[rtl] مع تراجع أفغانستان، يحققّ العراق تقدماً مطّرداً، هذه ليست نكتة، بل هي عنوان لمقالٍ صدر في صحيفة وول ستريت جورنال، يوم الجمعة 20/8/2021، شارك بكتابته بول بريمر (الحاكم الأميركي للعراق آيار/مايس 2003 ـ حزيران/مايو 2004)، وديفيد كومبيرت، (المستشار الأقدم للأمن الوطني والدفاع، في سلطة الإحتلال في بغداد 2003 ـ2004)، يقولان فيه "بينما تنحدر أفغانستان إلى الهاوية، يتقدّم العراق نحو الشرعية في الداخل وعلى الصعيد الدولي" ويواصلان أنّه "مع التطورات الإيجابية بشكل عام في العراق.... فأن جهود أمريكا وتضحياتها وصبرها تؤتي ثمارها".[/rtl] [rtl]ولعلّ القارئ قد تجاوز الآن الدهشة التي يثيرها عنوان المقال، فالكاتبين كانا مسؤولان مسؤولية مباشرة في سلطة الإحتلال في بغداد، لذلك فهما يحاولان إستثمار حالة الهلع التي إنتابت العالم (الغربي خاصةً) والناجمة عن إستيلاء حركة طالبان على أفغانستان وما مثّله ذلك من هزيمةٍ نكراء للمشروع الأميركي ـ الغربي في أفغانستان، لتضليل القرّاء بإدعاء أنّ هنالك تجربةً أميركية ـ غربية قد نجحت وأنها كانت في العراق، وأنّهما (أي بريمر و كومبيرت) قد ساهما بذلك النجاح![/rtl] [rtl]وهنا لا بدّ من تذكير بريمر وكومبيرت ـ وبغضّ النظر عن أيٍّ موقفٍ تجاه طالبان ـ لكنّ إن كانا يريان في طالبان فصيلاً مسلحاً لا يؤمن بالديمقراطية، وقد إستولى الآن بالقوة على المؤسسات الرسمية، وأن ذلك يُنذر بإرتكاب إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في أفغانستان، فأنّ الحالة في العراق هي أسوء بكثير، فقد سيطرت الفصائل المسلّحة على مؤسسات الدولة في وقتٍ مبكّر جدّاً، وإرتكبت بالفعل ـ وتواصل لحد اللحظة ـ إرتكاب أبشع الإنتهاكات ضدّ الأبرياء من الإعتقالات التعسفية، التعذيب، الإخفاء القسري، القتل خارج القضاء، حرق وتجريف الأراضي الزراعية... وغير ذلك الكثير. وعلى بريمر أن يتذكّر أن سبب ذلك يعود إلى قراراته بحلّ المؤسسات الرسمية، وأهمّها قراره بحلّ الجيش العراقي الذي يصفه في المقال، دون خجلٍ، بأنّه كان "جيشاً طائفياً". ولا أعتقد أن هنالك منصفاً يمكن أن يشاركه هذا الرأي، الّلهم إلاّ من كان في قلبه مرض. فالجيش العراقي ـ الذي حلّه بريمر ـ كان جيشاً وطنياً، يضمّ كل العراقيين، ومنذ تأسيسه عام 1921، تراكمت خبراته حتى وصلت إلى أوجها بعد أن خاض حرباً دفاعية شرسة لمدّة ثمان سنوات ضدّ العدوان الإيراني.[/rtl] [rtl]عليه أن يتذكّر، وزميله، أنّه بعد أن حلّ الجيش العراقي عام 2003، فأنّه أسسّ جيشاً ميليشياوياً طائفياً، تحولّت مهامّه من الدفاع عن حدود الدولة إلى تعنيف المواطنين ومداهمة بيوتهم ليلاً ونهاراً وإقتياد أبنائهم إلى المجهول. لقد دمّر هذا الجيش مدناً بأكملها تحت ذريعة محاربة الإرهاب وهو يمارس أبشع صنوف الإرهاب ضدّ أهلها. وأن هذا الجيش قد فشل فشلاً ذريعاً لحماية العراقيين من بضع مئاتٍ من الإرهابيين الذين إحتلّوا مدناً بأكملها وبطشوا بأبنائها. ولعلّ ما جرى لأبناء الأنبار وصلاح الدين ونينوى خير شاهدٍ على ذلك، وما جرى من سبيٍّ للنساء اليزيديات يظلّ وصمة عارٍ على جبين النظام الطائفي الذي أسّسه المحتل، نازعاً عنه وطنيته وشرفه.[/rtl] [rtl]يواصل الكاذبان كذبهما بالقول أنّ الولايات المتحدّة وشركائها ساعدت العراقيين، من كلّ المشارب، في بناء حكومة تمثيلية تستجيب لمتطلبات جميع العراقيين، وأنّ النموذج الديمقراطي الذي تأسّس في العراق، والتعاقب السلمي على السلطة، قد كان سجلاًّ حافلاً لا مثيل له بين الدول العربية. والحقيقة التي يحاول بريمر وشريكه أن يخفيها، ويضلّل الرأي العام بما هو عكسها تماماً، أنّ ما أنشئ كان نظاماً طائفياً مقيتاً، بعيدٌ كلّ البعد عن قيم الديمقراطية والحكم الرشيد. فلقد قام على الفساد، وتوزيع المناصب (بيعاً) بين الكتل، حيث أصبح لكلّ منصب تسعيرةً متعارفاً عليها عند تشكيل أيّ حكومة.