الحملات الانتخابية.. صور معدلة إلكترونياً وخطابات مكررة وسط "وعود مزيفة"
روداو:لم يستخلص قادة الأحزاب السياسية ورؤساء الكتل الانتخابية، منذ أول انتخابات تشريعية جرت في العراق بعد تغيير النظام السابق في 2005، وحتى اليوم، الدروس والعبر لإنتاج حملات انتخابية ناجحة بالاعتماد على خبراء متخصصين في الحملات الدعائية، أو على خبرات ونصائح مؤسسات العلاقات العامةPublic Relations ، ومختصرها المعروف عالميا"PR "، بالتعاون مع كوادر هذا الحزب أو تلك الكتلة الذين يتطوعون عادة للمشاركة في هذه الحملات من أجل فوز حزبهم، هذا ما يحدث في دول العالم المتطور.
لكن هنا، في العراق، تكون الحملات الانتخابية عشوائية في الغالب، وتعتمد أساليب بدائية، أكثر منها مدروسة أو مبرمجة، حيث يتم تكليف أحد اعضاء الحزب أو التحالف برئاسة الحملة دون الاعتماد على أية خبرات أكاديمية أو مهنية في هذا المجال.
تأثيرات سايكولوجية
يقول عالم النفس البروفيسور قاسم حسين صالح، في حديثه لرووداو، إن "مهمة الدعاية الانتخابية هي كسب الناخب لصالح المرشح وهذه تقوم على آلية سيكولوجية تعتمد تغيير اتجاه الناخب المحايد أو السلبي من المرشح وصولأ إلى الإقناع، وهناك نماذج عالمية أشهرها نموذج جامعة ييل الأميركية".
مضيفاً "في العراق، كانت الآلية السيكولوجية التي استهدفتها الدعاية الإنتخابية في وعي الجماهير، هي (العواطف)، ففي انتخابات (2005 و2010) استخدمت الدعاية الإنتخابية سيكولوجيا التخويف من الآخر، ولهذا حصل أن أعيد انتخاب فاسدين رغم معرفة الناخب أنهم فاسدون، لأن قادة الأحزاب والكتل السياسية عزفوا على وتر الطائفية ونجحوا في تغليب الانتماء الى الهويات الفرعية (الطائفة، العشيرة،المدينة، القومية..) على الهوية الوطنية التي توحّد الشعور بالإنتماء للعراق، فكان البرلمان العراقي في كل دوراته لا يمثل الشعب، وبالأرقام فاز 15 نائباً بأصواتهم، ما يعني أن أكثر من 300 نائباً لم ينتخبه الشعب".
ويشير البروفيسور صالح إلى أن "الوعي الانتخابي تغير بعد انتفاضة تشرين فالانجاز الوطني الكبير لها أنها أحيت الشعور بالانتماء للعراق واستعادت الهوية الوطنية بشعارها (أريد وطن) وبجماهير لا تربطها انتماءات حزبية ولا توجهات سياسية، لكن انتكاستها أثرت سلبياً.
بسبب توالي الخيبات، وانسحاب قوى وطنية وجماهيرية، وعدم وجود ضمانات لتحقيق أمن انتخابي، وهذا سيؤثر سيكولوجيا على الناخب العراقي، وقد يتكررموقف 2018 في 2021، لوصول المواطن إلى حالة اليأس من تغيير الحال".
قرارات ارتجالية
أدرج هنا بعض قصص الحملات الانتخابية التي اعتمدتها بعض الأحزاب السياسية، ففي عام 2005 رافقت إياد علاوي من لندن إلى بغداد مروراً بعمان، لمساعدته في حملته الانتخابية، حسب طلبه، ووقت ذاك كنت أعتقد أن ائتلاف العراقية الذي كان علاوي زعيمها ستحقق نتائج جيدة، ليس في الانتخابات فحسب، بل على صعيد إصلاح البلد وبناء دولة مؤسسات بعيداً عن الطائفية والمحاصصات واعتماداً على الكفاءات الوطنية.
في بغداد كنا نجتمع مع بقية المكلفين، طواعية أو عملاً، في الحملة الانخابية، وكان بعضهم يتمتع بمؤهلات أكاديمية جيدة، لكننا والحق يقال لم نكن قد مارسنا بالفعل أية تجربة في هذا المجال، بل اعتمدنا على متابعاتنا للحملات الانتخابية للأحزاب البريطانية والأميركية، وبدأنا نعمل لوضع خطط الحملة الانتخابية وبرامج للقاء زعيم الائتلاف مع الأكاديميين من أساتذة الجامعات وطلبتها والتركيز على جيل الشباب والنساء، واستقبل أعداداً من العمال والكسبة المسحوقين اقتصادياً، لشرح برنامجه الانتخابي، لكن للأسف لم تتحقق أية مفردة من مفردات برامجنا الدعائية بسبب أن الدكتور علاوي كان يفعل ما يفكر به هو فقط، ولا يصغي للآخرين، وباعتقادي أن غالبية، ان لم يكن جميع، قادة الأحزاب العراقية (العربية) يتصرفون بهذه الطريقة.
