة أمتار، كما يزيد الانخفاض ببحيرة الأسد عن ثلاثة أمتار"، ما أثر على توليد الكهرباء وجفاف الأراضي الزراعية وتراجع المحاصيل الزراعية هذا العام إلى الأدنى منذ عقود.
وتقدر المهندسة أحمد، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، أن حاجة بلادها السنوية تقدر بنحو 23 مليار م3 سنوياً لتكون حصة الفرد فيها مساوية لخط الفقر المائي البالغ 1000 م3 للفرد، لكن تراجع الهطول المطري وانخفاض منسوب المياه الجوفية والجارية قلص حصة الفرد إلى نحو 750 متراً مكعباً سنوياً.
وفي حين تكشف مصادر سورية أن العجز المائي وصل هذا العام إلى 7 مليارات متر مكعب، ولم يكن يزيد عام 2011 عن 3 مليارات متر مكعب، بعد زيادة الضخ من المياه الجوفية وتراجع المناسيب وانخفاض إجمالي تصريف الينابيع في حوض اليرموك من 3.5 أمتار مكعبة في الثانية عام 2011 إلى 3.2 أمتار، وفي حوض العاصي انخفض من 14.5 مترا إلى 10 أمتار، ونبع المزيريب في درعا انخفض من 900 إلى 300 ليتر في الثانية، ونبع السمك في حمص من 470 إلى 240 لترا، ونبع عين الزرقا في إدلب من 5500 إلى 4000 لتر.
ويقول تقرير نشره موقع "وورلد بوليتيكس ريفيو" نقلاً عن بيانات الأمم المتحدة، إن حوالي 15.5 مليون سوري، يمثلون أكثر من 90% من السكان، يفتقرون إلى مصادر مياه الشرب الآمنة، ما يزيد من مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المعدية.
وأثر تراجع المياه، خاصة في مدن شمال شرقي سورية، سلبا على الإنتاج الزراعي وتوليد الكهرباء وحتى مياه الشرب، منذ فبراير/شباط الماضي، عندما انخفض منسوب مياه النهر 5 أمتار ليكون التدفق من تركيا بين 150 و200 متر في الثانية.
ويتحدث مدير مؤسسة الحبوب في المعارضة السورية حسان محمد، لـ"العربي الجديد"، عن تراجع منسوب مياه الفرات والهطول المطري والمحاصيل الزراعية هذا العام بأكثر من 40%، مقدراً موسم القمح للعام الجاري بعموم سورية بـ800 ألف طن، والشعير بنحو 250 ألف طن، "وهو أقل المواسم منذ 50 سنة".
وينبع نهر الفرات من تركيا ويخترق جبال طوروس التركية باتجاه الجنوب نحو سورية ليدخلها عند مدينة جرابلس، ماراً في مدينة الرقة، وبعدها في دير الزور، ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق عند مدينة القائم في الأنبار.
ويروي سد الفرات في سورية أراضي زراعية تبلغ مساحتها أكثر من 640 ألف هكتار، وتتوزع مشاريع الإصلاح على المناطق غرب وشرق مسكنة باتجاه سهول حلب بمساحة 270 ألف هكتار، وحوض والبليخ بمساحة 185 ألف هكتار، وحوض الميادين الأعلى بمساحة 40 ألف هكتار، وفي حوض الخابور الأسفل بمساحة 70 ألف هكتار، وحوض الفرات الأسفل بمساحة 125 ألف هكتار.