العراق: المحاصصة تتمدد إلى المؤسستين العسكرية والأمنية
لا يخفي سياسيون سيطرة الأحزاب على الأمن (أحمد الربيعي/فرانس برس)
العربي الجديد:أثارت تقارير لوسائل إعلام عراقية حيال إجراء حكومة محمد شياع السوداني، أخيراً، مجموعة من التغييرات في قيادة الجيش العراقي، مبنية على أساس "المحاصصة" جدلاً واسعاً في البلاد، خصوصاً مع استمرار تحذيرات مراقبين أمنيين لضرورة إبعاد الجيش عن التدخلات الحزبية وتوزيع المناصب الهامة في الجيش والشرطة وبقية الصنوف الأمنية والعسكرية وفقاً للكفاءة، في سبيل الحفاظ على استقلاليته.
ومنذ أولى الحكومات التي تأسست بعد الاحتلال الأميركي للبلاد، عام 2003، عمدت الكيانات السياسية والأحزاب لتقاسم السلطة الأمنية. فقد ظلت وزارة الدفاع للأحزاب العربية السنية، فيما وزارة الداخلية للأحزاب السياسية العربية الشيعية، في عُرف ظل سائداً بالبلاد منذ الغزو. وتقاسمت الأحزاب فيما بينها مناصب هامة في بقية الهيئات والمديريات الأمنية والاستخباراتية الأخرى، مثل أجهزة الأمن الوطني والمخابرات وغيرها.
التقاسم جزء من آلية حماية الأحزاب لمواقعها
ووفقاً لمصادر سياسية وأمنية عراقية، فإن هذا التقاسم جزء من آلية حماية الأحزاب والقوى السياسية بمختلف توجهاتها لمواقعها، حيث بالعادة يجري توظيف المحسوبين عليها في تلك المؤسسات ويعملون لصالحها.
وبحسب تحقيق نشرته صحيفة "العالم الجديد"، وهي صحيفة محلية في العراق، الأسبوع الماضي، فإن "الشهرين الماضيين شهدا تغييرات كثيرة في وزارة الدفاع، على مستوى القادة العسكريين، جميعها نفذت على أساس تقاسم الحصص بين الكتل السياسية، حيث تم تغيير مناصب القادة، وليس إحالتهم للإمرة أو التقاعد كما هو معروف في القانون العسكري".
وأشار التقرير إلى أسماء الضباط الذين جرت عملية نقلهم ونشرهم وفق آلية التقاسم الحزبي للمناصب الأمنية والعسكرية. وذكرت الصحيفة نحو 8 قادة نقلوا من مهمة إلى أخرى، رغم أن بعضهم من غير تخصصات.
واللافت في حملة التغيير بالمناصب أن بعضهم كان قد اتهم بانتهاكات ومجازر لحقت بالمدنيين، مثل القادة الذين أحيلوا إلى التقاعد والإمرة خلال فترة الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، بعد اتهامهم بقتل المتظاهرين خلال فترة الاحتجاجات التي عُرفت بانتفاضة "تشرين"، وهذه التنقلات تخدم جهات سياسية نافذة.
حكومة السوداني تعيد المحاصصة إلى الجيش
مسؤول عسكري عراقي في ديوان وزارة الدفاع بالعاصمة بغداد قال، عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة السوداني، أعادت المحاصصة ليس داخل الحكومة والوزارات فقط، بل اتجهت إلى الجيش ومفاصل قيادات الفرق والأركان وكذلك وزارة الداخلية". واعتبر أن هذا "نهج الإطار التنسيقي، المسؤول عن حكومة السوداني".
ووفقا للمسؤول فإن "المحسوبين على الحكومة السابقة (حكومة الكاظمي) تم نقلهم واستبدالهم بآخرين معروفي التوجه، ولديهم علاقات طيبة مع كتل الإطار التنسيقي". واعتبر أن "ما يحدث أمر متكرر كل أربع سنوات، على مستوى المحاصصة التي طاولت كل مفاصل الدولة".