خسارة ساحقة
رجل الدين والسياسي اياد جمال الدين، عضو مجلس النواب ما بين 2005 حتى 2010، خاض انتخابات 2010 كزعيم لحزب أحرار الذي قال عنه إنه يضم خيرة الأكاديميين العرقيين، وأطلق وقتذاك تصريحات نارية، أبرزها أن حزبه سيفوز بأغلبية ساحقة وسوف يشكل الحكومة لوحده ولن يشرك أي حزب آخر في هذه الحكومة، وكما هو معروف فان (أحرار) لم تحصل على أي مقعد في البرلمان، وفشلت فشلاً ذريعاً.
وقتذاك صرح جمال الدين بأن مدير حملته الانتخابية خبير أميركي، وهو ذاته من قاد الحملة الانتخابية للرئيس باراك أوباما، وهذا الخبر كان قد أسعدني وقلت بإن السياسيين العراقيين بدأوا يفكرون بطريقة صحيحة لإدارة حملاتهم، وتوقعت أن يتدرب البعض من كوادر (أحرار) على يد الخبير الأميركي الذي لم يعلن عن اسمه. وبالرغم من أني كنت قد زرت جمال الدين في مقره، وأجريت معه حوارات صحفية، إلا أني لم ألتق أو أتعرف على مدير حملته الأميركي الذي أشيع عنه بأنه سيحقق بخططه فوزاً كاسحاً لحزب أحرار.
المال السياسي سيد الموقف
يبقى المال السياسي والمنصب الحكومي المتنفذ والسلاح المنفلت للميلشيات التي لها أجنحة سياسية مرشحة للانتخابات والتدخلات الإقليمية والدولية هي من تتحكم بالحملات الانتخابية، وتقرر فوز هذه الكتلة أو تلك، وهذا ما اعتمده نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، خاصة في ولايته الثانية التي انتزعت في انتخابات 2010 من ائتلاف العراقية بعد فوزها بـ 91 مقعداً بينما حصلت دولة القانون على 89 مقعداً، ومعروف كيف تم تفسير الدستور لصالح المالكي الذي كان قد أنفق مئات الآلاف من الدولارات وسخر أجهزة الحكومة وآلياتها لأغراض حملته الانتخابية، بينما كان وزير الداخلية، قد استخدم سيارات الشرطة الاتحادية للتكريس لحملته الدعائية، وسرعان ما أضحى هذا الإسلوب مقبولاً بالرغم من تعارضه تماماً مع قوانين الحكومة ومفوضية الانتخابات.
أساليب مكررة ووعود مزيفة
بالمقابل كرست أحزاب الإسلام السياسي، الشيعية خاصة، إمكانياتها عن طريق اذكاء الروح الطائفية في نفوس الناخبين معتمدة على صور وأقوال الأئمة ودعم بعض مراجع الدينيين لهم من أجل فوزهم بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، وهذه الأساليب أيضاً، كانت وما تزال، ممنوعة قانونياً.
وعلى العموم بقيت أساليب الدعايات الانتخابية، حتى اليوم متخلفة وبدائية ومكررة لا تلامس اهتمام الناخب، وهي عبارة عن طباعة صور كبيرة معدلة إليكترونياً بواسطة برامج الـ (فوتو شوب) لتظهر المرشحات، خاصة، والمرشحين بأشكال مقبولة، وتحمل شعارات عفا عنها الزمن ووعود اكتشف الجمهور زيفها، والشيء الجديد هو قيام بعض الكتل بتغيير عناوينها وأسمائها بما يتماشى مع توجهات الجمهور، فنجد أن غالبية الكتل، باستثناء الاحزاب الكوردستانية ودولة القانون وائتلاف العراقية، اختارت في هذه الدورة الانتخابية أسماء تتناغم مع شعارات ثورة تشرين، مثل (عراقيون) و(عزم) و(تقدم) و (إنجاز) وغيرها.
أما الخطابات التي يلقيها قادة الكتل والتصريحات التي تتلى في الفضائيات، مقابل أجور باهضة، فهي لا تختلف عن سابقاتها، بل هي متشابهة في طروحاتها ووعودها المبالغ بها والتي مل منها الجمهور، بل بدت مثل أفلام مكررة بذات الممثلين والسيناريوهات والمخرجين باستثناء تبديل عناوين هذه الأفلام.
التجربة الكوردستانية
استثني من كل هذا الركام من الحملات الدعائية تجربة الكتل الكوردستانية، وبالذات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي وظف خبرات المختصين أكاديمياً ومهنياً، والذين يتمتعون بتجارب سياسية ناجحة من اعضائه، ومنذ اشهر للعمل على إنتاج حملة انتخابية مدروسة بعناية من حيث التوجه لجمهور الناخبين واختيار الشعارات والصور والوعود القابلة للتنفيذ، والأهم من هذا تعيين الفترة الذهبية لإنطلاق الحملة الانتخابية بهدوء، وبلا ضجيج مبالغ فيه في المدن والمحافظات المعنية.