قمة بغداد. وجهة نظر اخرى
د. سعد ناجي جواد
قمة بغداد. وجهة نظر اخرى
الان وقد انفض المهرجان وعاد كل المشاركين الى ديارهم بالسلامة والحمد لله، لابد من مراجعة لما حققه هذا الاجتماع وما فشل في تحقيقه.
بغض النظر عن الحملة الاعلامية التي قادتها اجهزة الاعلام الحكومية والرسمية والمُمَوَلة من الدول التي شاركت في هذه القمة، والتي جعلت منها حدثا تاريخيا كبيرا لم تشهد المنطقة مثله منذ عقود، فان هناك ملاحظات يجب ان تقال لكي لا يمر الحدث ووجهة النظر تلك مرور الكرام. وهي ملاحظات شخصية بحتة صادرة عن باحث بسيط يعتبر نفسه متابعا لشؤون العراق والمنطقة.
ابتداءا يجب الاعتراف ان هذا الحدث وهذه القمة استطاعت ان تعيد الفرحة لعدد غير قليل من العراقيين، الذين رغم كل معاناتهم اليومية والمستمرة منذ ان وقع الاحتلال البغيض ولحد اللحظة، شعروا بان عاصمتهم الحبيبة بغداد كانت قبلة دول الاقليم، وانها اصبحت على كل لسان، وشعروا بالفخر بان بلدهم لديه من الامكانيات ما يمكنه من جمع واستضافة هذا العدد المهم من الملوك والرؤساء والقادة، مع علمهم بان هذه الامكانات هي ليست من انجازات الاحتلال ولا الذين اتوا معه.
وافرحهم اكثر الكلمات الودية والصادقة التي القاها اغلب القادة الحاضرين بحقهم وبحق بلدهم وعاصمتهم وتاريخهم. مثل الكلمات الطيبة للعاهل الاردني والرئيس المصري وامير قطر، وبقية رؤوساء الوفود. ولكن كلمة السيد رئيس وزراء دولة الكويت الشقيق خلقت في قلوبهم غصة وحسرة والم، حيث، بالاضافة الى عدم اخذها بعين الاعتبار الحكمة التي تقول (لكل مقام مقال) فانها اظهرت مرة اخرى ان قيادة البلد العزيز على قلوب العراقيين ما زالت غير قادرة على تناسي الماضي البغيض ولا تجاوز الذكريات غير الطيبة وما زالت حريصة وفي كل مناسبة على اشعار العراقيين بالذنب، مع العلم ان غالبية العراقيين كانوا قد تضامنوا مع الكويت اثناء محنته، وحاولوا ويحاولون تناسي كل ما فعلته بهم بعض قيادات البلد الشقيق والمليارات التي كانت تدفع لادامة الحصار عليهم، وجعل ارض الكويت منطلقا لاحتلال بلدهم والاصرار على اخذ تعويضات ضُخِمت بصورة مجحفة من قوت شعب يقاسي الامرين، والبذخ على سياسين فاسدين من اجل الحصول على مكاسب على حساب العراق، واخر هذه الممارسات الاصرار على بناء ميناء جابر الكبير لخنق المنفذ البحري الوحيد للعراق. ان اثارة الاحقاد او ادامتها مسالة ليست في مصلحة شعبين شقيقين متجاورين، ويجب ان تستبدل بسياسة اشاعة المحبة والود بين الشعبين وليس سياسة اثارة الضغائن وشراء ذمم سياسين فاسدين سوف ياتي اليوم الذي يحاسبون فيه على سرقاتهم وفسادهم. وربما ادرك امير الكويت المطب الذي اوقع فيه بلاده الوفد الذي يمثله فاسرع الى ارسال برقية لطيفة لحكومة العراق مهنئا بنجاح القمة.
المسالة الاخرى التي تستوجب التطرق هي الحادث الذي ادى الى اثارة رئيس وفد لدولة شقيقة والذي يبدو انه اشعره بانه مَثَّلَ خرقا بروتوكوليا واصولا دبلوماسية متبعة في عقد مثل هكذا مؤتمرات. وكان التبرير الرسمي العراقي للحدث أسوأ من الحدث نفسه. وهذا الحادث كان يجب ان يُتدارك بسرعة من قبل صاحب الدعوة، اذ ليس من اصول الضيافة ان يترك الضيف مكان الدعوة دون اجراء سريع يشعر الضيف بالاحترام المطلوب حتى وان اختلفنا معه ومع سياسة بلده.
