عجائب الامريكان في بلاد الأفغان
بسام شكري
عجائب الامريكان في بلاد الأفغان
لقد حصل الطوفان وهرب الامريكان من أفغانستان ورجعت طالبان الى حلبة الميدان وزال الهم والحزن والعصيان ورجعت أمريكا والغرب يرددون اغنية حقوق الانسان التي تم نسيانها واحدا وعشرين عاما ويومان , لقد قام الامريكان بغزو بلاد الأفغان بحجة الحادي عشر من سبتمبر والتي لم يشارك في عملية الحادي عشر من سبتمبر أي أفغاني سواء كان عضوا من طالبان او في أي تنظيم اخر وانما الذي قام بتلك العملية تنظيم القاعدة الإرهابي الذي اسسه الامريكان للمساهمة في اخراج السوفييت من أفغانستان والذي كان يقوده أسامة بن لادن فاقد الرحمة والإحسان وقد قام جورج بوش الابن بإجبار حلف شمال الأطلسي للمساهمة في الغزو ومسك الأرض الأفغانية ودفع المليارات في أفشل عملية عسكرية سياسية في تاريخ البشرية وقد قام الامريكان وحلفائهم الاطلسيين في أفغانستان بعجائب تفوق ما حصل مع ألس في بلاد العجائب فما الذي حصل وما الذي جناه الشعب الافغاني من واحد وعشرين عاما وما طبيعة النظام السياسي الذي حكم أفغانستان ؟ لنبدأ باختصار من نقطة زلماي خليل زادة اول سفير امريكي في أفغانستان وهو امريكي أفغاني الأصل ويعتبر عراب الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق وقد اصبح سفيرا في العراق من 2005 لغاية 2007 وهي من أسوأ سنوات الحرب الاهلية العراقية, وفي أفغانستان قد كان له دور كبير في إدارة الحكم وتأسيس دولة وبرلمان معتمدا في تأسيسه على مجلس القبائل الأفغانية المسمى اللويا جركا , والمضحك المبكي ان من حكم أفغانستان خلال واحد وعشرين عاما الماضية رئيسان للجمهورية فقط هما حامد قرضاي 22 -12-2021 لغاية 29-12-2014 واشرف غني الذي حكم من 29-12-2014 لغاية 15-8-2021 فاين الديمقراطية يا دعاة الديمقراطية ؟ كيف يحكم رئيسان فقط دولة قمتم بغزوها بحجة نشر الديمقراطية فيها طوال واحد وعشرين عاما وأين التداول السلمي الديمقراطي للسلطة؟ ومن خبايا تلك السلطة ان الوزراء وأعضاء البرلمان كانوا أنفسهم يتبادلون المناصب فيما بينهم بطريقة بيع وشراء المناصب ولم يدخل أي سياسي أفغاني واحد غيرهم الى العملية السياسية طول واحد وعشرين عاما وهذا نفس السيناريو الحاصل في العراق.
بعد هروب الامريكان والاطلسيين من أفغانستان الأسبوع الماضي تبين ان الفساد كان قد نخر جسم الدولة الأفغانية وقد نشرت الصحف الامريكية في اليوم التالي مباشرة بعد سقوط مدينة كابل بيد طالبان بدون قتال تقارير فساد رهيبة مشابهة لفساد العصابة التي نصبها الامريكان في العراق , فجنرالات الجيش الافغاني مثلا كانوا يسرقون أموال الجيش من شراء اللحوم والأغذية الرخيصة الثمن وتسجيلها بأسعار مرتفعة وكان ثلث تعداد الجيش الافغاني أسماء فقط بدون وجود اشخاص حقيقيين حيث يقوم جنرالات الجيش باستلام رواتبهم وهي نفس التجربة العراقية في الجنود الفضائيين مرورا الى الاف المشاريع والعقود الفاشلة او الغير موجودة في الواقع والموجودة فقط على الورق والتي قام أمريكا وأوروبا بتمويلها وهي نسخة طبق الأصل لما يحصل في العراق لكن المختلف في العراق ان الأموال المنهوبة هي من واردات البترول العراقي وقام السلطة الأفغانية باضطهاد معظم القوميات الأفغانية ومنع مشاركتهم الفعلية في الحكم او في الدخول الى الجامعات او التعيين في دوائر الدولة المهمة او التطوع في الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء والتعليم باستثناء قومية الهزار الداعمة للغزو الأمريكي وبعض القبائل من اقلية الطاجيك واستعمال لغة اقلية الهزار الفارسية في مفاصل الدولة كلغة رسمية لأفغانستان ( بدون تعليق ) وتم انشاء مئات الصحف والاذاعات والقنوات الفضائية وجيش من الإعلاميين المرتزقة الكذابين للترويج للديمقراطية الجديدة ولامتصاص نقمة الشعب من النظام الفاسد وهي نفس الحالة العراقية السائدة لغاية الان .