ولا يخفي عدد من السياسيين وأعضاء الأحزاب العراقية، سيطرة الأحزاب على الأجهزة الأمنية والمحاصصة في المؤسسة العسكرية، إلا أنهم يجدونها حالة من "التوازن" في تعداد القوات المسلحة.
ويقصد بمصطلح "التوازن"، المتداول داخل الوسط السياسي في العراق، ما يرتبط بالمكونات الرئيسية في البلاد، إضافة إلى بقية الأقليات الدينية والقومية. وبرغم أن هذا التصنيف لا ينسجم مع الدستور العراقي، إلا أنه ظل لغة سياسية سائدة في البلاد.
تغول سياسي في المؤسسة الأمنية
عضو تحالف "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي أقرّ بما وصفه "التغول السياسي في المؤسسة الأمنية، عبر تناوب الأحزاب على تولي الوزارات والهيئات الأمنية والعسكرية".
وقال، لـ"العربي الجديد": "لكن بكل صراحة القرار الأمني والعسكري النهائي بيد القائد العام للقوات المسلحة وهو رئيس الوزراء، لكن هناك رؤية سياسية معمول بها منذ سنوات، ممثلة بأن تكون وزارة الدفاع لجهة سياسية سنية، ووزارة الداخلية لجهة سياسية شيعية".
وأضاف الهلالي أن "مفهوم المحاصصة داخل المؤسسة العسكرية ليس جيداً، لأن هناك من يستغل المؤسسة العسكرية لصناعة مكاسب سياسية واقتصادية. لكن السلطات العراقية تعرف ذلك، وقد تم عزل الكثير من المسؤولين والضباط بسبب ممارسات حزبية".
رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي محمد عنوز بين أن "الدستور العراقي يمنع أن يكون هناك تأثيرات على القوات المسلحة، سواءً الجوانب الطائفية والمذهبية أو السياسية".
وأضاف: "لكن الأحزاب في العراق تسعى لاستغلال كل المؤسسات العسكرية في سبيل تحقيق مكاسب سياسية، ومدّ نفوذها في عموم البلاد، إضافة إلى المكاسب الاقتصادية من خلال التدخل في ملفات الصفقات الخاصة بالتسليح والإطعام وغيرها". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب متهمة بإضعاف المؤسسة العسكرية، بسبب التدخلات وأسلوب المحاصصة المعمول به في البلاد".
ولفت عنوز إلى أن "المسؤولية تقع على البرلمان العراقي، الذي من المفترض أن يرفض هذا التحاصص والتصارع في تحويل المؤسسات العسكرية إلى دوائر حزبية، يتم التصرف بالتعيينات والترفيعات وتنصيب المسؤولين عبر تزكيات حزبية ومن خلال سياسيين. وهذا الخلل يتحمله مجلس النواب طيلة الدورات السابقة، وحتى البرلمان الحالي الذي يجد الكثير من العراقيين أنه لا يمثل الإرادة الشعبية لإحداث التغيير".
بدوره، أوضح العميد المتقاعد في الجيش العراقي عماد علو، أن "الجيش الرصين لا يُبنى على أساس التوافقات السياسية والحزبية، لأن هذه الطريقة تجعله ضعيفاً وخاضعاً لقرارات المكاتب السياسية في الأحزاب". وأوضح أن "الجيوش القوية في العالم يتم تأسيسها على أساس الخبرة والحنكة والمهنية العسكرية والروح الوطنية".
وبين علو، لـ"العربي الجديد"، أن "أولى الجهات التي أدت إلى انكسار وتدهور المؤسسة العسكرية هي الولايات المتحدة، التي حلّت الجيش السابق، ودعمت تأسيس جيش يعتمد على مفاهيم التوازن الطائفي، ودعمت فكر المحاصصة السياسية والحزبية والطائفية في الاستحواذ على المؤسسة العسكرية".