[/rtl] [rtl]لذلك، ننصح بريمر وكومبيرت أن يطالعا التقارير الدولية عن الفساد في العراق، وكيف أنّه قد إستشرى في كل مؤسساته. فالعراق، يحتلّ اليوم المراتب الأعلى، عالمياً، في مستوى الفساد بالبلاد. أمّا أساس هذا الفساد فيعود إلى بريمر أيضاً. فهو قد تسلّم، آنذاك، أموال العراق المجمدّة، وهي بمليارات الدولارات، وأخذ يوزعها، بمئات الملايين، دون أيّ سجل أو متابعة، على من عيّنهم لإدارة الوزارات أثناء فترة إدارته لسلطة الإحتلال في العراق. من هنا بدأت بذور الفساد تورق وتتكاثر حتى عمّت كل مفصلٍ من مفاصل الدولة، حيث تبقى المشاريع مجرد مخطّطاتٍ على الورق، في حين تتسرب الأموال المخصّصة لها إلى المسؤولين وعوائلهم وأصدقائهم. وكان من نتيجة ذلك، حرمان المواطنين من أبسط حقوقهم في الصحة والتعليم والماء الصالح للشرب، والرعاية الإجتماعية.[/rtl] [rtl]يتبجح بريمر و كومبيرت بمساعدة العراقيين على "كتابة دستورٍ جديد ينصّ على فصل السلطات بين فروع الحكومة ويؤسسّ الحقوق الأساسية لجميع العراقيين. وهو يُلزم الدولة العراقية بسيادة القانون والقضاء المستقل والسيطرة المدنية على القوات المسلحة." وهنا لا بدّ من أن نتوقف قليلاً لنقول لبريمر وكومبيرت، إن العراقيين لم يكن لهم أي دورٍ في كتابة هذا الدستور المسخ، بل كتبه الصهيوني نوح فيلدمان، ثمّ وقع عليه مجموعة ممن إختارهم بريمر لقاء مبلغٍ من المال. وهو امرٌ معروف جيداً وقد أكدّه وزير الإسكان في أول وزارة بعد الإحتلال، باقر جبر صولاغ، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للداخلية، حيث قال في لقاءٍ متلفز أن كل شخصٍ من هؤلاء قد تسلّم مبلغ مائة وخمسون ألف دولار كثمنٍ للتوقيع على الدستور. كما أن الدستور لم يضمن أي حقّ من حقوق العراقيين، ولم يحقّق أي فصلٍ بين السلطات، فهي كلّها تحت سيطرة الأحزاب الحاكمة. وتحول القضاء إلى أداةٍ طيّعة لدى السلطات والميليشيات، ووسيلة لإرهاب الأبرياء تحت حكم المادة 4 إرهاب.[/rtl] [rtl]ويعبّر الكاتبان عن سعادتهما في تخصيص 25% من مقاعد البرلمان للنساء، ويتجاهلان أن المرأة العراقية هي أول الخاسرين من الإحتلال وتداعياته، وما أفرزه من سيطرة الأحزاب التي تستخدم الدين ذريعةً لبسط نفوذها وأفكارها البالية مما أدّى إلى تراجع حقوق المرأة كثيراً، ولعلّ بريمر يتذكّر أن من أولى التظاهرات بعد الإحتلال كانت تظاهرات النساء ضدّ محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، وهي محاولات مستمرّة لحد الآن. يضاف إلى ذلك ما تعرّضت له نساء العراق من قيود على حقوقهن، ومن ممارسات سعت لتحويل المرأة إلى سلعة تُباع في أسواق النخاسة والمتعة، هذا فضلاً عما واجهته النساء من تضييق في الوظائف والتعليم.[/rtl] [rtl]كان من المفروض بالسيدين بريمر وكومبيت أن يفكّرا قليلاً قبل تدبيج قصّة النجاح الكاذبة لديمقراطيتهما في العراق، لماذا يخرج العراقيون، منذ سنين، بمظاهراتٍ واسعة النطاق، ويعلنون فيها بكل وضوح عن رفضهم لهذا النظام (وتلك الديمقراطية) رفضاً قاطعاً ويطالبون بمظاهراتهم بالغائه، وإلغاء كل ما نجم عنه، وإقامة نظامٍ حكمٍ ديمقراطي حقيقي يقوم على الهوية الوطنية العراقية الجامعة، لا الهويّات الطائفيّة المُفَرِّقة.[/rtl] [rtl]وبالمناسبة، نقول لبريمر وكومبيرت، أن نظامكم الديمقراطي في العراق قدّ تعرّض للمتظاهرين السلميين بقسوة شديدة، مستخدماً السلاح الحي، وشتى أنواع الأسلحة بما في ذلك من خلال القنّاصين، ولجأ إلى التهديد والتعذيب والإعتقال والإخفاء القسري لكثير من الناشطين السلميين، رغم تغنّي دستور الاحتلال بحقوق الإنسان، والحقّ بالتظاهر السلمي، وإحترام الحرّيات. لقد فقد العراق خيرة شبابه لمجرد أنّهم مارسوا حقّهم بالتجمع السلمي، فعن أي تجربة ناجحة يتحدّث كاتبا المقال؟[/rtl] [rtl]هنالك الكثير مما يمكن قوله عن مقال بول بريمير و ديفيد كومبيرت، لكننا نلخص الموقف من كلّ ما جاء فيه بإستعارة المقولة المصرية (صحيح اللي إختشوا ماتوا)![/rtl] |