مؤتمر بغداد: هدوء إقليمي داخل حلبة الصراع!
منذ 4 ساعات
تمكن العراق من تحويل «مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون» الذي عقد السبت الماضي، إلى نقطة توازن في محيط إقليمي ومشهد عالمي متوتر، وهو أمر يمكن أن يعزى، إلى حد ما، إلى رغبة أطراف إقليمية متصارعة في فسحة تهدئة بعد وصول الصراع الإقليمي إلى ذرى لم تشهدها دول الخليج العربي والإقليم من قبل.
يعكس المؤتمر أيضا، حاجة عراقية لتوظيف تلك الرغبة العربية والإقليمية في تحسين شروط العراق في المنطقة، ودعم حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي يحاول جمع الخيوط الإقليمية والعربية المتنافرة، والتي ابتدأ أقطابها، في الفترة الأخيرة، بالتقارب المعلن والمحسوس، وهو ما تجلّى في المؤتمر، بلقاء، هو الأول من نوعه، جمع بين أمير قطر والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكذلك بين الأمير والشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي.
كان الحضور السعودي والإيراني، عبر وزيري خارجيتهما فيصل بن فرحان وحسين أمير عبد اللهيان، إشارة أيضا إلى رغبة متزايدة لدى الطرفين في إيجاد خطوط للقاء، وقد أشار وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى أن «اللقاءات السعودية الإيرانية مستمرة» وأنها «بدأت من بغداد» كما حصل لقاء بين حاكم دبي ووزير الخارجية الإيراني.
ضمن هذا الإطار العام للتهدئة والعمل الحثيث على توفير ظروف تقارب وتهدئة، كان لافتا ما عبر عنه حضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عمل على تظهير الدور الذي يرتئيه لبلاده في السياقين العراقي والإقليمي، عبر ربط مجمل المسائل بـ«قضية الإرهاب» واستخدامها تسويغا للتدخل العسكري الفرنسي، حيث وضع إشارة مساواة بين دور باريس في منطقة المشرق العربيّ والخليج وما تفعله في منطقة الساحل الأفريقي معتبرا أن الأمر يتعلق بمحيط فرنسا و«أمنها الوطني» مؤكدا أن بلاده «عازمة على مواصلة القتال في العراق وخارجه لتفادي عودة لا تزال ممكنة لتنظيم داعش» وقد رأينا توجها شبيها بهذا في دعوته أيضا لتأسيس «منطقة آمنة» في أفغانستان، وهو توجّه سيعني، بطريقة أو أخرى، استمرار الحرب مع الأفغانيين.
نجاح بغداد في عقد المؤتمر، وفي تدوير الزوايا بين السعودية وإيران، ورعاية لقاء أمير قطر بالسيسي وبن راشد، صاحبه تجاهل قضايا عالقة، كموضوع علاقة طهران الحساسة ببغداد، والتي حاول وزير الخارجية الإيراني، على ما يبدو، التعبير عنها بطريقة اعتبرت «غير دبلوماسية» خلال الاصطفاف للصورة الرسمية للزعماء والمسؤولين الحاضرين، عبر الانتقال من الصف الثاني إلى الصف الأول، وكذلك موضوع عدم استخدام العراق منطلقا لشن هجمات على دول الجوار.
يعبّر المؤتمر عن صعود إقليميّ للعراق، وهو أمر يمكن أن يستمر البناء عليه أو ينتقض من جديد على أركانه، ويتعلّق الأمر طبعا بحدثين بارزين، الأول هو الانتخابات العراقية المقبلة، والانسحاب العسكري الأمريكي المزمع، وهذان حدثان، إذا اجتمعا، يمكن أن يغيّرا التوازنات الداخلية، ويعيدا العراق ليكون جزءا من الصراعات، بدلا من أن يكون وسيطا فيها.