ان الهروب الكبير للأمريكان والاطلسيين من مطار كابل وقد تزاحم مئات الاف الأفغان معهم للهروب من بلدهم قد اثار استغراب العالم لماذا هذا الهروب الكبير ومن هم هؤلاء الأفغان الخائفون من البقاء في بلدهم بعد الانسحاب الأمريكي؟ لقد أسس الامريكان والاطلسيين قواعد عسكرية محصنة في أفغانستان وقاموا بتعيين الاف المترجمين والمقاولين والعاملين الأفغان للعمل في تلك القواعد او كحلقات اتصال مع الشعب الافغاني ومع السلطة التنفيذية والجيش ونتج عن ذلك جيل كامل من الأفغان المستفيدين من الاحتلال تعتبرهم حركة طالبان عملاء للمستعمرين وهذا من حقها لانهم ساهموا في بناء كيان غير شرعي جاء من رحم أفكار جورج بوش الابن وتنفيذ زلماي خليل زادة ومن لف لفهم من عقلاء المجانين وهؤلاء الأفغان عند مباشرتهم العمل كانوا قد تعلموا لغة الدولة الأطلسية التي عملوا لصالحها في داخل أفغانستان كأمريكا وفرنسا وألمانيا وتركيا وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي التي كانت تحتل أفغانستان وطبعا هؤلاء الأشخاص لديهم عوائل سوف تلتحق بهم وبذلك ستكون هناك موجة لجوء جديدة بغطاء قانوني دولي , و أمريكا لا يمكنها مرة واحدة من استقبال هذا الكم الهائل من الهاربين من بلدهم وخلال الفترة المتبقية من انسحابها من أفغانستان والبالغة أسبوعين , لذلك قامت أمريكا بإصدار الأوامر الى الكثير من الدول لاستقبالهم على وجه السرعة بشكل مؤقت كمحطات تجميع لغاية ان تقوم بترتيب أماكن لإسكانهم في داخل أمريكا ومن جانب اخر قامت أمريكا بتوزيع بقية الأفغان الهاربين كحصص على بعض الدول فقد بلغت حصة كندا مثلا عشرين الف أفغاني هارب وحصة المانيا .... وحصة فرنسا ...الخ , وقد اثارت موجه الهروب الكبير تلك جدلا واسعا بين النمسا وتركيا حيث تريد الان تركيا مساعدات مالية من أوروبا وذلك لمعسكرات اللاجئين الذين تتوقع تركيا هروبهم من أفغانستان و وصولهم الى أراضيها خلال الأشهر القادمة في حين ان النمسا ترفض بالأساس فكرة السماح للأفغان اللاجئين من دخول أوروبا , وطبعا سيكون هؤلاء الأفغان الهاربين أوراق ضغط على أي نظام سياسي سيحكم أفغانستان مستقبلا وسوف تتكرر نفس تجربة الأشخاص الهاربين من كوبا الى أمريكا خلال عقود مختلفة وقد اصبحوا معارضة سياسية للنظام الكوبي مع مرور الوقت وقام بعضهم بغزو كوبا من السواحل الامريكية لعدة مرات .
ان الانسحاب الأمريكي الأطلسي المذل من أفغانستان يمثل اقسى هروب امريكي بعد هزيمة أمريكا في فيتنام ويمثل وصمة عار في جبين أوروبا كما كتب موقع دويتشة فللة التابع لوزارة الخارجية الألمانية في اول مقالة حول الهزيمة الامريكية المذلة , وان تجربة زرع ديمقراطية كاذبة في أفغانستان ثمنها حرية الشعب الافغاني قد دفعها مليارات الدولارات دافعي الضرائب الأمريكيين والاوربيين لمجرد كذبة اطلقها جورج بوش الابن , وحسب موقع بي بي سي البريطاني مثلا فقد قتل في الصراع اكثر من 2300 امريكي وجرح 20 الف اخرين الى جانب 450 بريطاني وخسائر القوات الأفغانية 60 الف قتلوا في الصراع ولغاية سنة 2009 وقتل وجرح 111 الف مدني أفغاني وبلغت التكلفة المالية الامريكية فقط ترليون دولار تحملها دافع الضرائب الأمريكي.
لقد خسرت أمريكا الحرب في أفغانستان لكن الخسارة ليست جديدة عليها فهي متعودة وعبر تاريخها الدموي على الخسائر لكن الجديد خسارة أوروبا الحرب وهذا يعني ان أنظمة الحكم الأوروبية قد خسرت ماء وجهها امام شعوبها وغابت كذبة الديمقراطية المزعومة وهذا ما دعا المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الى التصريح وبعد يومين من الهروب الأمريكي الكبير من أفغانستان : علينا ان نكون محايدين في سياستنا الخارجية ولا نتبع سياسات الولايات المتحدة الامريكية وهذا هو الدرس الأهم الذي نستخلصه من تجربة الغزو الأمريكي لأفغانستان. وقد ولى والى الابد عصر الكاوبوي والغزوات وتغيير الأنظمة السياسية بقوة السلاح بحجج كاذبة وصار لزاما على العالم اصدار لائحة تغير قوانين الأمم المتحدة وادخال دولا جديدة الى مجلس الامن الدولي يكون لها التأثير الإيجابي على اصدار القرارات بدلا من عبث الدول الخمسة التي مازالت تمارس سياسة الحرب الباردة وتقاسم النفوذ فيما بينها حول العالم.
الباحث
بسام شكري
Bassam343@yahoo.com