القضية الاهم والخطا الاكبر الذي ارتكبه السيد رئيس وزراء العراق صاحب الدعوة هو قبوله باستثناء بلد جار شقيق ومهم مثل سوريا (وهذه ليست المرة الاولى التي يفعل فيها ذلك)، بسبب طلب من دولة دمرت العراق ومزقته ومهزومة لتوها ولم تستطع ان تنفذ قواتها او عملائها هناك، ولا نتيجة لطلب رئيس اوربي لم يظهر منه اي اهتمام بالعراق وبقضاياه ومعاناة شعبه طوال السنين السابقة. لا بل انه لم يُظهِر اي اهتمام بدولة مثل لبنان التي تربط بلده بها علاقات تاريخية وسياسية وثقافية طويلة. كان يجب ان تكون سوريا على راس الدول التي تحضر هذا الاجتماع، خاصة وان مصيرها وما يجري فيها مرتبط بمصير العراق، وان من يخطط لتدميرها هي نفس الاطراف التي تحاول ان تدمر العراق. ويكفي السوريين شرفا وفخرا وكرما انهم احتضنوا ما يقرب من مليون عراقي بعد الغزو والقتل والتدمير الذي احدثه الاحتلال وقواته والمتعاونين معه، ناهيك عن ايواءه للكثير من الذين يتسيدون المشهد السياسي اليوم عندما كانوا في المعارضة. كما ان حضور سوريا كان يمكن ان يخلق توازنا بين الدول المدعوة، بين الدول الرافضة لاقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل والدول التي قبلت بفكرة ما عرف بالتطبيع. واذا كان الهدف من المؤتمر هو (لتوحيد الجهود من اجل امن واستقرار المنطقة) كما ذكر البيان الختامي، فمن باب اولى ان تكون سوريا اول الحاضرين لان امن واستقرار المنطقة يبدا منها ومن الحفاظ على وحدة اراضيها ومن توقف الاطراف الخارجية عن العبث بامنها.
اخيرا وليس اخرا فان البيان الختامي للمؤتمر جاء مخيبا للامال وعاما جدا ولم يتطرق الى اية مسالة جوهرية وعملية تهم العرب والمنطقة بصورة عامة والعراق بصورة خاصة، ولم يحتوِ سوى على كلمات انشائية لا تًسمِن ولا تُغني من جوع. طبعا لم يكن من المتوقع من مؤتمر كهذا ان يتطرق الى القضايا الحيوية والمصيرية للامة العربية، مثل القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني، ولا شجب الاصرار على تدمير سوريا وليبيا، ولا المطالبة بوقف الحرب في اليمن ولا التعاون للوقوف بوجه السياسات الامريكية والصهيونية في المنطقة. ولكن كان يمكن ان يخرج الموتمر على اقل تقدير بقرارات كونكريتية لدعم العراق واشعار ابناءه بان الموتمر قد وضع خطة متكاملة للمساعدة في اعادة بناءه بعد كل الذي تعرض له منذ اكثر من ثلاثة عقود، وابتداءا منذ عام 1990، العام الذي فرض فيه الحصار الظالم واللاإنساني على العراق، ثم الاحتلال والتدمير الذي بدا في عام 2003 والمستمر لحد هذه اللحظة. والأهم ان الكلام العام عن دعم العراق ووحدة اراضيه لا ينسجم مع الدعم الذي تقدمه بعض الدول التي شاركت في المؤتمر للمنظمات الارهابية التي تعمل في العراق، ولا ينسجم مع سياسات دعم وتشجيع محاولات تقسيمه واضعافه بدعوى ان بقاء عراق ضعيف افضل لأمن وسلامة تلك الدول التي تمارس هكذا سياسات. متناسين انهم فقط بوجود عراق قوي آمن يمكن للمنطقة ان تعيش بامن واستقرار.
اخيرا وليس اخرا تبقى العبرة من هكذا تجمعات ولقاءات في ما ستفرزه من نتائج حقيقية ملموسة، وليس الصخب الاعلامي او تنفيذ اجندات اجنبية بعيدة كل البعد عن مصلحة ابناء المنطقة. وسيبقى العراقيون بالذات في انتظار ما سيتمخض عن هذا الموتمر، وعسى ان تكون هناك نتائج ملموسا تثبت عكس ما قيل اعلاه.